13-سبتمبر-2020

تواجه الحركة اتهامات بارتكابها انتهاكات في مناطق سيطرتها (Relief Web)

في الأيام الفائتة، انتشرت في وسائل التواصل الاجتماعي، تسجيلات صوتية تحوي مقاطع تعذيب عنيف، حيث زعم ناشروا المقطع المسرب، أنها حادثة تعذيب وتصفيةلكادر حركة جيش تحرير السودان بقيادة عبدالواحد محمد نور، طالب جامعة الخرطوم سابقًا والرئيس الأسبق لرابطة أبناء دارفور بالجامعات والمعاهد العليا، فيصل آدم علي. حيث أثار المقطع سخط المتابعين والناشطين، وبدأ نقاش مفتوح حول ملف انتهاكات حركات الكفاح المسلح في السودان.

بدأت القصة في العام الماضي، وانتشر المقطع بعد إلقاء القبض على قيادي بالحركة من قبل فصيل منشق

تمتد التسجيلات لعشرة دقائق إلى ربع الساعة، فيها يهدد أحد الرفاق فيصل بإحضار الشرطة العسكرية المنوط بها التحقيق في التجاوزات والمسؤولة عن الانضباط والمحاسبة داخل كيان الحركة.

اقرأ/ي أيضًا: مبادرة "نداء الخرطوم".. حتى تسمع الخرطوم ويسمع السودان 

وجهت لفيصل في المقاطع اتهامات بمحاولة التواصل مع قيادة الحركة، الشيء الذي يشير لصراعات داخلية حول احتكار التعامل والوصول للقيادة. صرخ فيصل تحت إيقاع التعذيب، وصمت المقطع مخلفًا أسئلة كثيرة عما يحدث داخل حركة جيش تحرير السودان، وجرائم حركات الكفاح المسلح إبان فترة الحرب. ليبقى هناك سؤال محدد وواضح: أين فيصل؟ 

المناطق "المحررة"

يؤكد الناشط السياسي منتصر إبراهيم، أن قضية فيصل ليست الأولى من نوعها داخل حركة جيش تحرير السودان بقيادة عبدالواحد محمد نور، ولن تكون الأخيرة. وأفاد بأن التسجيلات التي نشرت في مواقع التواصل الاجتماعي قديمة، حيث قام أحد القادة المنشقين عن الحركة وقائد أحد الألوية العسكرية بإلقاء القبض على قائد عسكري آخر، نشير إليه بالرمز "ب" حيث وجد عنده تسجيلات تفيد بقتل وتعذيب فيصل، فما كان من قائد اللواء غير نشرها لكشف ما يدور داخل أروقة الحركة.

اقرأ/ي أيضًا: فصل صغار الموظفين وإغلاق مكتب كهرباء بالمناصير بحجة تفكيك التمكين

أضاف إبراهيم، أن القضية قوبلت بصمتٍ رهيب من جانب الرفاق في الحركة، ربما هو صمت إعلامي وهناك بركان يشتعل في الداخل، نحن لا نعرف الإجابة على هذا السؤال الذي يحتمل عدة مسارات، منها الولاء المطلق للمؤسسة العسكرية ذات التقاطعات الإثنية. ونلاحظ أن الولاء داخل الحركة هو ولاء مركب بطابع ثوري، إثني، وعسكري. وتابع منتصر قائلاً لـ"الترا سودان"، إن هناك استقطابًا حادًا داخل الحركة، وموقف مضاد للآخرين لاعتقاد قادة الحركة بأنهم مستهدفون من الآخر، والذي يمكن أن يكون حركات الكفاح المسلح الأخرى في العاصمة جوبا. جميعها أسباب دفعت الحركة لتبرير نفسها بالصمت الذي التزمه الرفاق بالداخل. 

ناشط سياسي: المناطق المحررة سجون ومعتقلات كبيرة، ولا مجال فيها للحريات والتفكير الفردي المستقل

وصف إبراهيم المناطق المحررة بالسجون والمعتقلات الكبيرة، ولا مجال فيها للحريات والتفكير الفردي المستقل، سيطر عليها منذ فترة طويلة مقاتلو "الغوريلا". هي واحدة من حروب العصابات غير التقليدية، تدور بين مجموعات قتالية يجمعها هدف واحد وجيش تقليدي. وأضاف إبراهيم: "هذا النوع من الحروب يعتمد الموقف الحاد ضد الآخر، وهو موقف المجموع، القطيع والسيادة الكلية". 

