03-أغسطس-2022
حميدتي قائد قوات الدعم السريع

حميدتي قائد قوات الدعم السريع

من مقر إقامته بمدينة الجنينة أقصى غربي السودان، قال نائب رئيس مجلس السيادة وقائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو الشهير بـ"حميدتي" - قال إن الانقلاب العسكري الذي نفذه الجيش في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي قد فشل. وأضاف "حميدتي" في مقابلة مع "بي بي سي" أن الأوضاع الاقتصادية والأمنية في السودان "باتت أسوأ مما كانت عليه قبل الانقلاب". 

يفسر مراقبون تعمد توصيف "حميدتي" للأوضاع في البلاد بالفشل بأنها مقدمة لخطوة يسعى الرجل إلى تنفيذها

ويشغل "حميدتي" منصب النائب الأول لرئيس مجلس السيادة الانتقالي، وهو منصب لم تنص عليه "الوثيقة الدستورية" التي وقع عليها "حميدتي" نفسه ممثلًا للمجلس العسكري مع قوى إعلان الحرية والتغيير في آب/ أغسطس 2019. ويُفسّر مراقبون تسمية الرجل نائبًا أول لرئيس مجلس السيادة تجاوزًا للوثيقة الدستورية بأنه تعبيرٌ عن سطوة الرجل وتأثيره في سودان ما بعد الثورة.

ويقود "حميدتي" قوات الدعم السريع التي يبلغ قوامها نحو (120) ألف منتسب مع  تطور في قدراتها التسليحية. ودشنت قبل مدة كتيبة مدرعات تتبع للدعم السريع وسط همس حول عدم رضا الجيش عن هذه الخطوة بسبب رغبته في احتكار الأسلحة الثقيلة في البلاد.

https://t.me/ultrasudan

وتثير الأسئلة حول تبعية قوات الدعم السريع للقوات المسلحة أو استقلاليتها جدلًا كثيفًا حول مستقبل السودان ومستقبل تكوين جيش قومي واحد، وهو الطلب الذي وضعته مساعدة وزير الخارجية الأمريكي للشؤون الأفريقية مولي في على منضدة الاجتماعات المشتركة مع فرقاء المشهد السوداني.

وفي تموز/ يوليو الجاري أعلن "حميدتي" عن التزامه التام بالعمل مع القوات المسلحة السودانية، وصولًا إلى "جيش واحد مهني يعكس تعدد السودان وتنوعه ويحافظ على أمن البلاد وسيادتها". وهو ذات ما أكده "حميدتي" في حواره مع "بي بي سي" حين قال: "لا مانع من دمج قوات الدعم السريع في الجيش في إطار تشكيل جيش قومي ومهني".

ويوم الجمعة الفائت وصف "حميدتي" الوضع في السودان بـ"المنهار". واتهم في حديث لبرنامج "مؤتمر إذاعي" الذي بثته الإذاعة السودانية - اتهم بعض الأجهزة الأمنية بلعب دورٍ في الصراعات المندلعة في أنحاء السودان.

وشكا من عدم التزام بعض الأطراف بمقررات اتفاقية جوبا لسلام السودان ومن وجود ثغرات في الحدود السودانية الليبية. وقال "حميدتي" إن حركات مسلحة أظهرت سلوكيات "غير منضبطة" وخالفت القانون. وأشار إلى أن حل الأزمة بإقليم النيل الأزرق يتم عبر "فرض هيبة الدولة"، وهو ما يعزز فرضية عجز السلطة عن تجاوز محطة الفشل.

وتطرح استخدامات نائب رئيس مجلس السيادة المتعددة لتوصيفات الفشل لواقع البلاد مع اختياره البقاء في دارفور بعيدًا عن العاصمة مركز ثقل القرار السياسي - تطرح أسئلةً حول خطوة الرجل القادمة وحول طبيعة علاقته مع الجيش شريكه في الانقلاب وإدارة الفترة الانتقالية؟

وسبق أن تحدث العضو السابق في مجلس شركاء الفترة الانتقالية والقيادي في قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) طه عثمان إسحق عن مناوشات بين الجيش والدعم السريع كادت تصل إلى حد المواجهة، لافتًا إلى تدخل رئيس مجلس الوزراء السابق عبدالله حمدوك ونجاحه في نزع فتيل الأزمة في آخر لحظة. وحذر طه عثمان من انهيار الأوضاع في البلاد في حال حدوث مواجهة بين حمَلة السلاح.

