12-أكتوبر-2019

الداعية المتشدد عبد الحي يوسف

أخذت الأزمة بين وزيرة الشباب والرياضة السودانية ولاء عصام البوشي، والداعية السلفي المتشدد عبد الحي يوسف منحًى جديدًا، بعد اتجاه الوزيرة لفتح دعوى جنائية ضد الداعية على خلفية اتهامه لها بالردة والزندقة والخروج عن ملة الإسلام، ودخول مجلس الوزراء مناصرًا للوزيرة باعتبار أنها هوجمت بسبب أعمال رسمية حكومية قامت بها، في وقت اصطف فيه "تيار نصرة الشريعة والقانون" خلف واحد من قادته وهو عبد الحي يوسف في مواجهة الإجراءات القانونية المدونة بحقه.

عبد الحي يوسف بحكم قربه من البشير وشهادة أشخاص مقربين كان هو من أفتى للمخلوع البشير بقتل نصف المعتصمين لفض اعتصام القيادة العام!

بداية الأزمة

بدأت الأزمة حينما هاجم خطيب مسجد خاتم المرسلين بمدينة جبرة الداعية السلفي المتشدد عبد الحي يوسف، في خطبة الجمعة الماضية الحكومة الانتقالية، بسبب افتتاح أول دوري نسوي لكرة القدم، وقال متهكما "كأن رجالنا الذين يلعبون كرة القدم قد حازوا البطولات وأحرزوا الكؤوس ورفعوا اسم البلاد عاليًا ففرغنا من شأنهم والتفتنا لكرة النساء".

ووصف عبد الحي يوسف دوري السيدات بأنه آخر تقليعات الحكومة التي شغلت بها الناس، وأضاف: "ما رأينا لها خطة ولا برنامج وإنما وعود معسولة"، واتهم الحكومة بأنها لم تأت لتنمية اقتصادية أو رخاء اجتماعي، وإنما من أجل هدم الدين والأخلاق. واستطرد موجهًا هجومه لوزيرة الشباب والرياضة: "البوشي تابعة لرجل مقبور مرتد، ولا تؤمن بالذي نؤمن به". لم يكتف الداعية السلفي بذلك بل واصل متهمًا إياها بالردة وقال: "المرأة التي تتولى وزارة الشباب والرياضة امرأة جمهورية تتبع للمرتد المقبور" (في إشارة للمفكر الإسلامي السوداني ومؤسس الحزب الجمهوري الأستاذ محمود محمد طه الذي أعدمه الديكتاتور السوداني الأسبق محمد جعفر نميري قبل 35 عامًا بتهمة الردة عن الدين الإسلامي)، وأضاف يوسف "الوزيرة لا تؤمن بالذي نؤمن به".

اقرأ/ي أيضًا: مجلس الوزراء يوجه وزير العدل بمساندة قضية البوشي

وقال عبد الحي يوسف إن السفارات الأجنبية بالسودان احتفت بافتتاح الدوري على رأسها سفارة الولايات المتحدة الأمريكية، واعتبر أن لا غرابة في ذلك خاصة وأن البوشي "من أولئك الأفراخ الذي ربوا من برامج التبادل وصنعوا على أعين الامريكان" حسب وصفه.

وواصل الداعية المتشدد عبد الحي يوسف انتقاداته لدوري السيدات قائلًا: "الفتيات اللائي تبارين، كشفن ما أمر الله بستره وظهرن حاسرات الرأس وكاشفات الأيدي والزراع وبعض الأفخاذ، أمام المئات من الجنسين، تراكضن أمامهم والرجال ينظرون لهذا كله والعدسات تصور والشاشات تنقل."

