الثلاثاء الماضي هتف شبان حركة غاضبون، والتي عملت مع لجان المقاومة على الاحتجاجات الشعبية ضد الحكم العسكري خلال ثورة ديسمبر، بـ"أهازيج المقاومة" والنضال المدني ضد الأنظمة العسكرية مع جنود الجيش، بالقرب من الصفوف الأمامية في أمدرمان للقتال ضد الدعم السريع.
باحث: مرارات فض الاعتصام هي التي تحرك شبان المقاومة السلمية لقتال الدعم السريع
مقاطع الفيديو التي نشرت خلال إفطار حركة غاضبون في أم درمان الثلاثاء الماضي أعادت للأذهان كيف أن علاقة كانت تقوم على العداء، بين شبان انخرطوا في احتجاجات شعبية ضد الانقلاب العسكري، بقيادة عبد الفتاح البرهان قبيل اندلاع الحرب مطلع العام الماضي، إلى علاقة المشاركة في القتال جنبًا إلى جنب ضد قوات الدعم السريع.
كانت الساحة التي تقع غرب مستشفى النو في أمدرمان مكتظة بالشبان، ما بين جنود يرتدون زي الجيش وصلوا للتو من جبهة القتال في معارك أمدرمان، وشبان في غرف الطوارئ ينتمون إلى غاضبون، وبعضهم جلبته "أشواق الثورة" التي تورات عن الأنظار قليلًا بعد اندلاع الحرب.
ونظمت حركة غاضبون إفطارًا جماعيًا الثلاثاء، قائلة إنها تود إحياء ذكرى شهداء ثورة ديسمبر وشهداء الجيش وشهداء حركة غاضبون، من دفعوا حياتهم ثمنًا لقتال الدعم السريع خلال الحرب.
مرارات قديمة
لم تكن المشاعر الغاضبة تجاه قوات الدعم السريع من فتية حركة غاضبون وليدة حرب منتصف نيسان/أبريل، بل تراكمت المرارات إبان اعتصام القيادة العامة، عندما هاجمت قوات المجلس العسكري في صبيحة الثالث من حزيران/يونيو 2019 مقر الاعتصام المدني، تشكل الرأي العام منذ ذلك الوقت على أن الدعم السريع ارتكب النصيب الأكبر من المجزرة الدموية التي أودت بحياة (128) متظاهرًا وفقًا للمسعفين الميدانيين.
منذ ذلك الوقت ويشعر هؤلاء الشبان أن ثمة معركة مؤجلة مع هذه القوات، مكانها ساحات المحاكم للحصول على قصاص الشهداء، مئات المتظاهرين الذين قتلوا قرب القيادة العامة للجيش.
التحقيقات التي ابتدرتها لجنة نبيل أديب المحامي السوداني والمدافع الحقوقي البارز، بزعم من رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، لم تسفر عن نتائج نهائية لتعقيدات واجهت المحققين، مثل استجواب قادة الجيش وفحص مقاطع الفيديو والتي تحتوي أغلبها على جنود الدعم السريع وهم يلوحون بالبنادق في وجه المتظاهرين.
استمرار النضال
قال فيصل وهو أحد أعضاء حركة غاضبون لـ"الترا سودان" إن ما يدفع هؤلاء الشباب للانخراط في صفوف الجيش على الرغم من وجود "مرارات أيضًا ضد القوات المسلحة لأنها انقلبت على الحكم المدني، ووقعت المجزرة القيادة العامة أثناء تولي المجلس العسكري للسلطة في السودان، لكن بالنسبة لهؤلاء فإن الأولوية في الوقت الحالي تفكيك "المليشيات" التي تهدد الدولة برمتها.
ويرى فيصل أن انضمام أعضاء المقاومة السلمية إلى القتال ضمن صفوف الجيش، لا يعني التوقف عن النضال المدني من أجل العدالة والتحول الديمقراطي، بل ما يحدث الآن عمل يؤدي إلى هذه المرحلة.
