كانت الزغرودة النسائية تعد صفارة البدء لبدء المواكب إبان ثورة ديسمبر المجيدة، والمحرك الأساسي الذي يشعل الحماس في نفوس الثوار. والحديث عن أدوار المرأة في الثورة يتطلب أعوامًا للبحث والتنقيب عنه.
في التقرير التالي نقدم ملفًا ثوريًا لكنداكات ثورة السودان، اللاتي قدمن دماءهن مهرًا للبلاد وللشعب.
إصابة على بعد ثماني أمتار
تروي فاطمة آدم (30) عامًا تفاصيل إصابتها إبان ثورة ديسمبر المجيدة بقولها إنها كانت تميل لممارسة النشاط الثقافي الجامعي، حيث درست بجامعة الجزيرة، وتحب الاطلاع على أركان النقاش والتعرف على الأفكار الاشتراكية والماركسية.
أصيبت فاطمة بطلق ناري ودُهست سهى بسيارة بينما فقدت أماني عينها فداء للوطن
وبحسب فاطمة آدم فإن عدة دوافع ألهمتها للمشاركة بمواكب الثورة، منها صعود الأسعار والظلم الواقع من النظام السابق، ولبناء مستقبل أفضل للأجيال القادمة، إلى جانب شعورها بالحماس الداخلي، حيث كانت تعتذر من العمل للمشاركة بالمواكب الثورية، بحسب ما تقول.
اقرأ/ي أيضًا: اجتماع لتحديد ممثلي لجان المقاومة في المجلس التشريعي
وتمضي فاطمة قائلة إن مظاهرات اندلعت صباحًا بالسوق الكبير بمدينة "نيالا" شاركت فيها بالهتاف ضد "الكيزان" لمدة نصف ساعة، إلى حين تفريق الحشود المتظاهرة. تقول إنها توجهت لمكتب العمل وعند خروجها عصرًا تفاجأت بعدم وجود مواصلات، وتتابع "توجهت لمنزل صديقة، وعند خروجي لشبكة المواصلات، وجدت سيارتي "تاتشر"، في طريقها نحو المتظاهرين -والحديث لفاطمة آدم- أصبت بطلق ناري على مسافة ثماني أمتار فأحدثت كسرًا بالساق اليسرى وإصابات طفيفة بالساق اليمنى".
خضعت فاطمة لخمسة عمليات جراحية، تقول "لا استطيع السير بإرادتي خطوة واحدة".
من عروس الرمال.. سلام
من مدينة "الأبيض" التقى "الترا سودان" بسهى جلال (24) عامًا، والتي عكست بأقوالها المعاناة التي كانت شاهد عيان عليها من أذيال المؤتمر الوطني، بقولها "شاهدت تسلط أتباع المؤتمر الوطني على المواطنين وارتكابهم للمجازر"، وتابعت حديثها بالقول: "العمل أصبح شرطًا فيه وجود واسطة بعهد النظام المُباد، حضرت انفصال جنوب السودان والحروب بإقليم دارفور". وتضيف بالقول إن الحالة الاقتصادية كانت متردية.
شاركت سهى مع رفيقاتها بمواكب الثورة، وكانت وجهًا بارزًا، مما دفع عددًا من العساكر للسؤال والبحث عنها، بحسب ما تقول.
تعرضت لدهس بسيارة إبان المظاهرات وأصيبت بكسر بالفخذ. وخضعت لعملية تركيب مسطرة داخلية، ونتج عنها التهاب حاد.
قبل سقوط المخلوع البشير، جاءت سهى لمواصلة العلاج بالخرطوم، وتقول إنها خضعت لأربعة عمليات. أما رأيها حول أوضاع البلاد بعد الثورة، تقول "سنعمل من أجل إصلاح الحكومة وتحسين أحوال السودان".
أماني.. روح ثورية ألهمت فتيات السودان
من المفارقات في الثورة السودانية، أن الجيل الذي تربى وتعلم بزمن العهد المُباد، هو من قاد ثورة التحرر منه، وكانت أماني جلال الدين واحدة من هذا الجيل، ولاحقًا أيقونة ثورية، ألهمت فتيات كثيرات بالروح الثورية وحب البلاد.
تخرجت أماني في جامعة الزعيم الأزهري كلية العلوم الحضرية في العام 2020، بعد نجاح الثورة. وقبيل اندلاع الاحتجاجات وبدايات الثورة، نشطت أماني بالمشاركة بالأنشطة الثقافية الجامعة، تقول إنها كانت تقرأ الشعر المكتوب من الأصدقاء، إلى جانب المشاركة بالأيام الثقافية الجامعية.
منعت الظروف والأحداث اللاحقة أماني من المشاركة بجميع مواكب الثورة، بحسب ما تقول. وتعلل الأسباب لـ"الترا سودان" إنها أصيب مع بدايات الثورة السودانية في موكب 27 تشرين الثاني/يناير 2019، أما قبيل الإصابة فتضيف إنها شاركت بكل المواكب الداعية لإسقاط نظام الإنقاذ.
ما هي قصة موكب 27 يناير؟
تقول أماني إن ثمة موكبًا خرج من جامعة الرازي باسم موكب الشهيد "محجوب التاج" شهيد الكلية الذي اغتالته أيادي الغدر. وبحسب ما تقول أماني فأن وجهة الموكب كانت إلى منطقة الأزهري بالخرطوم، وتتابع أن الموكب تعرض للضرب ومحاولة التفريق من قبل الأجهزة الأمنية، فأصيبت بعبوة بمبان بالعين اليمين. تقول أماني إنها تعرف الشخص الذي أطلق عليها البمبان، وتم رفع بلاغ بمساعدة مبادرة قانونية وإنسانية. وتؤكد أن لا جديد حول القضية إلى يومنا الحاضر.
اقرأ/ي أيضًا: احتجاجات في الخرطوم.. وتجمع المهنيين: لا فرق بين حكومة حمدوك ومعتز موسى
بحسب ما تقول أماني فإنها أسعفت لمستشفى "فضيل" لإجراء الإسعافات الأولية اللازمة، ومن بعدها إلى مستشفى "رويال كير" لتلقي العناية الطبية. حيث استؤصلت العين اليمنى. بعد شهر من الحادثة، تقول أماني إنها سافرت لتلقي العلاج بدولة "روسيا" حيث أجريت لها عملية تركيب عدسة مؤقتة.
المصاب نصف شهيد
فقدت أماني النظر بالعين اليمنى ولم تفقد الروح الثورية، تقول "وجدت الدعم الكافي من العائلة". وجاءت إجابتها عن الأمنيات المستقبلية بالقول: "أرجوا أن يتقدم السودان إلى الإمام وتزول كل المشاكل".
يُقال إن المصاب هو نصف شهيد. والدعوة موجهة لمجلسي الوزراء والسيادة لبذل مزيد من الاهتمام بمصابات الثورة، ولأجهزة الإعلام للتعريف بهن وعكس عطائهن وتضحياتهن في سبيل الوطن.
اقرأ/ي أيضًا
تهديد جديد للاستقرار الصحي بغرب كردفان
مواكب ذكرى مجزرة القيادة...الفرصة الأخيرة أمام السلطة الانتقالية