الوزراء يتدخل ويساند ولاء البوشي

وما أن قامت الوزيرة ولاء البوشي بتدوين بلاغها الجنائي في مواجهة عبد الحي يوسف، حتى سارع مجلس الوزراء لإعلان مساندته لها، وقال وزير الإعلام والثقافة فيصل محمد صالح للصحفيين، أن المجلس قرر مساندة الوزيرة التي تعرضت للهجوم بسبب تأديتها أعمالًا تخص الحكومة، وأن توجيهًا صدر لوزير العدل لاتخاذ ما يلزم لإظهار المساندة والدعم لها، مؤكدًا أن القضية عامة وليست شخصية تخص الوزيرة.

أما الحزب الجمهوري فقد اعتبر الداعية السلفي يوسف مثالًا للهوس والإرهاب الديني، الذي يعمل الحزب على اجتثاثه من السودان. وحذر الحزب السلطات من التهاون في حسم الأصوات التكفيرية وإلا فإنه يعتبر ذلك إهمالًا وتقصيرًا في حفظ سلامة المجتمع وحماية المواطنين.

معركة قانونية

وما لبثت المعركة أن انتقلت لساحات القضاء حيث قررت ولاء البوشي مقاضاة الداعية يوسف، تحت مواد تصل عقوبتها للسجن والغرامة. حيث تقدم سبعة محامين موكلين من الوزيرة البوشي، ببلاغ جنائي بنيابة الخرطوم الجديدة في مواجهة عبد الحي يوسف، تحت طائلة سبع مواد من القانون الجنائي هي (25,64، 66،69،125،144،159)، وقالت العريضة القانونية التي تقدمت بها البوشي أن حديث المشكو ضده بمثابة تحريض، مما يعرض سلامتها وسلامة أسرتها للخطر. واعتبرت العريضة أن المشكو ضده قام بإسناد وقائع غير صحيحة ونشر أخبار كاذبة، تضمنت إشانة سمعة للبوشي. 

واتهم محامو الوزيرة، الداعية السلفي عبد الحي يوسف بتعزيز خطاب الكراهية وإهانة الشعائر الدينية َوكريم المعتقدات ومخالفة وثيقة الإعلان الدستوري 2019.

تيار النصرة يؤيد عبد الحي

دخل على خط الأزمة، ما يعرف بـ"تيار الشريعة والقانون"، واعتبر أن ما قام به عبد الحي يوسف في خطبة الجمعة، "عمل مشكور مؤيد مسدد مبارك يؤجر عليه".

وقال التيار في تعميم صحفي: "الرد على أهل الأهواء والضلال وفضح مخططات المنافقين والدفاع عن مقدسات الشرع وثوابت الدين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أوجب واجبات ورثة الأنبياء من العلماء والدعاة".

واعتبر أن وزيرة الشباب والرياضة عبر وزارتها تقوم "بتنفيذ أجندة قوى إعلان الحرية والتغيير التي سرقت ثورة الشعب" على حد تعبير البيان، واتهم قوى الثورة بالعمل على تغيير هوية المجتمع وتغريبه ونشر العلمنة المجتمعية والسلوكية، عبر الأنشطة والفعاليات الأجنبية البعيدة عن هوية الشعب المسلم وغير المتسقة مع دينه، واستنكر رعايتها لدوري كرة القدم للسيدات رغم ما وصفه بالمخالفات الشرعية والأخلاق والذوق، وما ادعاه البيان من استنكار الناس وتنديدهم بها.

واتهم التيار الوزيرة بأنها ظلت عبر صفحتها على فيسبوك "تنشر الكراهية، وتحرض على المخالفين بانفعال وهياج غير منضبط، وتصفهم بأوصاف كافية لإدانتها قانونيًا؛ فهي لم تكن منضبطة في خطابها ولا معتدلة في أسلوبها". 

وأهاب التيار، بخطباء الجمعة في ولاية الخرطوم وفي جميع ولايات السودان، أن يوظفوا منابرهم "لنصرة الحق والدفاع عن ثوابت الشريعة ومحكمات الدين".

