07-أغسطس-2022
إسياس أفورقي والبرهان

رفضت السلطات مبادرة إريترية لجمع فرقاء الأزمة السودانية (Getty)

وصف بيان صادر عن لجنة الأطباء المركزية مقتل (18) سودانيًا وإصابة العشرات في هجوم نفذه مسلحون تشاديون على منطقة "بير سليبة" بولاية غرب دارفور يوم الجمعة، بأنه يُعتبر سقوطًا مروعًا للسيادة الوطنية ويتحمل نتيجته المباشرة كل مكونات "السلطة الانقلابية الحالية".

واتهمت لجنة الأطباء "المجموعة الانقلابية" في جعل البلاد تعيش فوضى وصراعًا إقليميًا وضعفًا أمنيًا رهيبًا مع استمرار انتهاك سيادة البلاد بصورة دائمة، وأشارت إلى ما حدث في شرق السودان الأيام الماضية.

تطارد الاتهامات بالتفريط في سيادة الدولة الحكومات السودانية المتعاقبة

الخميس أعادت السلطات السودانية وفدًا يتكون من زعماء عشائر في شرق السودان كان في طريقه إلى العاصمة أسمرا، بدعوة من الرئيس أفورقي عبر سفارة إريتريا بالخرطوم، للقاء تشاوري حول قضايا شرق السودان. وهي الخطوة التي وصفها البعض بأنها انتهاك صارخ للسيادة، خصوصًا وأن دعوة الرئيس الإريتري لمناقشة مصير شرق السودان لم يتم التنسيق لها مع الحكومة السودانية، خاصة بعد الأنباء عن رفض السلطات لمبادرة إريترية في أسمرا لجمع الفرقاء السودانيين.

اتهامات بالتفريط في السيادة

وتطارد الاتهامات بالتفريط في سيادة الدولة الحكومات السودانية المتعاقبة. هذه الاتهامات ظلت حاضرة حتى بعد نجاح الثورة في الإطاحة بنظام الرئيس المخلوع البشير في نيسان/أبريل 2019، حيث رفض السودانيون دعم الإماراتية والسعودية للمجلس العسكري الانقلابي الحاكم وقتها، وعقب وصول البعثة الأممية لدعم الانتقال في السودان "يونيتامس"، هاجم البعض رئيس الوزراء المعزول عبدالله حمدوك واتهموه برهن إرادة السودانيين للأمم المتحدة ومبعوثها في السودان "فولكر بيرتس".

احتجاجات رافضة لفولكر بيرتس والبعثة الأممية
احتجاجات رافضة لفولكر بيرتس والبعثة الأممية

وأشارت قوى وطنية إلى دعم دولة الاحتلال الإسرائيلي والنظام المصري للانقلاب في البلاد، فيما اتهمت قوى الحرية والتغيير التي تم الانقلاب عليها في تشرين الأول/أكتوبر 2021 سلطة الأمر الواقع في السودان بالتسبب في انتهاك سيادة البلاد، و ذلك من خلال سعيها المحموم لتثبيت قواعد انقلابها وتوظيف القوات المسلحة لذلك، مع إهمال دورها الرئيسي في الحفاظ على حدود البلاد وسيادتها.

احتجاجات رافضة للسيسي
احتجاجات أمام سفارة جمهورية مصر بالخرطوم

وفي حزيران/يونيو المنصرم، أعلن الناطق الرسمي باسم الجيش السوداني قيام الجيش الأثيوبي بإعدام سبعة جنود سودانيين ومواطن كانوا أسرى لديها، قائلًا في بيان أصدره وقتها إن الخطوة لن تمر مرور الكرام وأنه سيرد عليها الرد المناسب، وأوضح البيان أن هذا الموقف الغادر لن يمر بلا رد، والسودان سيرد على هذا التصرف الجبان بما يناسبه "الدم السوداني غالٍ دونه المهج والأرواح"، ليعلن البرهان وآبي أحمد في تموز/يوليو الماضي طي صفحة الخلافات بين البلدين، في صورة أخرى تشير لحالة السيولة وضعف السلطة في الحفاظ على كيان الدولة وسيادتها.

اختلال في المفهوم والممارسة

وتصبح الدولة كاملة السيادة حين يكون لها الكلمة العليا واليد الطولى على إقليمها وعلى ما يوجد فوقه أو فيه. وهو أمر لا ينطبق على واقع الدولة السودانية في الوقت الراهن وفقًا للمحلل السياسي وأستاذ العلوم السياسية بجامعة النيلين مصعب عبد القادر، والذي يرى في حديثه لـ"التراسودان"، وجود مجموعة من الاختلالات في مفهوم السيادة وفي ممارستها على أرض الواقع.