وقائع ما حدث

قال القيادي السابق بحركة تحرير السودان محمد بكر، إن قيادة الحركة متمثلة في عبدالواحد محمد نور، دعت لاجتماع في نيسان/أبريل 2020، لجميع لواءات الجيش بصدد تنوير عن موقف الحركة من مفاوضات السلام؛ هل ينضموا لركب السلام أم يستمروا في الكفاح المسلح. تحركوا جميعًا إلى منطقة "تورونتوا"، والمعروف أن كل لواء يتحرك بقوام ما يقارب (409 فردًا، وهي عدد (49) لواءً من قطاعات الحركة المختلفة. ظلت الألوية منتظرة ما يقارب (40) يومًا، ما اضطر بعض الأفراد للنزول إلى العمل في المناجم لتوفير متطلبات العيش، وطوال هذه الفترة كان هاتف القائد عبدالواحد مغلقًا ولا يمكن الوصول إليه.

اقرأ/ي أيضًا: ولاية الخرطوم تخفض الرسوم في عدد من القطاعات

تململ البعض بقيادة القائد مبارك ألدو، ووصلت إشارة لقائد الأركان كرجي كولا بما يحدث عن طريق لواء الأركان إدارة فيصل "الضحية"، حيث أعطى كولا تعليمات لفيصل لحث الألوية على الذهاب للمتقدمات. عندما وصلت هذه المعلومات للقائد العام للجيش "قدورة"؛ بادر بالاتصال بالقائد عبدالواحد محمد نور، والذي أشار بدوره إلى ضرورة عدم تحرك أحد من الألوية.

قيادي سابق بالحركة: نصب القائد "ألدو" كمينًا وقع فيه من كان يحتفظ بتسجيلات ملابسات تعذيب فيصل

ويتساءل بكر لماذا جعلهم ينتظرون (40) يومًا؟ وأجاب لأنه كان يخشى حدوث انشقاق ويلحق البعض بركب السلام.

فيصل آدم علي
فيصل آدم علي

يستطرد بكر في سرد ما حدث قائلًا، إن القائد ألدو رفض العودة إلى القيادة العامة مجددًا، متعللًا بطول الانتظار دون جدوى، ما دفع "قدورة" لاعتباره منشقًا وصنفه كعدو. من هنا بدأ التحقيق مع فيصل، عذب إلى أن مات، ويظهر من التسجيلات أن الذي كان يقود عملية التعذيب هو مسؤول التحقيق في الشرطة العسكرية، الرشيد باي. 

فيما بعد صدرت تعليمات باعتقال القادة ذو النون وألدو، وقام الأول بنصب كمين وقع فيه "باي" أسيرًا، وهو الذي كان يحتفظ بتسجيلات ملابسات تعذيب فيصل المسربة. وتشير المعلومات إلى أن "باي" لا يزال معتقلًا لدى مجموعة ذو نون.

صندوق باندورا انتهاكات الحركات

من جانبه، قال الناشط السياسي والكاتب الصحفي أحمد الشريف في حديثه مع "الترا سودان": "إن حادثة فيصل فتحت "صندوق باندورا" الذي سيخرج ملفات الانتهاكات بحركات الكفاح المسلح، والتي تم رصد عدد هائل من انتهاكات حقوق الإنسان التي مارستها في مراحلها المختلفة، والتي تمثلت في قضايا تجنيد الأطفال، الاغتصاب، مصادرة الأموال وغيرها.و تعد جميعها جرائم حرب، آن الآوان للتحقيق فيها، وتكشف لنا القضية أن المليشيات العربية ليست وحدها المتورطة في الجرائم منذ بدايات الأزمة السودانية".

