10-سبتمبر-2020

(لجنة تفكيك التمكين)

كان مفاجئًا أن يجد المسؤول السياسي بحزب التحالف الوطني السوداني بمدينة الدامر، طارق عبدالحميد، اسمه ضمن قائمة المفصولين من الشركة السودانية لتوزيع الكهرباء. ومصدر المفاجأة أن عبدالحميد يعتبر المسؤول السياسي لحزب يعتبر أحد العناصر الرئيسية لقوى إعلان الحرية والتغيير، الحاضنة السياسية للحكومة الانتقالية. ورغم أن عبد الحميد يرفض العمل في الخدمة المدنية وفقًا للولاء السياسي حتى لو كان مواليًا للثورة، لكن طريقة فصله يعتبرها خللًا جسيمًا في عمل لجنة تفكيك التمكين، خللًا قد يضعف الثورة نفسها، والتي جاءت لرد المظالم لا تكرارها، على حد قوله.

اكتسبت اللجنة شعبية لأنها تملك صلاحيات قد تعيد الأموال المنهوبة لكن البعض يخشى أن تنتهي اللجنة إلى ملاحقة صغار الموظفين

ونشأت اللجنة العليا لإزالة التمكين ومحاربة الفساد واسترداد الأموال، في كانون الأول/ديسمبر 2019، بموجب قانون تفكيك نظام الإنقاذ الذي أجيز في اجتماع بين مجلسي السيادة والوزراء، المشرع المؤقت إلى حين تشكيل المجلس التشريعي".

اقرأ/ي أيضًا: طوكر.. الرمق الأخير

واكتسبت لجنة التفكيك شعبية من كونها بدأت في تفكيك النظام باسترداد العقارات والأراضي والشركات من منظمات ومجموعات تتبع للنظام البائد ورموزه، حيث استردت آلاف الأفدنة من الأراضي خلال أشهر قليلة، حيث يأمل السودانيون أن تقوم الهيئة الحكومية التي تتمتع بصلاحيات واسعة؛ بإعادة الأموال الكبيرة المنهوبة وتحسين الاقتصاد.

ويقول طارق عبد الحميد، أحد موظفي الكهرباء الذين تم فصلهم بقرار من لجنة تفكيك التمكين لـ"ألترا سودان"، إنه تلقى مكالمة هاتفية صباح الإثنين أفاده فيها مدير مكتب كهرباء عطبرة بالتوقف عن العمل، وأرسل إليه قائمة الموظفين الذين تم فصلهم على تطبيق التراسل الفوري "واتس آب"، حيث وجد طارق اسمه ضمن (432) موظفًا من ولاية نهر النيل، تم طردهم من الخدمة بحجة تفكيك النظام وإزالة التمكين.

ويشير طارق عبد الحميد الذي يشغل منصب المقرر السياسي بالتحالف السوداني أحد مكونات قوى الحرية والتغيير، إلى أنه شعر أن ثمة خطأ في القائمة التي نشرتها لجنة التفكيك، وتحدث مع مسؤولي الكهرباء بالولاية، والذين لم يفعلوا شيئًا حيال قضيته.

اقرأ/ي أيضًا: محفظة السلع الإستراتيجية: لم نشتر دولارًا واحدًا من السوق الموازي

وأضاف: "كشوفات المفصولين ترفعها المؤسسات الحكومية. وأسماؤنا رفعت من الولاية إلى لجنة التفكيك العليا بالخرطوم، وربما اختلط عليهم الأمر لأنهم يستهدفون أفراد التأمين والسلامة بالكهرباء باعتبارهم من عناصر النظام البائد، لكنني تقدمت للوظيفة في العام 2018 عبر مكتب الخدمة العامة بشهادة مرحلة ثانوية فني كهرباء، وهي الشروط التي وردت للتقدم للوظيفة. وعندما تلقيت خبر فصلي كنت أعمل في مكتب التوصيلات الجديدة".

