03-يونيو-2024

اعتصام القيادة العامة في العاصمة الخرطوم (أرشيفية/غيتي)

خمس سنوات مرت على مجزرة القيادة العامة التي راح ضحيتها (130) من المتظاهرين السلميين واختفاء قسري لمئات الأشخاص، وتتجدد الذكرى اليوم الاثنين الثالث من حزيران/يونيو الجاري، بالتزامن مع حرب بين الجيش والدعم السريع، أكملت عامها الأول و(45) يوماً.

حقوقي: من ارتكبوا فض الاعتصام لن يكونوا جزءاً من المستقبل

صبيحة الثالث من حزيران/يونيو 2019 المُصادف للتاسع والعشرين من رمضان، داهمت قوات عسكرية مقر الاعتصام المدني قرب وزارة الدفاع السودانية والقيادة العامة للجيش. خلال ثلاث ساعات، كانت ساحة الاعتصام شبه خالية من المتظاهرين.

لم يتمكن أعضاء المجلس العسكري الانتقالي، الذين كانوا في تفاوض مع المدنيين حول السلطة في فترة ما بعد نظام البشير، من تقديم مبررات لإنهاء الاعتصام المدني. فالسؤال الذي وجهه المدنيون آنذاك: إذا لم يُشارك العسكريون في فض الاعتصام، لماذا لم يقدموا الحماية للمتظاهرين السلميين؟

هذا السؤال هو أيضاً ما جعل رئيس اللجنة الوطنية للتحقيقات في فض الاعتصام، المحامي البارز نبيل أديب، يتجه إلى الغوص في أعماق هذه القضية، ووضع كافة الاحتمالات، كما صرح كثيراً لوسائل الإعلام. سأل مراسل "الترا سودان" المتحدث باسم تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية بكري الجاك عن مصير الذكرى الخامسة لمجزرة القيادة العامة، قدم إجابات مقتضبة بالقول: "كل البلد الآن في مجزرة" واستدرك: "العدالة لا تسقط بتقادم السنوات".

بكري الجاك: كل البلد الآن في مجزرة

ما الذي سيحدث إذا لم تجلب العدالة لضحايا مجزرة القيادة العامة؟ يجيب الناشط الحقوقي أحمد عثمان قائلاً: "العدالة ستنفذ طالما لم يحدث قصور، لكن إذا أبرم السودانيون مصالحة وطنية، يمكن شراء المستقبل مقابل التنازلات في مثل هذه القضايا، لكن وفق مشروع سياسي يقوم على التصالح والعفو مقابل الحقيقة والاعتراف من مرتكبي المجزرة".

يقول عثمان لـ"الترا سودان" إن العسكريين الذين تلاحقهم الاتهامات من القوى المدنية وأعضاء لجان المقاومة بفض الاعتصام قرب القيادة العامة، حالياً في حالة انقسام ما بين الجيش والدعم السريع، ولفت إلى أن المسؤولية تقع على عاتق أعضاء المجلس العسكري في ذلك الوقت، والذين كان يتشكل من خمسة عسكريين، أبرزهم قائد الجيش الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان ونائبه الفريق أول محمد حمدان دقلو، بعدم تقديم الحماية للمتظاهرين السلميين أثناء مداهمة عسكرية، وقعت تحت أنظار قوات الجيش والدعم السريع.

ناشط: الدعم السريع نفذ فعلياً فض الاعتصام

ويرى عثمان أن الدعم السريع نفذ فعلياً فض الاعتصام جوار القيادة العامة بآلاف الجنود، كما أظهرت مقاطع الفيديو التي حصلت عليها لجنة التحقيق الوطنية برئاسة المحامي نبيل أديب، والتي كانت على وشك الاستعانة بخبراء أجانب لفحص هذه الأدلة ومن ثم الانتقال إلى مرحلة توجيه الاتهام.

ويعتقد رئيس لجنة التحقيق الوطنية نبيل أديب أن هيئة الاتهام قد لا توجه الاتهامات إلى المؤسسة العسكرية بصفتها الاعتبارية، لكن يمكن توجيه الاتهام إلى الأفراد الذين ينتمون إلى هذه المؤسسة وشاركوا في فض الاعتصام، وفق تصريحات أدلى بها لوسائل الإعلام خلال فترة التحقيقات.

ويقول الباحث السياسي مصعب عبد الله إن مجزرة القيادة العامة تركت "أثراً سيئاً" في نفوس المتظاهرين السلميين وشكلت "عقبة كؤود" في العلاقة بين المؤسسة العسكرية والحركات الشبابية الاحتجاجية، ولا تزال القوات المسلحة بمعزل عن تقديم اعتذار عن هذه المأساة، على الرغم من حاجتها إلى ذلك.

ويرى عبد الله في حديث لـ"الترا سودان" أن فض الاعتصام ساهم بشكل مباشر في إسراع العسكريين للانقلاب على الحكومة المدنية برئاسة عبد الله حمدوك، والانقلاب العسكري أدى إلى وصول السودان مرحلة الحرب بين الجيش والدعم السريع.

ويعتقد عبد الله أن القوى المدنية تعاملت بنوع من "الاستهتار" مع قضايا السودان عقب الإطاحة بنظام البشير، وأول سؤال كشف هروب المدنيين والعسكريين إلى الأمام ترك قضية الدعم السريع كما هي.

ودرج المتظاهرون على إحياء ذكرى فض الاعتصام سنوياً في الثالث من حزيران/يونيو، وأحياناً يُحيي بعض المتظاهرين ولجان المقاومة الذكرى في 29 رمضان سنوياً.

وفي ظل استمرار الحرب، لن يتمكن السودانيون هذا العام للمرة الثانية على التوالي على إحياء الذكرى عبر المواكب السلمية التي كانت تُنظم في العاصمة الخرطوم والولايات.

ومن الآمال التي كانت تنشد إقامة نظام مدني ديمقراطي، يصبح السودان اليوم على المحك، وهو يواجه احتمالات التفكك والانقسام مع اشتداد الحرب وتواري الحلول السلمية، وفق ما تقول الجماعات المؤيدة للديمقراطية.

ويقول الناشط الحقوقي أحمد عثمان إن مجزرة القيادة العامة نقطة مظلمة في مسار ثورة ديسمبر، تلاحق من ارتكبوا هذه الجريمة التي ترتقي إلى جرائم ضد الإنسانية وتحيلهم إلى المحكمة الجنائية الدولية.

ويرى عثمان أن القادة العسكريين الذين ارتكبوا مجزرة القيادة العامة لن يكون لهم ضمن مستقبل السودان، حتى لو أقروا بارتكاب الجريمة وطلبوا العفو، لن يسمح لهم السودانيون بالبقاء في مواقعهم.