ويردف عبد القادر أن ما يحدث للمواطنين السودانيين في الحدود الشرقية والغربية هو تتويج لغياب مفهوم السيادة التي لا يمكن النظر إليها في كونها مجرد دفاع عن الحدود باستخدام القوة العسكرية، بل في معناها الأشمل هي مبدأ الالتزام بالقانون واحترام قيم الدستور والدفاع عنه. كما أن قدرة الحكومة التي تحتكر أدوات العنف داخل المجتمع في ممارسة سيادتها على الآخرين رهين وبشكل كبير برضاهم وقبولهم بسلطتها مبدئيًا، وهي أمور غير متاحة الأن وما يعضدها هو اختيار مواطنين أن يبحثوا عن حلول مشاكلهم لدى الخارج دون إحساس بالذنب - وفقًا لتعبيره.

الحكومة ترد

لكن وفي سياق مغاير لما يتم تداوله فإن الحكومة السودانية وقياداتها بعد انقلاب تشرين الأول/أكتوبر 2021، تقول بأن السبب الأساسي لقرارات قائد الجيش كان الدفاع عن سيادة البلاد وتحرير القرار من سيطرة القوى الخارجية عبر وكلائها من الحزبيين في الداخل.

وفي شباط/فبراير الماضي، لوح الفريق أول عبد الفتاح البرهان بإمكانية اتخاذ إجراءات في مواجهة بعثات دبلوماسية اتهمها بإثارة "الفتنة والتحريض ضد الجيش"، قائلًا "نرى البعثات الدبلوماسية تتجول بكل حرية في الخرطوم؛ بعض البعثات الدبلوماسية تعمل على بثّ الفتن ضد الجيش ونحن لن نتركهم، ونحذرهم سنتخذ إجراءات ضدهم".

وسبق أن عبرت بعض البعثات الدبلوماسية عن مواقف دولها الرافضة لإجراءات المجلس العسكري الانتقالي، وانخرطت في عقد لقاءات عديدة مع قوى مدنية أثارت حفيظة المكون العسكري الذي تعامل معها على أنها رسائل دعم لما يحدث من مظاهرات في الشارع.

ولا تنفصل رؤى المكون العسكري السلبية لتحركات بعض السفارات الأجنبية عن الإطار العام الذي يرفض تدخلات البعثة الأممية ووساطتها في الأزمة السياسية، وتأكيده على ضرورة أن تبقى في دور الناقل لوجهات النظر بين الأطراف المختلفة. وخرجت عدة تظاهرات طالب بعضها بطرد المبعوث الأممي حماية لسيادة السودان.

رفض واستدعاء

وفي سياق اتخاذ خطوات عملية للحفاظ على السيادة؛ استدعت وزارة الخارجية السودانية سفير جمهورية تشاد لدى السودان، للاحتجاج على مقتل عدد من المواطنين السودانيين على يد تشاديين في غرب دارفور.

ونقل وزير الخارجية علي الصادق احتجاج بلاده وإدانتها للحادث الذي جرى في الثالث من آب/ أغسطس الجاري، إثر دخول مسلحين من تشاد إلى الأراضي السودانية وسرقتهم لمئات الرؤوس من الإبل وعودتهم إلى تشاد. وطالب وزير الخارجية السودانية الحكومة في تشاد بالقبض على المتفلّتين وردّ المسروقات إلى أهلها في السودان.

لم يكن لأفورقي التدخل بهذا الشكل السافر لولا الثغور والتصدعات

وتبدو خطوات السلطات فيما يتعلق بوفد الشرق غير كافية حتى الآن، فلم يكن لأفورقي التدخل بهذا الشكل السافر لولا الثغور والتصدعات بين المكونات السودانية من جانب وبينها والحكومة في الجانب الآخر، ويرى نشطاء في شرق السودان أن حماية الدولة لسيادتها تبدأ من تواصلها مع المكونات الداخلية وتحقيق تطلعات مواطنيها.

بينما يتخوف البعض أن ينتهي استدعاء الخرطوم لسفير إنجمينا لذات المآلات التي انتهي إليها البيان في مواجهة الاعتداءات من قبل الجيش الإثيوبي ومليشياته في الشرق، وأن يغري التساهل بالمزيد من انتهاكات لحدود البلاد وأرواح مواطنيها.