اقرأ/ي أيضًا: محاكمة البشير.. أموال ابن سلمان في قفص الاتهام مجددًا

هذا وكان تيار نصرة الشريعة قد ظهر للعلن لأول مرة بُعيد أيام قليلة من سقوط المخلوع عمر البشير، مطالبًا بالدفاع عن الشريعة الإسلامية وحماية السودان مما أسماه القوى العلمانية، وسير موكبًا قبيل رمضان للقصر الجمهوري ورفع مذكرة للمجلس العسكري آنذاك. ويضم التيار مجموعات دينية سلفية كانت مؤيدة للنظام البائد حتى لحظة سقوطه، وقد راجت أحاديث قبيل سقوط النظام مضمونها أن عبد الحي يوسف بحكم قربه من البشير وشهادة أشخاص مقربين كان هو من أفتى للمخلوع البشير بقتل نصف المعتصمين لفض اعتصام القيادة العامة، علاوة على صور انتشرت يظهر فيها يوسف وهو يرتدي البزة العسكرية في الألفينات ضمن مجموعة من مليشيات النظام البائد، وتحوم حول الرجل شبهات بالفساد وسوء استخدام المنصب العام والمشاركة ضمن مليشيات وكتائب الظل التي وظفها المخلوع البشير لقمع الاحتجاجات.

هيئة العلماء تتبرأ من الداعية

أعاب عضو هيئة علماء السودان كندة غبوش، اتهام الردة الصادر من عبد الحي يوسف، في حق وزيرة الشباب والرياضة، وأقر بأن صلة الداعية السلفي والهيئة انقطعت منذ سقوط النظام، وأكد أن هيئة علماء السودان ليست جهة حاكمة، وإنما تقدم المناصحة والإرشاد للسلطة الحاكمة وليس هناك ما يلزم الأخيرة بقبولها.

كان تيار نصرة الشريعة قد ظهر للعلن لأول مرة بُعيد أيام قليلة من سقوط المخلوع عمر البشير، مطالبًا بالدفاع عن الشريعة الإسلامية وحماية السودان مما أسماه القوى العلمانية

وقال غبوش "لالترا صوت" أن ممارسة كرة القدم غير ممنوعة للنساء بشرط عدم الكشف عن ما أمر الله بستره، وانتقد ما يجري من تبادل اتهامات بين تحالف الحرية وبعض المجموعات الإسلامية في وقت تعاني فيه البلاد من عدم الاستقرار، وقال كان على عبد الحي التقدم بمذكرة لرأس الدولة يوضح فيها المخالفات الشرعية لأنه لا يجوز اتهام أي شخص بالردة، محذرًا من خطورة التكفير وطالب قوي الحرية بإيقاف الشتائم ضد الداعية السلفي والعمل بشعارهم "حرية سلام وعدالة".

يُذكر أن كرة القدم النسائية كانت قد بدأت في السودان منذ العام 2014 تحت رعاية حكومة المخلوع عمر البشير، واتحاد كرة القدم السوداني بطلب من الفيفا، حيث لم تسجل الأخبار أي صوت لداعية أو سلفي في شجب الواقعة الأولى من نوعها بالسودان في ذلك الوقت، حيث كان حينها الداعية المتشدد يوسف مقربًا من النظام ويشغل عدة مناصب حكومية فاقت العشر، هذا إلى جانب تمويل حكومة المخلوع البشير لكثير من أنشطة يوسف التجارية الدعوية، حيث اعترف المخلوع البشير في محاكمته الجارية هذه الأيام، تحت دعوى احتفاظه بعشرات ملايين الدولارات بمنزله أرسلها له ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، أنه تبرع ببعض تلك الأموال لقناة تلفزيونية يملكها عبد الحي يوسف.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

مجلس الوزراء يوجه وزير العدل بمساندة قضية البوشي

بعد اتهامه لها بـ"الردّة".. وزيرة الشباب السودانية تقاضي إمام مسجد