اقرأ/ي أيضًا: حاكمة نهر النيل تقرع جرس امتحان الشهادة من مهد الثورة بعطبرة

وأكد الشريف أن قضية فيصل فتحت في زمن مناسب لمراجعة قضايا الانتهاكات داخل حركات الكفاح المسلح، مضيفًا أنها إذا حدثت في عهد نظام النظام البائد فأغلب الظن أن الناشطين كانوا سينظرون إليها كدعاية مضادة لحركة تحرير السودان. وعندما تحدث الناطق الرسمي باسم الحركة-القطاع العسكري- قبل عدة أيام لقناة تلفزيونية، أثار الشكوك، حيث يقال إنه -الناطق العسكري- معتقل، وكان اللقاء تحت التهديد. 

ناشط سياسي: في حال صحت هذه الادعاءات؛ نرد بالقول: إن المحاكمات لا تتم بهذه الطريقة

ويرى الشريف أن حركة عبدالواحد محمد نور ظلت واحدة من أكثر حركات الكفاح المسلح التي تم توجيه اتهامات لها من قبل المنشقين عن قيادة الحركة بارتكاب انتهاكات، ومارست عبر تاريخها الكثير من أساليب القمع ضد الخارجين عنها في الجامعات السودانية وعلى بقية الحركات الأخرى، لذلك شهدت انقسامات ظلت تتركز على علاقة القرابة والإثنية أكثر من المراجعات الفكرية.

ويؤكد الشريف أن الواضح من التسجيلات أن فيصل هو الشخص الذي وقع عليه التعذيب، وذلك من خلال نبرة صوته، كما أن الواقعة حدثت في العام الماضي في نيسان/أبريل 2019. 

وتابع: "لا نزال ننظر بيانًا رسميًا من الحركة لمعرفة الحقيقة النهائية، أو يظهر فيصل بشخصه لنفي الحادثة. ونلاحظ ظهور مدافعين عن حركة جيش تحرير السودان قائلين إن فيصل اختلس أموالًا وذهبًا من مناطق نفوذ الحركة، في حال صحت هذه الادعاءات؛ نرد عليهم بالقول: إن المحاكمات لا تتم بهذه الطريقة، وإن كان المتهم جاسوسًا. 

مسؤولية القيادة

وقال الناطق الرسمي باسم حركة تحرير السودان محمد الناير في حديثه مع "الترا سودان"، إنهم يتابعون جميع الأطراف لمعرفة الحقيقة، وأن أي قطاع بالحركة يضطلع بمسؤولياته ومهامه، والقطاع العسكري منفصل عن السياسي، له قوانينه الخاصة، المنفصلة عن السياسي. وعلى الرغم من إصدار البيان، إلا أنه ووجه بأنه لم يجب على جميع الأسئلة.

اقرأ/ي أيضًا: حوار| قضايا السلام والانتقال الديمقراطي مع رئيس الجبهة الثورية

وتابع الناطق الرسمي قائلًا، إن هناك مسؤولية تنظيمية وأخلاقية تقع على عاتق قيادة الحركة، وأضاف: "نراقب كل ما يثار حول القضي،ة ومتحركون على عدة جوانب، حيث تم تشكيل لجان تحقيق في هذا الحدث الجسيم، وسيأخذ بعض الوقت لأن هذه القضايا لا تدار بالعاطفة".

المتحدث باسم الحركة: حادثة فيصل مسؤولية القيادة في الحركة، وامتحان لها أمام المبادئ التي تنادي بها

ونوه الناير إلى إجراء تحقيق عادل لمعرفة الحقيقة، مع التأكيد أن مثل هذه الأحداث لا تحل في وسائل الإعلام والوسائط الاجتماعية وحدها، وأكد عند التوصل لحقيقة ما جرى سيتم عرض الحقائق للرأي العام بكل شفافية ووضوح، ومحاسبة كل رفيق يثبت تورطه في هذه القضية أو مارس انتهاكًا بحق رفيق آخر. وأوضح لـ"الترا سودان"، بأن حادثة فيصل مسؤولية القيادة في الحركة، وامتحان لها أمام المبادئ التي تنادي بها من حرية وعدالة.

اقرأ/ي أيضًا 

استمرار انخفاض مناسيب النيل في معظم الأحباس

شيخون: قرارات الحكومة تأثيرها محدود.. وتاجر عملة: الدولار سيباع في الشقق