14-يوليو-2020

كان الإعدام هو حكم الردة في السودان

استدعت تعديلات الحكومة الانتقالية، لعددٍ من القوانين الجنائية، تواريخ ممتدةٍ من أحكام الردةِ في السودان، منذ استقلال الدولة السودانية، وإلى وقتنا الحاضر. وأبرز التعديلات القانونية كانت قد طالت ممارسة الدعارة والخمر والردة. باعتبار أن نصوص القوانين التي تم تعديلها تنتهك -بحسب وزير العدل السوداني نصر الدين عبد الباري- حقوق الإنسان في السودان.

وتعالت دعاوى الردة في السودان، في فترات الحكومات التي ترفع شعارات الشريعة الإسلامية، بحسب ما تفسرها. يتضح ذلك في السنوات الأخيرة من حكم الرئيس الأسبق جعفر نميري "1969-1985". وكذلك طوال حكم الرئيس الأسبق عمر البشير "1989-2019"، والذي رفع شعاراتٍ إسلامية في الحكم. وبالتالي فإن فترة حكمه شهدت وقوف العشرات في المحاكم بتهمة الرِدة.

رصد المركز الإفريقي للعدالة ودراسات السلام، من العام 1968 وحتى العام 2017، (15) قضية ردة في السودان، تم فيها توجيه التهم لحوالي (155) سودانيًا وسودانية

وبحسب تقريرٍ صادر من المركز الإفريقي للعدالة ودراسات السلام، فإنه من العام 1968 وحتى العام 2017، فإن المركز رصد (15) قضية ردة في السودان، تم فيها توجيه التهم لحوالي (155) سودانيًا وسودانية. حكم على أغلبهم بالإعدام، فيما تم تنفيذه في حالةٍ واحدةٍ وهي: إعدام محمود محمد طه، زعيم الإخوان الجمهوريون في السودان. كان ذلك في العام 1985.

اقرأ/ي أيضًا: جولة أفورقي الإقليمية: صراع الأصلع على "خُلال" غيره

وتنادي عدد من الجهات الحقوقية منذ سنوات بإلغاء أو حذف مادة الردة، المادة "126" من القانون الجنائي السوداني، باعتبار أنها تنتهك حقوق الإنسان، وضد الحريات، وتنتقص من حرية الضمير والمعتقد. هذا بجانب مناداة أجسام وهيئاتٍ سودانيةٍ بتخفيفِ حدة خطابات الكراهية في المساجد.

الأستاذ محمود محمد طه
الأستاذ محمود محمد طه

هناك عشرات الحالات التي تشكل كل واحدةٍ منها فصلًا من فصول تواريخ الردة في السودان. وميز معظمها الصبغة السياسية على القضية. هذا بالطبع بجانب كونها تمثل محاكم تفتيشٍ بامتيازٍ للضمائر ومعتقدات السودانيين. بدءً من تاريخ قضية محمود محمد طه في العام 1968، وليس انتهاءً باتهامات الردة التي أطلقها عبد الحي يوسف، في حق وزيرة الشباب والرياضة، ولاء البوشي

من هذه الحادثة -حادثة محمود محمد طه- بدأت فصول الردة، وتسلسلت مرورًا بالقانوني النيل أبو قرون في العام 2014، الذي اضطر تحت ضغطوطاتٍ التراجع والقبول بالاستتابة عن مواقفه وآراءه التي يعتقد فيها من قدموه للمحاكمة أنها تمثل ردة عن الدين الإسلامي. وتذكر تواريخ الردة في السودان أن أحد الذين قادوا حملة تكفير النيل أبو قرون، كان عصام أحمد البشير، الذي كان يشغل وقتها منصب وزير الإرشاد والأوقاف، ومعه كلٌ من: أحمد علي الإمام، مستشار الرئيس الأسبق لشئون التأصيل، وعبد الحي يوسف.

اقرأ/ي أيضًا: أزمة جونقلي.. لجان رئاسية وحلول مؤقتة لا تحقق الاستقرار والسلام بين المجتمعات

كما عجت منابر المساجد، وخطب الجمعة طوال العشرين سنة الماضية بخطابات التكفير، التي لم يسلم منها إلا قليلون. تسيد حملات التكفير كثيرون أبرزهم: عبد الحي يوسف، علاء الدين الزاكي، محمد عبد القادر، ومزمل فقيري، محمد علي الجزولي، وغيرهم. وأبرز خطابات التكفير لمحمد علي الجزولي، طالت الكاتبة الصحفية: شمائل النور. حيث اتهمها الجزولي بالردة عن الدين الإسلامي، على خلفية نشرها مقالًا انتقدت فيه الإسلاميين السودانيين.