وفي السياق نفسه، رحبت قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) بتصريحات نائب رئيس مجلس السيادة وعدتها خطوة جديدة في دعم التحول الديمقراطي في البلاد. ونقلت "بي بي سي" عن التحالف ترحيبه بخطوة "حميدتي" بترك العمل السياسي والتفرغ للمهام الأمنية. لكن الحديث عن إيجابية الخطوة سرعان ما يفتح الأبواب للسؤال عن مغزى التصريحات ودواعيها وما الذي يرغب قائد الدعم السريع في الوصول إليه؟

يقول الناشط السياسي في قضايا الحرب والسلام منتصر زين العابدين الذي سبق وأن عمل مستشارًا لقائد الدعم السريع إن استخدام توصيف الفشل للأوضاع الراهنة في البلاد "تعبيرٌ عن حالة ضعف لدى قائد الدعم السريع"، موضحًا أن الضعف ناتجٌ عن فشله هو تحديدًا في "الالتزام بتعهداته السابقة"، مشيرًا إلى أن "حميدتي" سبق أن أعلن عن التزامه بعدم الانقلاب على السلطة لكنه انقلب عليها وأعلن عن دعمه للتحول المدني في البلاد وفعل النقيض تمامًا – على حد وصفه.

وبالنسبة إلى خطوة مغادرته الخرطوم إلى دارفور، يقول منتصر إن "قائد الدعم السريع يحاول إعادة عقارب الزمن إلى الوراء بالرهان على الأزمات المتلاحقة في الخرطوم". ويضيف أن موقفه لا يبدو أفضل فهو شريك أساسي في صناعة هذه الأزمات بما فيها الانقلاب وتداعياته ونتائجه التي دفعت الرجل إلى التحدث بلسان المتمرد المستعد لدمج قوات الدعم السريع في الجيش وهو أمر لم يشِر إليه في وقت سابق - وفقًا لمنتصر.

ويتساءل البعض على سيرة قوات الدعم السريع هل هم جنود "حميدتي" أم جنود الدولة؟ في إشارة إلى التأثير الكبير للرجل في قواته، وفي الوقت نفسه إشارة إلى ارتباط وجود الرجل في المسرح السوداني بوجود هذه القوات وأن غيابها -بأيّ صورة- يعني مغادرته المشهد من الباب الواسع وفقًا لمراقبين.

ويفسر مراقبون تعمد استخدام الرجل لتوصيف الفشل تجاه الأوضاع في البلاد بأنها مقدمة لخطوة يسعى الرجل إلى تنفيذها، وهي المشاركة في الانتخابات وتقديم نفسه كمنقذٍ للسودانيين، لكن هذه المرة عبر صناديق الاقتراع. وهو ما تؤكده تحركات الرجل في وقت سابق وهو يسعى إلى حل المشكلات بأبعادها الأمنية والاجتماعية والاقتصادية من خلال عقد المصالحات ودفع الأموال لمعالجة أزمات البلد الاقتصادية. 

ولا يستبعد المحلل السياسي وأستاذ العلوم السياسية بجامعة النيلين عوض أحمد سليمان في حديثه لـ"الترا سودان" هذه الفرضية. ويقول إن من حق أيّ سوداني أن يقدم نفسه للآخرين من أجل انتخابه في عملية ديمقراطية كاملة. ويضيف: "خطوات قائد الدعم السريع السابقة تؤكد سعيه إلى الحصول على رضا الناس"، لافتًا إلى أنه "جانبٌ إيجابي".

عوض: قبل الوصول إلى مرحلة تحديد الشخص الذي علينا أن ننتخبه يجب علينا توفير البيئة التي تمكننا من ذلك

ويضيف عوض: "قبل الوصول إلى مرحلة تحديد الشخص الذي يجب علينا أن ننتخبه يجب علينا توفير البيئة التي تمكننا من القيام بذلك". وزاد: "المفارقة هي أن واجبات تجهيز هذه البيئة يجب أن يقوم بها حميدتي الذي يمثل أحد أركان الشراكة في حكومة واجبها الرئيس هو تمهيد التربة للانتقال نحو الصناديق"، مشيرًا إلى التحديات التي تعترض طريق الانتقال، وعلى رأسها تحدي تشكيل جيش قومي موحد يحرس الصناديق في البداية ويحرس لاحقًا اختيارات الشعب – على حد تعبيره.