13-سبتمبر-2020

وسعت المبادرة نداءها ليشمل ليس الخرطوم فقط بل كل أرجاء السودان (الترا سودان)

"النفير"؛ واحد من سلوكيات السودانيين في حالات اليسر والعسر. يتبدى عند الزراعة والحصاد والبناء مثلًا. لكنه يتبدى أكثر عند الفاجعة والكارثة. فيهبُ السودانيين هبة واحدة؛ حتى تنجلي حالة النفير. ذات سلوك النفير السوداني، هو ما يتسيد المشهد هذه الأيام. وواحدة من هذه التجليات مبادرة "نداء الخرطوم"، التي تنشط بطريقة طوعية إنسانية عالية، في إغاثة المتضررين من السيول والفيضانات التي ضربت السودان هذه الأيام.

كانت أولى أسباب الاجتماع لتكوين المبادرة هو قبح مدينة الخرطوم بسبب أطنان النفايات التي تجدها في أي مكان

مبادرة نداء الخرطوم، واحدة من الأجسام الطوعية الإنسانية المكوّنة حديثًا، إذ يعود تاريخ تكوينها إلى العام الفائت 2019. كانت بذرتها الأولى مجموعة من الأصدقاء من مختلف التخصصات والخلفيات الأكاديمية والمهنية: رجال أعمال، مهندسون، قُضاة، إعلاميون، قانونيون وغيرهم. تجمع بينهم مدينة الخرطوم التي ينتمون إليها بالسكن أو الميلاد والانتماء. 

اقرأ/ي أيضًا: طوكر.. الرمق الأخير

كانت أولى أسباب الاجتماع لتكوين المبادرة كما قال عضو المبادرة طاهر المعتصم لـ"الترا سودان"، هي: قبح مدينة الخرطوم بسبب أطنان النفايات التي تجدها في أي مكان. وهي السبب -بحسب خبراء صحيون وطبيون في مبادرة نداء الخرطوم- في عددٍ من الأمراض التي انتشرت وقتها في عدد من أحياء الخرطوم مثل الملاريا والكوليرا. هذا بجانب الدمار في الشوارع والأمكنة العامة في الخرطوم، من غير أن تجد التفاتة رسمية من الدولة لإصلاحها وصيانتها، "فكانت الالتفاتة منا باعتبار أننا شركاء جميعًا في الوطن، ويجب أن نساعد الدولة وتساعدنا لبناء السودان، وتحقيق شعار الثورة السودانية: حنبنيهو".

"نداء الخرطوم"
"نداء الخرطوم"

وتنشط في فترات الكوارث، وخاصة الفيضانات التي ظلت تضرب مناطق متفرقة في السنوات الماضية، مجموعات شبابية خيرية طوعية. تعمل في مجال تقديم الإغاثة والعون لمتضرري السيول والأمطار سنويًا. وتجد سندًا شعبيًا من السودانيين داخل وخارج السودان. كما تعمل في عمليات الإجلاء للذين حاصرتهم مياه السيول والفيضانات.

ولا يقتصر عمل هذه المجموعات الطوعية عند الإغاثة، وإنما يمتد في حالات كثيرةٍ حتى تقديم العون والمساعدات بعد انجلاء كارثة الفيضان. أبرز هذه المجموعات مجموعة "نفير"، والتي نشطت في العشر سنوات الأخيرة. وحازت سمعةً جيدة في العمل الطوعي الإنساني، لجهودها غير المنكورة في هذا المجال.

نداء الخرطوم

وبالعودة إلى نداء الخرطوم، فقط بدأت أولى أنشطتها في حملات إزالة النفايات، والنظافة. حيث استغلت نداء الخرطوم، فترة الإغلاق الكلي الذي فرضته لجنة الطوارئ الصحية العليا في السودان، في ولاية الخرطوم، وبقية مدن السودان بسبب تفشي جائحة كورونا في السودان، وارتفاع عدد الإصابات. ونفذت المبادرة وقتها العديد من حملات التعقيم المباشر للأمكنة العامة، مثل مواقف المواصلات والمستشفيات، والأسواق. كان ذلك في الفترة من التاسع من أيار/مايو، وحتى التاسع من تموز/يوليو من هذه السنة 2020.