قضى المفصول من شركة الكهرباء بأمر اللجنة، يومين في محاولات لاستخراج خطاب الفصل لتقديم طعن في القرار ولم يوفق في ذلك

اكتفى طارق عبد الحميد بالتخطيط لتقديم طعن كما هو معمول به في هذه الحالات، لكنه لم يبتدر الإجراءات لأنه في انتظار استخراج خطاب الفصل من مكتب كهرباء عطبرة، وهذا إجراء صعب. إذ أنه قضى يومين في مكتب الكهرباء ولم يحصل عليه في ظل بيروقراطية ومماطلة المكتب الذي لا يستبعد طارق أنه لا يخلو من موظفين يلجؤون لتصفية الحسابات.

وتصفية الحسابات بين الموظفين رواية أخرى لدى "عبد الله شم" المسؤول الأسبق بقطاع التعدين التقليدي، والذي أطاحت به لجنة تفكيك التمكين من الشركة السودانية للموارد المعدنية، ووصلت قضيته إلى مجلس الوزراء.

ويتهم الشم في تصريح لـ"الترا سودان"، موظفين مقربين من عضو لجنة تفكيك النظام وجدي صالح بلعب دور في الاطاحة به بالوشاية عنه، رغم أنه أحد المدافعين عن استقلالية قطاع التعدين عن وزارة المالية.

وتم توظيف عبد الله شم في قطاع التعدين وتنقل بين الشركة السودانية للموارد المعدنية ووزارة المعادن في هيئة الأبحاث الجيولوجية في العام 2013، وهو حاصل على ماجستير هندسة التعدين ويسعى إلى نيل الدكتوراة قريبًا.

وبما أن التعدين هو تخصصه، فقد اختار عبد الله شم القطاع الحكومي في التعدين للعمل. لكنه بعد مرور سبع سنوات، كان أحد ضحايا اللجنة العليا لتفكيك النظام وإزالة التمكين.

وحتى يتمكن عبد الله شم من الوصول إلى صانعي القرار باللجنة العليا لتفكيك النظام برئاسة الفريق ياسر العطا والرئيس المناوب محمد الفكي سليمان، لجأ إلى لجنة خماسية مكونة من قيادات بارزة في قوى التغيير وهم بابكر فيصل وطه عثمان اسحق ووجدي صالح وصلاح مناع.

اقرأ/ي أيضًا: قفزات عالية للدولار أمام الجنيه.. والتحالف الحاكم يصفها بـ"غير الطبيعية"

وتعتبر اللجنة الخماسية آخر معاقل تمحيص القوائم التي ترد إليها من اللجان الفرعية لتفكيك النظام بالمؤسسات الحكومية والمحليات والولايات، ومن ثم يوقع الرئيس والرئيس المناوب على قائمة المفصولين من الخدمة بناءً على تقرير اللجنة الخماسية.

عبدالله شم: ذهبت لعضو اللجنة الخماسية وشرحت قضيتي ووعدني بمعالجة الأمور، لكن حتى اليوم لم يحدث أي شيء

ويوضح عبد الله شم: "ذهبت لعضو اللجنة الخماسية بابكر فيصل وشرحت قضيتي ووعدني بمعالجة الأمور، لكن حتى اليوم لم يحدث أي شيء ولا زالت مشكلتي مستمرة".

ويعتقد عبدالله شم، أن الوشاية التي وصلت إلى لجنة التفكيك تقف وراءها وزارة المالية التي رفض هيمنتها على قطاع التعدين حتى وقعت خلافات بين وزيري الطاقة والمالية السابقين. 

وحظيت قضية المهندس عبد الله شم بمناصرة من تجمعات الأجسام المطلبية وتجمع مهندسي التعدين، وتقدم باستئناف ضد قرار فصله من الشركة السودانية للموارد المعدنية مسؤول القطاع التقليدي منذ شهور، ولم يبت فيه حتى الآن من قبل اللجنة العليا للتفكيك، والتي على ما يبدو على الرغم من إصرار الرئيس المناوب محمد الفكي سليمان على العمل وفق الإجراءات القانونية العادلة، إلا أن اللجنة تواجه معضلة كبرى تتمثل في تزايد مهامها ولجوئها إلى ملفات قد تبدو صغيرة مقارنة مع صلاحيات اللجنة التي ينتظر منها السودانيون استرداد الأموال المنهوبة لا ملاحقة موظفي الخدمة المدنية.