في تشرين الأول/أكتوبر المنصرم، كان قد كفر الشيخ عبد الحي يوسف، الوزيرة ولاء البوشي، في خطبة جمعة من على منبر مسجده

ومن المفارقات أن آخر اتهامات المنابر للآخرين بالكفر والردة، كان طرفها الشيخ عبد الحي يوسف نفسه. أما الطرف الآخر، فقد كان وزيرة الشباب والرياضة، ولاء البوشي، والتي أطلق عبد الحي جملة من اتهامات الكفر والردة في حقها من على منبر الجمعة. كان ذلك بداية تشرين الأول/أكتوبر من العام 2019. وقالها بصريح العبارة: "ولاء البوشي كافرة، ولا تؤمن بما نؤمن به".

بالإضافة إلى مفارقةٍ ثانيةٍ، وهي أن الاتهامات بالردة، طالتْ حتى المحسوبين على تيار التشدد والتطرف، في صورةٍ أشبه بانقلاب السحر على الساحر؛ فقد ثارت على محمد علي الجزولي إثر مبايعته لداعش في العام 2015، ثم بعده بسنوات على مزمل فقيري، والذي قال من قدموه للمحاكمة، أنه سب النبي، وبالتالي يوقعه ذلك في الكفر والردة. 

ولاء البوشي وعبدالحي يوسف
ولاء البوشي وعبدالحي يوسف

حوادث أخرى كثيرة مرت، لها علاقة بتواريخ الردة في السودان، منها حادثة أحد رجال الدين بإحدى مناطق كردفان إسمه سليمان أبو القاسم الذي ادعى بأنه نبي، فرأت المحكمة بأنه مرتد. وأخيرًا حالة الباحث شمس الدين ضو البيت، الذي رأت المحكمة في العام 2011، أن مواقفه تمثل ردةً فاتهمته بها أكثر من مرة.

غير أن أكثر من ثلاث قضايا ردة، شكلت رأيًا عامًا، وشغلت الرأي العام في السنوات العشر الأخيرة، هي: أولًا؛ القضية التي تم فيها توجيه التهمة لجماعةٍ تعرف بالقرآنيين، في العام 2015 بمنطقة "مايو" جنوب الخرطوم، وكان قوامها (139) رجلًا وامرأة. وأسموا أنفسهم بالقرآنيين لكونهم يعتقدوا في القرآن الكريم موجهًا لحياتهم وعباداتهم، ويرفضون السنة النبوية. حيث وجهت المحكمة لهم تهمة الردة، بسبب ما قالته المحكمة أن ما يعتقعدونه ويمارسونه يعد ردة.

القضية الثانية، هي قضية مريم يحيى، والتي وجهت لها المحكمة في العام 2014، عددًا من التهم، من بينها الزواج من رجلٍ غير مسلم، وحكمت عليها بالإعدام. لكن التهمة الأبرز هي تغييرها لدينها، ما يعد بحسب القانون السوداني ردة. وشكلت قضية مريم يحيى مزادًا سياسيًا لدول وأجهزة مخابرات وجماعات وهيئات دينية، قبل أن تنهي مريم يحيى وزوجها هذا المزاد، بمغادرتها السودان إلى الولايات المتحدة الأمريكية، تاركةً الجميع في لغطهم.

اقرأ/ي أيضًا: مأساة العشرات من الشباب السودانيين المحتجزين في سجن السلوم المصري

وقالت المحكمة أن مريم يحيى ارتدت عن الدين الإسلامي، بتبديلها المسيحية بالإسلام. قبل أن تصدر محكمة الاستئناف قرارًا بإلغاء حكم الردة. 

اتهم البارون بالردة بعد أن قدم طلبًا للنيابة لتغيير ديانته من مسلمٍ إلى لا ديني. وتم شطب البلاغ في مواجهته، بعد عرضه على طبيبٍ نفسي

أما القضية الثالثة والأخيرة، فهي للشاب محمد صالح الدسوقي، الملقب بـ"البارون". واتهم البارون بالردة بعد أن قدم طلبًا للنيابة لتغيير ديانته من مسلمٍ إلى لا ديني. وفي آخر الأمر، تم شطب التهمة في مواجهته، بعد عرضه على طبيبٍ نفسي.

التواريخ الممتدة والطويلة، من الردةِ، تشير إلى أن مناخات السياسة تتخصب فيها دعاوى رفض الآخر، وكراهيته، وصولًا إلى إحلال دمه، وإزهاقِ روحه. 

اقرأ/ي أيضًا

جوبا.. ناشطات يناشدن كير بمراعاة تمثيل النساء في الحكومة الانتقالية

بعد أكثر من عام على الثورة.. لماذا تأخرت محاكمات رموز الإنقاذ؟