خلال الأعوام القليلة الماضية، قامت السلطات الحكومية في جنوب السودان بتكوين العديد من لجان تقصى الحقائق حول أعمال العنف القبلي والعشائري التي ظلت تشهدها العديد من المناطق في جنوب السودان، وبخاصة في ولايات جونقلى، واراب، والبحيرات؛ ولكن الملاحظ هو أن أعمال تلك اللجان الحكومية التي تكونها رئاسة الجمهورية تنتهي دون أن يسمع بها أحد، من حيث ما توصلت إليه من نتائج وما وضعته من توصيات وحلول، بل وينتهى الأمر دون تسليم بعضها لنتائجها دعك عن تمليكها للرأي العام المحلي والعالمي، علمًا بأن تكوين اللجان الخاصة بتقصى الحقائق، دائمًا ما يجيء كإجراءٍ أولي في سبيل تشخيص أساس المشكلة ومن ثم التفكير في معالجتها بصورة تقضي عليها جذريًا.
خلال الشهر المنصرم لوحده أعلنت رئاسة الجمهورية عن تكوين لجنتين، واحدة للنظر في حادثة منطقة قمبا الشركات، وأخرى للتقصي في أسباب العنف الذي شهدته جونقلي
فخلال الشهر المنصرم أعلنت رئاسة الجمهورية، عن تكوين لجنتين، واحدة للنظر في حادثة منطقة قمبا الشركات، والتي قتل فيها أكثر من خمسة مواطنين على يد نظامي وانتهت بمقتله هوالآخر، وما ترتبت عليها من أعمال احتجاجية امتدت لتشمل مدينة بور عاصمة جونقلي ومنطقة فانياغور التابعة لها، وهي لجنة منحت حوالى أسبوع واحد لتسليم نتائجها وتوصياتها، والآن مضى شهر كامل على تكوينها دونما أن يسمع عنها أي خبر. واللجنة الثانية هي التي أعلن عنها رئيس الجمهورية، مكلفًا بها نائبه الدكتور جيمس واني إيغا، للتقصي في أسباب العنف القبلي الذي شهدته ولاية جونقلي أيضًا بين مجتمعات (بور، المورلي واللو نوير) وهي الأحداث التي أفضت إلى مقتل ما يزيد عن مائة مواطن بسبب غارات النهب المتبادلة والهجمات الثأرية بين المجتمعات التي تعتمد في حياتها على رعي الأبقار.
اقرأ/ي أيضًا: وفاة متهم محبوس على ذمة تحقيقات فساد الموانئ البحرية بنوبة قلبية
إن الحلول التسكينية التي ظلت تقدمها السلطات الحكومية بجنوب السودان للأزمات المجتمعية الناتجة عن ظروف الصراع التقليدي على الموارد، وما لحق بها من عملية تسييس إثني متعمد من قبل النخب السياسية والعسكرية التي ظلت تستثمر فيها لجني المزيد من المكاسب السياسية، لن يقود إلى تحقيق الاستقرار المنشود، وذلك لكونها حلول تم تجريبها مرارًا وتكرارًا وكانت نتيجتها الفشل، وذلك لأنها لم تنظر الأسباب الجوهرية التي تجعل تلك المجتمعات تقتتل فيها بينها في كافة المواسم والفصول على الرغم من حملات جمع السلاح وإعلان حالة الطوارئ وإقامة مؤتمرات للصلح المرة تلوالأخرى، مما يعني أن هناك حاجة ضرورية للنظر في المسالة من منظورٍ جديدٍ ومختلفٍ يستعين بآراء الخبراء والأكاديميين، وهوما قامت به اللجنة التي سبق وأن كونتها رئاسة الجمهورية برئاسة نائب رئيس الجمهورية تعبان دينق قاي، للنظر في أزمة الاقتتال العشائري بولاية جونقلي قبل سنتين تقريبًا.
لم تهتم لجنة تعبان دينق غاي بانتهاج ذات الأسلوب القديم في إجراء التحقيقات والمقابلات الروتينية ومن ثم تسليمها لمكتب رئيس الجمهورية، لكنها قامت بتكليف مجموعة من الخبراء والباحثين الأكاديميين بالتعاون مع المنظمات الدولية العاملة في المنطقة، وقامت بإجراء دراسة مسحية متكاملة حول منطقة جونقلي والمجتمعات المقيمية فيها، بجانب تقديم خلفية منهجية لأسباب النزاع التقليدي حول الموارد، وتأثيرات الحرب الأهلية السودانية عليها من حيث الاستقطاب السياسي للمجتمعات المحلية بواسطة أطراف النزاع آنذاك، والمتمثلة في الحكومة السودانية والجيش الشعبي لتحرير السودان، وتداعيات التطورات اللاحقة على العلاقة التي تربط بين مجتمعات المنطقة التي تحول فيها الصراع من تقليدي إلى ممنهج تستخدم فيه الأسلحة النارية وتستعين فيه تلك المجتمعات بالخبرة العسكرية التي اكتسبتها في العقود السابقة.
اقرأ/ي أيضًا: تدشين ثلاث محطات لمياه الشرب بشمال دارفور بتمويل دولي
وضعت تلك اللجنة جملة من الحلول والتوصيات التي تتجاوز تسكين الازمة وتأجيل الصراع؛ إلى وضع معالجات جذرية مستدامة، تهتم بعملية التنمية والشراكة بين المجتمعات المحلية وتوطين التعليم الرسمي باعتباره استثمارًا يقود إلى تحقيق روح التعايش المنشودة بين مجتمعات المنطقة المتصارعة في جونقلي الكبرى. وقد وفرت تلك الدراسة الميدانية المسحية على الحكومة أي جهدٍ آخرٍ للتقصي في أسباب النزاع ووجهتها نحوالخطوات المطلوبة على المديين الطويل والقصير، باعتبار أن الأزمة مرتبطة في المقام الأول والأخير بغياب الخدمات والبنية التحتية، مما جعل المواطن غارقًا في صراعاته المحلية دهرًا من الزمن، وهي نتائج صالحة للتعميم على بقية المناطق الأخرى إن لم نقل لجنوب السودان ككل .
لا حاجة الآن لإعادة اختراع الدراجة، فالمطلوب أن تتحول لجنة جيمس واني إيغا إلى كيان أو مؤسسة تقوم بتنفيذ توصيات لجنة تعبان دينق
لا حاجة الآن لإعادة اختراع الدراجة، فالمطلوب أن تتحول لجنة جيمس واني إيغا إلى كيان أومؤسسة تقوم بتنفيذ توصيات لجنة تعبان دينق، وذلك من خلال المرور على الدراسة التي أعدتها ومن ثم الوقوف على خلاصاتها، وتحديد الأولويات ومن ثم الشروع في تنفيذها بشكل فوري يوفر على الجميع الجهد والوقت، فهى لا تحتاج سوى لتحديث بعض المعلومات المتعلقة بالهجمات الأخيرة التي شهدتها تلك المناطق.
اقرأ/ي أيضًا
رئيس غرفة النقل: قرار استئناف السفر للولايات يوم الخميس غير صحيح
رئيس الوزراء يوجه الحكام العسكريين بالاستمرار إلى حين تعيين مدنيين