17-أغسطس-2023
المصور "عزو أبو درق" على الحدود الفاصلة بين دولتي السودان وجنوب السودان

المصور "عزو أبو درق" على الحدود الفاصلة بين دولتي السودان وجنوب السودان

قصص الهروب هي الأكثر إثارة عبر التاريخ، منها ما هو مصدر إلهام للعديد من الكتاب والصحفيين وحتى منتجي الأفلام، لكن بالطبع ليس كل قصص الهروب مشوقة مثل النزوح القسري، والفرار من ويلات الحرب واللجوء؛ فهي أكثر القصص ألمًا.

تقدر السلطات المحلية بمدينة "الرنك" أن بين (800) إلى (1,000) شخص يصلون إلى المدينة يوميًا على عربات تجرها حمير، بعد رحلات طويلة وخطيرة لعبور الحدود

كان عز الدين إبراهيم إسحق الشهير بــ(عزو أبو درق) مصور الفعاليات وموثق الأحداث، الثوري الذي لا يشق له غبار، ومحب السلام والتعايش، يدافع بعدسته عن الأطفال والحياة الكريمة. هو منحاز فطريًا إلى خيار وقف الحرب، لإيمانه القاطع بأن الحرب لا تخدم المواطن، فالحرب بالنسبة إليه صراع أفيال على السلطة ذات النياشين والعلامات العسكرية الملطخة بدماء الأبرياء. أصبح يجاهر علانية بموقفه المناهض للحرب في الفعاليات العامة ومواقع التواصل الاجتماعي. انهالت عليه التهديدات في محاولات فاشلة لإسكاته.

واجه المدافعون عن حقوق الإنسان، والقيادات السياسية، والفاعلون المدنيون وغيرهم ممن انحاز إلى خيار وقف الحرب موجات من التنمر الإلكتروني والوعيد والتهديد بالقتل.

ولم يكن المصور الفوتوغرافي "عزو أبو درق" استثناءً، بل استمر في دعم وقف الحرب إلى أن وصله تهديد صريح من أحد أفراد الجيش، تسلل عبر موقع "فيسبوك" إلى أحد منشوراته، وحظره على إثرها؛ يقول: "حينها شعرت بالخطر على نفسي وعلى أسرتي، وقررت مغادرة السودان".

https://t.me/ultrasudan

أصبح يفكر يوميًا في الهروب منذ الشهر الأول لاندلاع الحرب بين الجنرالين، ويقول في نفسه: "لا يمكنهم إسكاتي". حملت مجموعات "الواتس آب" والتطبيقات الأخرى قرار منع الشباب من السفر. وبحسب وكالة السودان للأنباء، أصدر حاكم إقليم النيل الأزرق الفريق أحمد العمدة بادي بتاريخ 18 حزيران/يونيو الماضي قرارًا بتشكيل لجنة مشتركة من الأجهزة الأمنية تختص بإصدار تصاريح السفر على أن يكون مقر اللجنة في السوق الشعبي بالدمازين. كما انتشرت شائعات التجنيد الإجباري، وزاد ذلك من قلق المصور "عزو أبو درق" على سلامته الشخصية عند سماعه بإنزال الشباب بين سني (18) – (40) عامًا من السيارات المغادرة لمدينة الدمازين. تعقد الوضع، لا يمكنه المغادرة بالباصات السفرية، وسيف الحرمان من السفر مسلط على رقاب شباب النيل الأزرق.

كشف عزو أنه –وبعد إجراء اتصالات– قرر المخاطرة والمغادرة إلى جنوب السودان عبر الحدود المتاخمة لإقليم النيل الأزرق. وقال إنه تعرض لتفتيش شخصي دقيق من قبل الاستخبارات العسكرية، وكانت حيلته أنه ذاهب في رحلة عمل تستغرق أسبوعًا، وعليه سمح له بالسفر إلى مدينة "بوط" الحدودية التي تبعد نحو (30) كيلومترًا عن مدينة "الرنك" بدولة جنوب السودان المحاذية لإقليم النيل الأزرق من الناحية الغربية. واصل عزو سرده: "بعد ست ساعات على ظهر الدراجة النارية، متجولًا وسط الغابات والرمال والطرق الوعرة، تنفست الصعداء عندما بدأت تبين معالم مدينة بوط". "لم أتذوق طعم النوم تلك الليلة. ومع شروق شمس اليوم الثاني، تحركت مع أحد التجار بدراجة نارية إلى مدينة الرنك، وبعد ثلاث ساعات من الخوف وعدم الأمان وصلنا إلى مدينة الرنك. توقفنا عند نقاط التفتيش مرات عديدة، كانوا يرتدون أزياء عسكرية تحمل علم دولة جنوب السودان، ويسمحون لنا بالمرور بعد دفع حفنة من المال".

الدراجة النارية التي أقلت "عزو أبو درق" من بوط إلى جوبا
الدراجة النارية التي أقلت "عزو أبو درق" من بوط إلى جوبا

ويتابع المصور "عزو أبو درق" قائلًا: "تكتظ مدينة الرنك بالكثير من العالقين، مكث بعضهم شهرًا أو يزيد، وذلك للعجز المادي وجشع السماسرة والوسطاء الذين ينظمون سفر الركاب". "أعد نفسي من المحظوظين لأني مكثت ساعات قليلة بمدينة الرنك، صعدت بعدها على طائرة الشحن المتجهة إلى جوبا، بعد أن دفعت الكثير من المال أيضًا". "حلقت الطائرة على ارتفاع متوسط، لمدة ساعة ونصف، ثم هبطت بمدينة جوبا عاصمة دولة جنوب السودان". "استمر دفع المال دون حجج منطقية، إلى أن عبرت الحدود إلى دولة أوغندا، في رحلة استمرت تسع ساعات لم تخلُ من التفتيش ودفع المال".

طائرة الشحن
المصور "عزو أبو درق" في طائرة الشحن لدى انتقاله من الرنك إلى جوبا

أدى القتال بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع إلى نزوح نحو أربعة ملايين شخص منذ منتصف نيسان/أبريل الماضي، وإلى فرار الآلاف من الفنانين والصحفيين والمصورين وغيرهم من المبدعين ومن أصحاب المهن الأخرى إلى مدينة الرنك وغيرها من النقاط الحدودية، حيث وثق العديد من الحقوقيين روايات الهاربين. ويسعى هؤلاء الأشخاص إلى الحصول على اللجوء في جنوب السودان. وتقدر السلطات المحلية بمدينة "الرنك" أن بين (800) إلى (1,000) شخص يصلون إلى "الرنك" يوميًا على عربات تجرها حمير، بعد رحلات طويلة ومحفوفة بالخطر لعبور الحدود.