ضحايا لجنة التفكيك شملت موظفي الخطوط الجوية السودانية، حيث أفاد مصدر مسؤول من الخطوط الجوية السودانية لـ"الترا سودان"، أن القائمة التي صدرت مؤخرًا ضمت موظفين مشهود لهم بالتفاني والكفاءة، وأضاف المصدر المسؤول الذي اشترط حجب اسمه تجنبًا لوضع اسمه في قائمة المغادرين، حسب تعبيره: "ربما كان بعض المفصولين ينتمون إلى النظام البائد، لكنهم قدموا عملًا ممتازًا ونشهد لهم بالنزاهة. لقد حزنت على قرار فصلهم، لكن عمومًا قطاع الطيران يشهد اسوأ فترة حاليًا، وذلك بسبب تصفية الحسابات بين المجموعات التي تتأثر بالاختراقات السياسية".

الأمر المقلق وسط الموظفين والعمال، أن لجان التفكيك الفرعية في الولايات والمؤسسات الحكومية تكون في ظل أجواء سياسية تسودها الهيمنة ومحاولات بعض الأحزاب النفوذ في داخل هذه اللجان، خاصةً وأن غالبية الولايات تعاني من ضعف بائن للأحزاب وعدم وجود تغطية إعلامية تسلط الضوء على ممارسات اللجان. والتي يتخوف البعض من أن تكون أداة لتصفية الحسابات عوضًا عن تحقيق إصلاحات في الخدمة المدنية.

ويقول طارق عبد الحميد عامل الكهرباء المفصول بمدينة عطبرة، إن لجنة التفكيك بولاية نهر النيل أدت القسم هذا الأسبوع، وجاء قرار فصله قبل تكوينها من اللجنة العليا التي حصلت على القائمة من مسؤولي الكهرباء بالولاية، ولم تسأل نفسها من هم هؤلاء الموظفين وأين كانوا أثناء الثورة، والتي انطلقت شرارتها من عطبرة. ويتابع: "أنا لا أطلب مكافأة لأنني لم أفوت أي موكب في ثورة ديسمبر، لكنني أشعر بالظلم. لماذا تم فصلي من الخدمة؟".

اقرأ/ي أيضًا: يوسف الدوش ورفاقه.. مبادرة ألهبت حماس الشباب للعمل في مهن مؤقتة

سأل "الترا سودان"، الرئيس المناوب للجنة التفكيك وإزالة التمكين محمد الفكي سليمان عن الفوضى التي تضرب لجان الولايات والمؤسسات، وأجاب الفكي قائلًا: "هنالك إمكانية للمراجعة، كما أن لجنة الاستئنافات ستنعقد بعد أن أكملت كافة الأطراف تسمية ممثليها".

لجنة التفكيك: أكملت لجنة الاستئنافات عضويتها، وحاليًا بإمكانها النظر في الطعون  

ويضيف الفكي "إذا جاءت ملاحظات حول أداء اللجنة، لن نتأخر في مراجعتها؟ وسبق لنا ان أعدنا تشكيل عدد من اللجان الفرعية".

ورغم أن اللجنة العليا للتفكيك تشدد على ضرورة تكوين اللجان الفرعية من أعضاء مشهود لهم بالنزاهة والكفاءة والأمانة، لكن ثمة تأثيرات سياسية واضحة للعيان في أعمال اللجان الفرعية ضحاياها موظفون ذنبهم أنهم بلا سند سياسي.

اقرأ/ي أيضًا

مدير عام الشرطة يدعو حملات شرطية لضمان المعاملة الكريمة للمتهمين

مدير جامعة شهيرة يدون بلاغًا في مواجهة موظف وصفه بـ(الكوز)