15-سبتمبر-2019

إسماعيل عيساوي، مدير التلفزيون السوداني المقال (يوتيوب)

بعد سقوط نظام الرئيس المخلوع عمر البشير، هبت موجة أخرى من الغضب تجاه القناة الفضائية الرسمية، تستهدف هذه المرة إقالة مدير الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، إسماعيل عيساوي، وذلك لما اعتبره البعض دورًا سلبيًا لعيساوي في عملية التغيير، ببثه أفلامًا مسيئة للثورة، مثل فيلمي "خفافيش الظلام"، و"الخرطوم تنتحب".

أعلن رئيس الوزراء السوداني إقالة مدير هيئة الإذاعة والتلفزيون إسماعيل عيساوي، بعد تفاقم الغضب ضده وضد التلفزيون السوداني

لم يلبث أن تفاقم الغضب وكثرت المطالب بإقالة إسماعيل عيساوي، حتى أعلن رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك، اليوم 15 أيلول/سبتمبر 2019، إقالة إسماعيل عيساوي، وتكليف إبراهيم البزعي بتولي مهام مدير الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون.

 

وخلال السنوات العشر الماضية، انحسرت نسبة نسبة مشاهدة التلفزيون السوداني بصورة ملحوظة بسبب ضعف الإنتاج ورحيل الكفاءات وتفاقم المشاكل الإدارية وعدم القدرة على المنافسة مع قنوات سودانية خاصة.

لكن ظهور قادة الجيش فيه وإذاعة بيانات التغيير حصريًا، أعاد إليه الأضواء مجددًا، وبات هو المصدر الوحيد للأخبار الرسمية، خصوصًا بعد تعطيل مواقع التواصل الاجتماعي لنحو شهرين.

أفلام مسيئة للثورة

أثناء فترة الاعتصام أمام مقر الجيش، بث تلفزيون السودان فيلمًا تحت عنوان "خفافيش الظلام"، بدا أن الغرض منه تأليب الرأي العام على الثورة، بعض أن وصف الاعتصام وما يحدث فيه بـ"الممارسات الفاحشة" و"المتجاوزة لتقاليد وأعراف الشعب السوداني".

وسخر الفيلم من "الكنداكات"، وعرض ملابس داخلية للنساء، زعم أنها دليل ممارسات غير أخلاقية حدثت داخل منطقة الاعتصام، إلى جانب اتهامات طالت بعض الناشطين بالعمالة، وشخصيات معارضة معروفة.

ونقل الفيلم الآخر "الخرطوم تنتحب" مشاهد تخريب جامعة الخرطوم، وقال إنه تخريب بأيدي "ثوار مخربين"، مسلطًا الضوء على منطقة كولومبيا، جزيرة الخمر والمخدرات، التي كانت تحيط بمنطقة الاعتصام من ناحية ضفة النيل الأزرق، باعتبارها من أعمال الاعتصام!

بث الفيلمين أصاب الجمهور بحالة من الذهول، خاصة أنه سبق عملية فض الاعتصام، فبدا الأمر وكأنه تهيئة لعملية الفض وتبريرًا للعنف الذي أفضى بحياة العشرات.

عيساوي موظف مامور

 ولأن إسماعيل عيساوي كان مدير التلفزيون آنذاك، وجهت له أصابع الاتهام بأنه وراء إنتاج وبث تلك الأفلام، لكن أصواتًا أخرى اعتبرت عيساوي مجرد موظف يأتمر بأمر قادة الدولة: المجلس العسكري والقوات النظامية التي سيطرت على البلاد عقب الإطاحة بالبشير.

وعن ذلك، غرد الإعلامي السوداني حسين خوجلي على تويتر، قائلًا: "من أبجديات الخدمة العامة أن التلفزيون القومي يتبع للحكومة وينفذ الأخبار الرسمية لها والتوجهات ومديره دائمًا (عبد مأمور) وعيساوي المغلوب على أمره ليس استثناءً من ذلك، فإذا كانت هذه المعادلة قاسية على قلب الحرية والتغيير فإني أقترح عليهم قناة أخرى يديرها الشاعر العبقري الكبير دسيس مان"، ويقصد خوجلي بدسيس مان أحد الشخصيات البسيطة التي ظهرت إبان الاعتصام واشتهر بالأغاني الثورية.

