04-أغسطس-2022
لافتة مناهضة للتدخلات الخارجية

لافتة مناهضة للتدخلات الخارجية في السودان (من أرشيف الاعتصام)

في اعتصام الثوار السودانيين أمام القيادة العامة للجيش (6 نيسان/ أبريل حتى 3 حزيران/ يونيو 2019)، رفع المعتصمون لافتات ترفض التدخلات الخارجية لتحديد مسار الثورة السودانية. وحددوا في لافتاتهم كل من "الإمارات والسعودية ومصر" أو ما عُرف عندهم بالمعسكر المضاد لحركة الشعوب ورغبتها في التحرر.

يتهم قطاع كبير من السودانيين محور "الإمارات والسعودية ومصر" بالسعي إلى صناعة سيسي جديد في جنوب الوادي

بدا المعتصمون وكأنهم يقرؤون من كتاب مآلات ثورات الربيع العربي في مصر وليبيا وثورة الزيتون في تونس التي انتهت الأمور فيها جميعًا بانتصار معسكرات القوى المناهضة للثورة؛ ما جعل من السعي إلى قطع الطريق على هذه السيناريوهات أولوية داخل ميدان الاعتصام الذي سير ولمرة وحيدة مظاهرةً في اتجاه عكسي قصدت السفارة المصرية وطالب المشاركون فيها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي برفع يده عن ثورة السودانيين.

ومنذ وقت باكر سادت حالة من التململ السياسي والشعبي في السودان من محاولات السعودية والإمارات ومصر التدخل في السودان وبسط نفوذهم لتحويل مسار الثورة، خصوصًا بعد أن كانت الرياض وأبوظبي من أوائل الدول المرحبة بقرارات المجلس العسكري الانتقالي في السودان، إذ بادرتا إلى تقديم مساعدات إلى الخرطوم، في وقت يواصل فيه عشرات الآلاف من السودانيين اعتصامهم للمطالبة بتسليم السلطة إلى حكومة مدنية.

https://t.me/ultrasudan

ويتهم قطاع كبير من السودانيين محور "الإمارات والسعودية ومصر" بالسعي إلى صناعة سيسي جديد في جنوب الوادي أسوة بما حدث في مصر. وفي رسالة واضحة لرفض التدخل السعودي الإماراتي المصري، نشر ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي صورة لشباب في موقع اعتصام محيط القيادة العامة للجيش السوداني وهم يرفعون لافتات كتب عليها بالخط العريض: "لا للتدخل الإماراتي السعودي والمصري، ولا للدعم من السعودية والإمارات".

في ساحة الاعتصام
جانب من اللافتات المناهضة للتدخلات الأجنبية في اعتصام القيادة العامة للجيش

زيارات

وأشار تقرير لـ"رويترز" صدر في تموز/ يوليو 2019 إلى أن المسؤولين السودانيين الذين أطاحوا بـ"البشير" تعاونوا مع الإمارات وحصلوا على دعمها لتنفيذ االانقلاب. ثم أن الإمارات سعت من أجل احتواء القوى المدنية، ورتبت زيارات لمعظم القيادات السياسية المدنية مثل مريم الصادق المهدي وخالد عمر يوسف، وهو ما فعلته أيضًا مع قيادات حركات الكفاح المسلح.

وفي المقابل، سافر جنرالات المجلس العسكري الانتقالي إلى الإمارات والسعودية في أواخر أيار/ مايو 2019. ويُعتقد على نطاق واسع بين الثوار أن المسؤولين من البلدين أعطوا السلطات السودانية مباركتهم للتفريق العنيف للمعتصمين في محيط قيادة الجيش في 3 حزيران/ يونيو من العام نفسه، ما أدى إلى مقتل أكثر من (200) متظاهرٍ - وفقًا لإحصائيات غير رسمية.

التعويل على الخارج

ويحمّل المحلل السياسي والكاتب الصحفي خالد التيجاني "التدخلات الخارجية الكثيفة" مسؤولية المآلات التي تسببت في انقلاب تشرين الأول/ أكتوبر، لكن التيجاني لا يلوم الخارج بل النخبة السودانية التي سمحت بذلك.

وانتقد التيجاني بشدة في تصريحات سابقة "الترا سودان" فكرة تعويل النخبة السودانية على "المعالجات الخارجية للقضايا الوطنية"، ما يدلّ -بحسب التيجاني- على فقدانها للإرادة وعجزها في الوقت نفسه عن "القراءة الموضوعية للتاريخ". ولفت التيجاني إلى أن كل المعالجات المستوردة "أثبتت فشلها"، مشيرًا إلى انتهاء "نيفاشا" بتقسيم البلاد وإلى النتائج الماثلة للوثيقة الدستورية.

وعدّ التيجاني التوقيع على الوثيقة الدستورية قمة تجليات التدخل الخارجي في تحديد مسارات سودان ما بعد الثورة، فالوثيقة -طبقًا للتيجاني- لم تكن تعبيرًا عن مطلوبات الشارع الذي أنجز الثورة، بل بدت وكأنها تسوية لنزاعات المعسكرات الخارجية في المسرح السوداني.

