16-نوفمبر-2019

الصحفي بيتر جوليوس الذي قتل في آب/أغسطس 2015 (الحوش)

تعيش الصحافة في دولة جنوب السودان أوضاعًا بالغة التعقيد، خاصة الصحف الورقية التي لا يكاد عددها يتجاوز الخمس، فإلى جانب ضعف أو غياب البنية التحتية من مطابع وكهرباء، فهنالك مشاكل أخرى كبيرة في بيئة العمل حيث يواجه الصحفيين والصحفيات العديد من الضغوط والمضايقات، فبرغم الحوارات العديدة التي أدارها الإعلاميين مع ممثلي الأجهزة الحكومية الرسمية سيما المؤسسات الأمنية من أجل تحسين شكلية التعامل مع الصحفيين، إلا أن الاعتداءات على الصحفيين في جنوب السودان لم تتوقف، فالشهر المنصرم تعرضت صحفيتان للضرب بحامل الكاميرا من قبل رئيس شعبة التوجيه المعنوي بالجيش في افتتاح أعمال مؤتمر الجيش السنوي بقاعدة "بيلفام" العسكرية غربي جوبا.

منذ استقلال البلاد في تموز/يوليو 2011 ، قتل عشرة صحفيين في جنوب السودان بسبب آرائهم وكتاباتهم

منذ استقلال البلاد في تموز/يوليو 2011 ، قتل عشرة صحفيين في جنوب السودان بسبب آرائهم وكتاباتهم، كما تعرض عددًا كبيرًا منهم لخطر الاعتقال التعسفي، وفي جميع تلك الحالات لم يتم القاء القبض على الجناة، كما لم تقم السلطات بإجراء تحقيق حول تلك الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين، فقبل أكثر من شهرين تعرض رئيس تحرير صحيفة الوطن الناطقة بالعربية مايكل كريستوفر للاعتقال بواسطة السلطات الأمنية وتم أطلاق سراحه دون تقديمه لمحاكمة، كما توقفت الصحيفة من الصدور لفترة شهر قبل أن تعاود الصدور مجددًا، بعد أن قامت بكتابة اعتذار رسمي لسلطة إدارة الإعلام الحكومية في جوبا عن الملابسات التي قادت إلى توقفها عن الصدور.

اقرأ/ي أيضًا: عبد الناصر أهدى قصورًا نوبية للغرب.. ومواقع التواصل تشتعل بالجدل!

صنفت التقارير الدولية جنوب السودان كواحدة من أخطر البيئات والأماكن التي يمكن للصحفيين العمل فيها على مستوى العالم، إذ تحتل المرتبة (139) في قائمة حرية التعبير.

في الأعوام الثلاثة الماضية قامت السلطات الحكومية الرسمية في جنوب السودان بإغلاق بعض المواقع الإخبارية الإلكترونية الهامة مثل سودان تربيون، وراديو تمازج و موقع (فان لويل ويل) بسبب نشرها لأخبار ومقالات تنتقد أداء الحكومة وكشف جرائم الفساد التي تقع داخل مؤسسات الدولة في مختلف القطاعات الاقتصادية الحيوية بالبلاد.

تقول ميري أجيث، رئيس جمعية تطوير الإعلام بجنوب السودان في تصريحات لـ"الترا سودان": "في جنوب السودان وقعت العديد من الجرائم والانتهاكات ضد الصحفيين، لكن الجناة لايزالون أحرارًا، لم يتم فتح تحقيق في أيًا من تلك الجرائم، الصحفيين عندنا يواجهون تبعية أفعال لم يقوموا بها".

وسبب تلك الانتهاكات والمضايقات، أصبحت الصحف في جنوب السودان تفرض على نفسها نوعًا من الرقابة الذاتية، تحدد بموجبها سقف المواد المنشورة، حيث تراجعت مساحة التقارير الإخبارية والتحقيقات التي تتطرق لقضايا الفساد التي وردت في العديد من التقارير الدولية إلى جانب الانتهاكات البيئية المرتبطة بإنتاج النفط، خشية أن يثير ذلك غضب السلطات التي تلزم الصحف والصحفيين بالاعتذار عن أخطاء لم يرتكبوها.

اقرأ/ي أيضًا: "خفافيش الظلام" تنقلب على عيساوي.. إقالة مدير التلفزيون السوداني

تقول آنا نمريانو، رئيس تحرير صحيفة جوبا مونتر الإنجليزية: "أن تعمل صحفيًا في دولة تعيش حالة حرب مثل جنوب السودان ليس بالأمر السهل، حاليًا هناك تحسن طفيف في أوضاع الصحافة والصحفيين بفعل اتفاق السلام وحالة الهدوء النسبي، لقد قلت حالات الرقابة على الصحف نوعًا ما".

يقول جوزيف أودوهو، صحفي من دولة جنوب السودان في تصريحات لـ"الترا سودان": "القوانين واضحة، فإذا كانت هناك حالة تضرر مما يقوم به الصحفي فمن حق الجهة المتضررة أن تتقدم بشكوى مكتوبة لسلطة الإعلام، والتي يجب أن تكون محل احترام جميع أجهزة تطبيق القانون بالبلاد، ففي جنوب السودان لقي حوالي عشرة صحفيين مصرعهم أثناء القيام بعملهم منذ الاستقلال، هذا العام لم تسجل أي حادثة قتل لصحفي، لكنا لا نزال نستقبل العديد من التهديدات والتحذيرات".

تم إيقاف إذاعة بخيتة التابعة للكنيسة الكاثوليكية لفترة شهر كامل بسبب رفضها بث خبر حملته لها إحدى الأجهزة الأمنية

عانت الصحافة في جنوب السودان بدرجة كبيرة من التضييق خلال الفترة التي شهدت اندلاع الحرب الأخيرة بين الحكومة والمعارضة، خاصة بعد أن منعت السلطات الصحفيين من نقل أخبار المعارضة أو التعليق عليها بالمرة، ما يعني كتابة قصص إخبارية أحادية الجانب تحكي وفق الرواية الرسمية وتحمل وجهة نظر الحكومة لوحدها، حتي في بعض القضايا والمسائل المهمة والمرتبطة بالعملية السلمية بالبلاد، وقد تعرضت إذاعة أي راديو للإغلاق لأكثر من مرة بسبب محاورتها لمسئولين من المعارضة واستنطاقهم حول تطورات الأوضاع السياسية بالبلاد، كما تم إيقاف إذاعة بخيتة التابعة للكنيسة الكاثوليكية لفترة شهر كامل بسبب رفضها بث خبر حملته لها إحدى الأجهزة الأمنية.

هذا ويتوقع الصحفيين في جنوب السودان أن تزيد مساحات التضييق على حريتهم في الفترة المقبلة والتي ستشهد تكوين إعلان الحكومة الانتقالية بمشاركة أطراف المعارضة المسلحة وبقية الأحزاب السياسية بالبلاد، فالحكومة ستركز جهدها على وسائل الإعلام في الصحف والإذاعات وما تتيحه من فرص لقادة المعارضة، حيث ستقوم بملاحقة تلك الوسائط بالعديد من الاتهامات من بينها التواطؤ مع المعارضة.

 

اقرأ/ي أيضًا

المؤسسات الإعلامية والصحفية.. مهام المرحلة وصلاحيات الوزير

اللجان التمهيدية لاستعادة النقابات.. خطوات صحيحة وتحديات ضخمة