تعد غاضبون من الحركات الشبابية التي تشكلت خلال ثورة ديسمبر التي أطاحت بنظام الرئيس عمر البشير، وصعد العسكريون إلى السلطة مناصفة مع المدنيين في آب/أغسطس 2019، لكن لم يستمر التحالف طويلًا، حيث أطاح الجنرال عبد الفتاح البرهان متحالفًا مع خصمه اليوم، الجنرال حميدتي قائد الدعم السريع بالحكومة المدنية من مجلس الوزراء ومجلس السيادة "أعلى هيئة انتقالية" كانت مناصفة بين العسكريين والمدنيين.
يعتقد المحلل السياسي مصعب عبد الله، أن "أعداء الأمس حلفاء اليوم" جملة تنطبق على أعضاء حركة غاضبون، الذين انضموا للقتال في صفوف الجيش، وهي علاقة اقتضتها المصالح المشتركة تحت مبررات قد تبدو منطقية، وهي الحفاظ على الدولة من الانهيار، نظرًا لطبيعة تكوين قوات الدعم السريع وهي قوات تكونت على أساس العشيرة والولاء لقائد واحد فقط لا مؤسسة.
سهولة الاندماج
ويرى مصعب عبد الله في حديث لـ"الترا سودان"، أنه من السهل اندماج المقاتلين من حركات المقاومة الشبابية في الجيش، لأن الجنود وحتى صغار الضباط ينتمون إلى ذات المجتمعات التي أنجبت الحركات الشبابية، إلى جانب عدم وجود أيديولوجيا بين الطرفين، وهي من الأسباب التي تحول بين هؤلاء الشبان وبين أي مجموعة أخرى.
وأضاف: "طبيعة الجيش السوداني ليست مؤدلجة، ويتكون من غمار جنود جاءوا من أطراف المدن، وضباط من طبقة تلقت تعليمًا إلى حد ما، هذا التجانس أدى إلى قبول مجموعات شبابية جديدة تنتمي إلى نفس المجتمعات".
وأردف: "لذلك نلاحظ علاقة جيدة تجمع الجنود والضباط مع المقاتلين في صفوفها، سواءًا من المقاومة أو الاستنفار الشعبي، والحرب عمومًا تصنع علاقة من نوع خاص، تقوم على التكاتف والوحدة، لأن العدو بالنسبة للجنود في جبهات القتال عدو واحد".
خلال الحرب، نعى أعضاء في المقاومة السلمية شبان قتلوا وهم يحملون البنادق ضد قوات الدعم السريع، كان انضمام الشبان لافتًا إلى سلاح المدرعات جنوب العاصمة الخرطوم. فقد قرروا وضع حد لـ" الجنجويد" كما يقولون.
وعلى الرغم من محاولات الدعم السريع "استمالة" فكرة انضمام شبان حركات المقاومة السلمية إلى صفوفها، لكن طبيعة العلاقة بين الجانبين لم تكن تسمح بالمضي قدمًا لهذه الدعاية حسب المراقبين.
بالمقابل يقول محمد حسين الناشط في غرف الطوارئ شرق الخرطوم لـ"الترا سودان"، إن فكرة الانضمام إلى القتال يعني تأييدك لاستمرار الحرب، ل"أنك عندما تحمل البندقية وتعتقد أنك ستعود إلى المنزل نهاية اليوم بعد القضاء على الأعداء هذه فكرة ليست منطقية"، الحرب في بعض الأحيان تستمر سنوات وتكون على حساب السودان الذي قد يتفكك مع تطاول الصراع.
ناشط اجتماعي: عمل الشبان والفتيات في غرف الطوارئ لإغاثة المتضررين من الحرب أفضل من خيار حمل البندقية
ويرى حسين أن عمل الشبان والفتيات في غرف الطوارئ لإغاثة المتضررين من الحرب أفضل من خيار حمل البندقية، لأن الأولوية أن نسعى إلى انقاص عدد الشبان المنخرطين في صفوف الحرب، لأنهم عماد الدولة ومستقبلها، لماذا نرمي بالشباب إلى محرقة الحرب؟ يتساءل حسين.
وأضاف: "بينما المعارك تشتعل في الخرطوم والمناطق الساخنة، كان هناك مئات الشبان والفتيات يقومون بتوفير الطعام والمياه والصحة والأدوية، يعملون في ظروف بالغة التعقيد لإنقاذ آلاف المدنيين، ربما لدى من ذهبوا إلى جبهات القتال قناعات يجب أن تحترم أيضًا، لكن علينا أن نعمل من أجل السلام".