قرارات البرهان

ووفرت قرارات إصلاح المسار التي أطلقها قائد الجيش تربة خصبة لزيادة حجم التدخلات في الثورة السودانية، وعدّتها القوى المناهضة لها محض "وصفة خارجية" حاول رئيس مجلس السيادة تطبيقها في السودان. ويحاول هذا الفريق تأكيد فرضيته بالإشارة إلى أن رئيس مجلس السيادة أعلن قراراته التي أسماها "تصحيحية" بعد زيارة غير معلنة إلى مصر - وفقًا لاتهاماتهم.

السعودية والإمارات

وعززت القرارات الدور السعودي في المشهد السوداني، وصار سفير خادم الحرمين الشريفين لدى السودان علي بن حسن جعفر مثل "رجل الإطفاء" في سعيه إلى إخماد الخلافات ولم شمل الفرقاء السودانيين في أعقاب القرارات. كل ذلك مقرونًا بالنتائج الختامية للانقلاب الذي وصفه منفذوه بـ"الفشل"- حسب التصريحات المتداولة لنائب رئيس مجلس السيادة الفريق أول حميدتي في مقابلته مع "بي بي سي".

وفي مقابل الحديث عن تراجع الدور الإماراتي لمصلحة السعودية، نجح السفير السعودي في الجمع بين قيادات المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) في اجتماع للتفكر حول كيفية إنهاء الانقلاب عبر تنفيذ الرؤية التي حملتها مولي في مساعدة وزير الخارجية الأمريكي للشؤون الأفريقية في آخر زيارة لها إلى الخرطوم.

أمريكا وروسيا

المفارقة في أن المسؤولة الأمريكية الرفيعة حملت معها في حقيبتها رفض بلادها لتوسع الدور الروسي في السودان، مطالبةً بضرورة أن تنهي السلطة في السودان أيّ شكل من أشكال وجود قوات "فاغنر" الروسية شبه العسكرية في الأراضي السودانية. وسعت روسيا منذ وقت باكر إلى ضمان وجودها في السودان من خلال إنشاء قاعدة عسكرية لها في البحر الأحمر؛ القضية الأبرز التي طرحتها موسكو على طاولة النقاش لدى زيارة نائب رئيس مجلس السيادة "حميدتي" إلى روسيا في وقت سابق، ومع أن الأمر لم يكتمل مع ترجيح خيار عدم إنشاء قاعدة روسية في السودان، إلا أن ذلك يصب في اتجاه تعزيز الدور الأمريكي في البلاد - وفقًا لمختصين.

المجلس المركزي والترويكا

وكانت مصادر موثوقة بتحالف قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) قد كشفت لـ"الترا سودان" في وقتٍ سابق، عن إبلاغ لجنة الاتصال والعلاقات الخارجية بالتحالف ممثلي عدة دول بمخاطر تواجه البلاد. وبحسب المصادر، بيّنت لجنة الاتصال تصاعد "نُذر حرب مسلحة وانهيار" إلى جانب التحركات التي يقوم بها قائد الجيش لاختيار رئيس وزراء وتشكيل حكومة بعقد تحالفات مع بعض مكونات الطرق الصوفية.

بدا المجلس المركزي هنا وكأنه يشكو شركاء الفعل السياسي إلى الخارج، وتحديدًا دول "الترويكا" المعروفة بدعمها لخيار العودة إلى المسار الدستوري في البلاد. ودعت مجموعة "الترويكا" التي تضم الولايات المتحدة والنرويج وبريطانيا الأطراف السودانية إلى "تكوين حكومة مدنية ذات مصداقية تستند إلى اتفاق سياسي شامل".

وقال بيانٌ للترويكا اطلع عليه "الترا سودان" إن المجتمع الدولي واضح في أن الدور العسكري المستقبلي يجب أن يتم الاتفاق عليه بالتشاور مع المدنيين.

التوافق الوطني والسعودية

وسبق أن شكا تحالف الحرية والتغيير (التوافق الوطني) للسفير السعودي؛ إذ قال الأمين العام لقوى الميثاق الوطني مبارك أردول، في تصريحات لـ"الترا سودان"، إن التحالف أبلغ السفير "اعتراضه على سلوك المملكة الداعم للحوار الثنائي بين المكون العسكري وقوى المجلس المركزي"، ما يضع المملكة في خانة الدول الداعمة لعدم الاستقرار في السودان –بتعبير أردول- وربما المساهِمة في اندلاع الحرب إذا ما استمر الحوار بعيدًا عن الآلية الثلاثية بما يكرس لعقلية الإقصاء المرفوضة – على حد وصفه.

الانقلاب العسكري وفشله في ضبط الأوضاع في البلاد، تقاطع المصالح الدولية، تحركات السفراء وتدخلهم في القضايا الداخلية، غياب الرؤية الوطنية، وضعف الإرادة والتماهي مع القرارات الخارجية من قبل القوى السياسية والمدنية - كلها مهددات للثورة السودانية بل قد تتجاوز الثورة إلى الدولة السودانية.