وكان مجلس الأمن والدفاع السوداني، قد أعلن في السادس عشر من آذار/مارس الماضي، حالة الطوارئ الصحية بالبلاد، لمواجهة أية إصابات محتملة بفيروس كورونا. على أن يتم تكوين لجنة عليا لوضع كافة التدابير التي تمنع دخول المرض للبلاد، وتسخير كافة المقدرات الصحية والأمنية واللوجستية التي تعينها على أداء مهامها.

يعود طاهر معتصم للقول، بأنّ حوادث السيول والفيضانات التي ضربت السودان، قبل أسابيع، كانت نقطة تحوّل كبيرة في عمل مبادرة نداء الخرطوم. يقول طاهر لـ"الترا سودان": "منذ اليوم الأول للسيول، وسقوط ضحايا، وتهدم العديد من المنازل، وتهديد أحياء عديدة في ولاية الخرطوم، أصدرنا قرارًا في مبادرة نداء الخرطوم، وقضى تجميد جميع أنشطة المبادرة، من تنظيف ولاية الخرطوم، والاهتمام بالبُنى التحتية والخدمات، وترقيتها، مباشرةً، إلى الاهتمام بضحايا الفيضانات والسيول في ولاية الخرطوم. وسريعًا حوّلنا كل الإمكانيات لمساعدة منكوبي ومتضرري السيول والفيضانات".

وتقول الإحصاءات الرسمية، إن حصيلة قتلى السيول والفيضانات تجاوزت مئة شخص، بجانب إصابة العشرات. أما المنازل التي تضررت جراء السيول، فتعد بعشرات الآلاف. وأعلن مجلس الأمن والدفاع في السودان، السبت الماضي، حالة الطوارئ في جميع أنحاء البلاد، لمدة ثلاثة أشهر، لمواجهة السيول والفيضانات. واعتبر المجلس السودان منطقة كوارث طبيعية.

في الوقت الذي تقول فيه إحصائيات لمجموعات طوعية، إن عدد المنازل التي تضررت بسبب الأمطار والسيول تجاوز السبعين ألفًا. وأنّ الأشخاص المتضررين تجاوزوا الإثنين وسبعين ألفًا، بحسب مجموعة نفير الطوعية. أما مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في السودان، فقد قال بأن أحد عشر شخصًا لقوا مصرعهم جرّاء الأمطار الغزيرة والسيول التي تأثر بها مئة ألف شخص.

وعلى الفور، نشطت عضوية مبادرة نداء الخرطوم، عقب تساقط ضحايا الفيضانات والسيول، في مدينة الخرطوم، للعمل على أكثر من مستوى. أول هذه المستويات، إغاثة المتضررين، عبر سلال غذائية، تمّ توزيعها في أكثر من منطقة. تجاوز عدد السِلال الغذائية التي تمّ توزيعها حتى الآن الألف. وكل واحدة من هذه السِلال تكفي الأسرة الواحدة لشهرٍ كامل. وبحسب المكتب الإعلامي لمبادرة نداء الخرطوم، فقد تمت تغطية أكثر ثلاث مناطق متضررة في ولاية الخرطوم، وهي: منطقة صالحة بأمدرمان، والتُمانيات بالخرطوم بحري، والكلاكلة القلعة بالخرطوم.

اقرأ/ي أيضًا: فيضان النيل.. أحلام تحت الركام

 المستوى الثاني الذي نشطتْ فيه مبادرة نداء الخرطوم، كان في توزيع طلمبات شفط المياه، وهذا تمّ بالتنسيق مع شرطة الدفاع المدني. هذا بجانب توزيع أكثر من مئة خيمة للمتضررين. 

عضو المبادرة: حوّلنا اختصاص مبادرة نداء الخرطوم، بدلًا أن تكون في الخرطوم فقط، أن يكون نداءً لكل السودان

ويختم طاهر المعتصم بأنّ الغرض من المبادرة في البداية، كان نداء ومخاطبة مشكلات الخرطوم من نظافة وتعمير، وصيانة. "أما الآن، ومناطق عديدة من السودان تعاني من السيول والفيضان، فقد حوّلنا اختصاص مبادرة نداء الخرطوم، بدلًا أن تكون في الخرطوم فقط، أن يكون نداءً لكل السودان". 

اقرأ/ي أيضًا

نساء تحت حصار الفيضان

يوسف الدوش ورفاقه.. مبادرة ألهبت حماس الشباب للعمل في مهن مؤقتة