18-يونيو-2020

لغة الإشارة

بالتزامن مع خطة وزارة التربية والتعليم بنشر برامج تعليمية في محطات التلفزة الحكومية لتجهيز طلاب الصف الثامن للامتحانات عقب إنهاء الإغلاق الكلي بسبب كوفيد-19، ظهرت على السطح مشكلة تواجه المئات من الطلاب الذين يعانون من فقدان السمع  "الصم" لعدم تعيين مترجمي لغة الإشارة بالتزامن مع بث البرامج.

وتقول المعلمة مديرة معهد الأمل في الخرطوم هيفاء عمر إن: "خلو جداول البرنامج التعليمي التلفزيوني من مترجمي لغة الإشارة كان صادمًا لهم، ما يعني عدم تمكين الصم من استيعاب الدروس وهم مقبلون على امتحانات الصف الثامن مرحلة الأساس جنبًا إلى جنب مع جميع الطلاب/ات".

معهد الأمل للصم: التلفزيون الحكومي لا يكترث للصم ولم يعين منذ سنوات مترجمين للغة الإشارة حتى خطابات رئيس الوزراء ومجلس السيادة تبث بدون مترجمي لغة الإشارة وهذا ظلم فادح

وتشير عمر في حديثها لـ"ألترا سودان" إلى أن التعقيدات التي تواجه هذه الشريحة من أصحاب الاحتياجات الخاصة لا تقتصر على خلو البرامج التلفزيونية التعليمية من مترجمي لغة الإشارة بل أن جميع البرامج التلفزيونية حتى نشرات الأخبار سرحت مترجمي لغة الإشارة بحجة خفض الميزانيات، وكأن الصم فئة اجتماعية غير معنية بأخبار بلادهم.

اقرأ/ي أيضًا: مصادر: وزارة الصحة في معركة مع مافيا تحرير الدواء المسنودة من وزارة المالية

وعبرت عمر عن أسفها من عدم تعيين مترجم لغة إشارة في خطاب رئيس الوزراء عبد الله حمدوك الأخير بالتزامن مع الذكرى الأولى لمجزرة القيادة العامة، موضحًة أن الصم عزلوا من الحصول على الأخبار العامة.

مشكلة عدم تعيين مترجمين في لغة الإشارة للبرامج التعليمية في التلفزيون الحكومي امتد تأثيرها إلى ست مدارس بولاية الخرطوم، من بينها مدرسة التجمع السوداني للصم بولاية الخرطوم.

وتؤكد مديرة المجمع آلاء عباس لـ"ألترا سودان" أن الصم تعرضوا للتهميش في البرامج التعليمية التي تبث على التلفزيون الحكومي فيما يتعلق بمواد الصف الثامن، ويتعرضون للظلم عندما يجلسون للامتحانات مع أقرانهم لأنهم لن يتحصلوا على جرعات تعليمية".

وتقول عباس إن: "محطات التلفزة الحكومية تتعذر بعدم وجود ميزانية مخصصة لمترجمي لغة الإشارة، وفي نفس الوقت يتم تعيين المذيعين وتتساءل إذًا لماذا يكون تعيين المذيعين في القنوات الفضائية مقتصرًا على مقدمي نشرات الأخبار والبرامج، لماذا لا يتم تعيين مترجمي لغة الإشارة؟".

ومع انتشار فيروس كورونا في السودان منذ آذار/مارس الماضي، لجأ معلمو مدارس الصم بولاية الخرطوم إلى نشر مقاطع فيديو على المنصات الاجتماعية لتوعية الصم وحثهم على إجراءات التباعد الإجتماعي والالتزام ببروتوكولات وزارة الصحة.

وجاءت هذه الخطوة التي اعتمدت على المبادرات الفردية، بعد أن لاحظت إدارات مدارس الصم بولاية الخرطوم عدم تعيين مترجم لغة الإشارة في نشرات الأخبار بالقنوات الفضائية ومنصة كورونا الإعلامية.

وتقول آلاء عباس: "أرسلنا مقاطع فيديو إلى التلفزيون والقنوات المحلية لتوعية الصم بفيروس كورونا، القناة الوحيدة التي استجابت هي قناة الجزيرة القطرية ببث هذه المقاطع ضمن برامجها".

قضايا الصم لا تقتصر على عدم تعيين مترجمي لغة الإشارة بمحطات التلفزة الحكومية والخاصة، بل إن الحافلات العاملة في قطاع المواصلات لا تخصص لهم مقاعد، كما أن غالبيتها تتعمد عدم التوقف جوار مدارس الصم. كما أن المدارس الخاصة بالصم نفسها ليست الخيار الأفضل للعاملين في هذا القطاع، لأن الخيار الأفضل هو إدماجها مع المدارس العامة، فالتواصل بين الأطفال والطلاب يعلم الصم الكثير.

مثلًا في مدرسة الأمل للصم بمحلية الخرطوم منطقة السجانة، تشير مديرة المعهد والأخصائية الاجتماعية هيفاء عمر إلى أن: "الحافلات ترفض التوقف لطلاب المعهد جوار حديقة القرشي لأنهم يحملون بطاقات مجانية المواصلات، وهذا تمييز سلبي يقع أثره النفسي على الطلاب".

اقرأ/ي أيضًا: السودان ينضم رسميًا لتحالف لزيادة الشمول المالي والشفافية تابع للأمم المتحدة

وتوضح عمر أن: "بعض العائلات جزءٌ من المشكلة، وذلك بعدم إرسال الصم إلى المدارس بحجة أنهم مكانهم المنزل لأنهم لن يجدوا وظائف في سوق العمل. ونعاني من هذه الإشكاليات التي تتحمل الدولة مسؤولياتها بالتقصير في أداء واجبها الأساسي تجاه ذوي الاحتياجات الخاصة بشكلٍ عام".