صلاحيات الوزير

بعد ذلك ارتفعت الأصوات المطالبة بإقالة إسماعيل عيساوي الذي عينه المجلس العسكري الانتقالي السابق، باعتبار أنه لا يشبه مرحلة ما بعد الثورة، وأنه ينتمي للنظام القديم الذي خرج الناس عليه.

لكن وزير الثقافة والإعلام الجديد، فيصل محمد صالح، نفى خبر إقالة إسماعيل عيساوي، وقال إنه لا يملك تلك الصلاحية. وأضاف فيصل في تصريحات صحفية: "تغيير مدير التلفزيون ليس من صلاحياتي، وإنما صلاحيات رئيس الوزراء، وإذا أراد وزير الثقافة والإعلام القيام بالخطوة، يرفع توصية لرئيس الوزراء". وعندما سئل فيصل صالح: "هل ستقوم برفع توصية إلى رئيس الوزراء بإقالة عيساوي؟"، اكتفى بالقول: "دعنا نرى ما يحدث في الأيام القادمة".

الغضب على إسماعيل عيساوي تجاوز التلفزيون الرسمي كقناة تجسدت فيها أزمة عدم المهنية، والانجرار للخطاب الإعلامي البروباغندي؛ فبات قرار إقالة إسماعيل عيساوي هو المنتظر ضمن قرارات تطهيرية شاملة، وقد تحول إلى أُمنية تلاحقها الشائعات.

في المقابل، بدا إسماعيل العيساوي غير عابئ بكل هذا، ممارسًا مهامة بصورة اعتيادية، إما لعلمه مسبقًا بحتمية إقالته بعد أن علت الموجة ضده وضد الهيئة التي كان يديرها، أو لشعوره أنه مظلوم منذ عهد البشير.

ومع اشتداد الحنق منه، أطلق إسماعيل عيساوي تصريحات هجومية، بدأها بقوله: "سأكون سعيدًا إذا تمت إقالتي"، وقد كان، قبل أن يشن هجومًا على من وصفهم بـ"الكذابين" داخل قوى الحرية والتغيير، وقال إنهم "لا يؤمنون بالرأي الآخر"، واتهمهم بقيادة حملة تشويه ضده بترويج اتهامات "لا قيمة لها" على حد تعبيره.

ثم اتهم إسماعيل العيسوي الشيوعيين بأنهم "يريدون احتلال التلفزيون بأية طريقة"، ثم أشار إلى أن وزير الثقافة والإعلام فيصل محمد صالح جاء مشحونًا بعداء كبير، ودفع رئيس الوزراء لإبداء عداء ضد الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون.

يذكر أن إسماعيل عيساوي عُين من قبل المجلس العسكري باعتباره الأعلى رتبة وظيفية في التلفزيون آنذاك، خاصة وأنه وجد طريقه إلى التلفزيون نهاية السبعينات، بعد أن تخرج في كلية الموسيقى والدراما، وحصل على درجات علمية في الإخراج التلفزيوني.

دعوى بالأخبار الكاذبة

وقبيل إقالته، كانت لجنة الدعم القانوني التابعة لتحالف المحامين الديمقراطيين، قد شرعت في تدوين دعاوى قانونية لدى نيابة الصحافة والمطبوعات ضد تلفزيون السودان، ومديره إسماعيل عيساوي، وذلك بسبب نشره ما وصفتها الدعوة بـ"الأخبار الكاذبة وإثارة الفتنة والكراهية".

وكان المحامي وائل علي سعيد، قد اعتبر أن ما بثه التلفزيون السوداني من مواد يؤثر على سير العدالة وعمل لجنة النائب العام. وقال سعيد: "تسبب ما نشره التلفزيون في الإخلال بالسلامة العامة ونشر معلومات كاذبة، وتسبب كذلك في أذى كبير للشعب السوداني، خاصة وأنه تلفزيون قومي يفترض فيه النزاهة والحيادية وتقديم مواد موثوق من مصدرها".

 قبيل إقالته أطلق عيساوي تصريحات هجومية وصف فيها أعضاء في "الحرية والتغيير" بـ"الكذابية"، واتهم وزير الإعلام بتأليب رئيس الوزراء ضده

فهل يعني ذلك، أن نشهد محاكمة قضائية لإسماعيل عيساوي، بعد إقالته من منصبه مديرًا للهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، وذلك على خلفية الدعاوى والاتهامات الموجهة إليه من محامين وغيرهم؟