عضو سابق باتحاد الصم: "جامعة السودان هي الجامعة الوحيدة التي تقبل الطلاب الصم لأنها تضم كلية الفنون الجميلة، وقانون التعليم العالي لا يشمل أوضاع الصم ولم يتطرق إليهم بتاتًا"

بينما ترسم العضو السابق في اتحاد الصم ومعلمة مدارس الصم بولاية الخرطوم وئام فضل صورة قاتمة عن وضع الطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة وبينهم الصم، وذكرت أنهم يحتاجون إلى الدمج في المدارس العامة وليس عزلهم في مدارس خاصة بهم، لأن الدمج يساعد على اندماجهم في المجتمع وعدم الشعور بالتمييز السلبي.

وتوضح فضل لـ"ألترا سودان" تجربة ولاية القضارف مع ذوي الاحتياجات الخاصة والصم، بإدماجهم في المدارس العامة عبر منظمة دولية كرست جهدها للمشروع، وهي منظمة (أي دي دي) العالمية، بتدريب المعلمين بشكلٍ عام في القضارف على لغة الإشارة.

وتعتقد فضل أن هذه التجربة فشلت في ولاية الخرطوم نسبةً لوجود عوامل كثيرة متعلقة باتحادات ذوي الاحتياجات الخاصة، وعقلية الحكومة نفسها التي لا تزال تعمل بنظام رجل الإطفاء لحل مشاكل أصحاب الإعاقة الحركية إضافًة للصم.

وتلفت وئام فضل إلى أن: "عدم تعيين مترجمي لغة الإشارة في البرامج التعليمية لطلاب الصف الثامن تصرف غير مقبول، وينبغي أن لا يفوت على إدارة كاملة بوزارة التربية والتعليم مسؤولة عن هذه الفئة، فالمطلوب أن تعمل الإدارة على عدم حدوث المشاكل لا البحث عن حلول إسعافية بعد وقوعها".

(اتحاد الصم السوداني)

في الأثناء كشفت المدير العام لإدارة التربية الخاصة بوزارة التربية والتعليم الاتحادية فائزة محمد أحمد حسن لـ"ألترا سودان" حل مشكلة البرامج التعليمية التليفزيونية لطلاب الصف الثامن من الصم عبر إنتاج برامج خاصة بالصم بتمويل من منظمة يونسيف التابعة للأمم المتحدة.

وقالت مسؤولة التربية الخاصة بالوزارة إن إدارتها تداركت هذه المشكلة وأجرت اتصالات باليونسيف لحلها، ووافقت المنظمة على تمويل البرامج الخاصة بالصم.

من جهتها تدعو مديرة مدارس التجمع السوداني للصم آلاء عباس، إلى وضع استراتيجية حكومية خاصة بذوي الاحتياجات الخاصة والصم، موضحًة أن العديد من المدارس لا تتبع للحكومة، وتتلقى المساعدات من منظمات وقالت: "طرقنا كل الأبواب لكن لا توجد استجابة حكومية لدعم ذوي الاحتياجات الخاصة والصم".

وتتسع رقعة مشاكل الصم مع الوقت، وتتلخص أبرزها في عدم الدمج بالمدارس العامة بجانب عدم تعيين مترجمي لغة الإشارة في محطات التلفزة ما يجعلهم لا يستطيعون مواكبة المستجدات في بلادهم، فضلًا عن عدم قبولهم في الجامعات، كما أن سوق العمل لا يحبذ توظيف الصم.

وتقول العضو السابق باتحاد الصم وئام فضل: "جامعة السودان هي الجامعة الوحيدة التي تقبل الطلاب الصم لأنها تضم كلية الفنون الجميلة، ويفضل الصم التخرج منها والعمل في النحت والفنون والتصميم، وقانون التعليم العالي لا يشمل أوضاع الصم ولم يتطرق إليهم بتاتًا".

اقرأ/ي أيضًا: العالقون في مصر معاناة مستمرة وأزمة تأبى الانفراج

وترى وئام فضل أن التمويل الدولي لدعم الصم وذوي الاحتياجات الخاصة ليس شحيحًا، لكنه يوجه إلى مشاريع لا تفيد الصم في إمكانية وصولهم إلى أهدافهم مثل التخرج والانتقال إلى سوق العمل، على الرغم من وجود فرص كثيرة لتشغيلهم في الدولة.

ظلت مشاكل الصم وذوي الاحتياجات الخاصة بالمدارس والمجتمعات بالعاصمة والولايات تنتظر "عقلية حكومية " جديدة

المشكلة التي في طريقها للحل في الوقت الراهن إنتاج برامج تعليمية تبث على التلفزيون على نطاقٍ واسع، ووقع الاختيار على وكالة السودان للأنباء أو جامعة السودان المفتوحة لإنتاج مقاطع فيديو يتحدث فيها مترجمو لغة الإشارة لمواد طلاب الصف الثامن، بحسب مدير معهد الأمل للصم هيفاء عمر.

بينما ظلت مشاكل الصم وذوي الاحتياجات الخاصة بالمدارس والمجتمعات بالعاصمة والولايات تنتظر "عقلية حكومية " جديدة كما تصرح وئام فضل. فيما تردد الأخصائية الاجتماعية هيفاء عمر "نحتاج معجزة".

اقرأ/ي أيضًا

خلاف بين وزارتي التعليم والشؤون الدينية بسبب كتاب "التربية الإسلامية"

تقرير أوروبي: الإمارات والسعودية يجهزان حميدتي للحكم وأوروبا خذلت المدنيين