للعام الثاني توالياً، يحتفل السودانيون بعيد الأضحى المبارك، بينما الشعب يتجرع مرارات الحرب التي جعلتهم بين نازح ولاجئ. يأتي العيد وجميع السودانيين يعانون من أوضاع أمنية وإنسانية واقتصادية معقدة.
لم تعد المدن والقرى في السودان كما كانت عليه في السابق؛ إذ تغيب عن شمس العيد العديد من الطقوس التي يتبعها السودانيون في كل عيد، ويطفو الحزن إلى السطح. تأثر غالبية المواطنين اقتصاديًا بسبب الحرب التي لا تزال نيرانها مستعرة في السودان.
هرب السودانيون من جحيم الحرب بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع، ليجدوا أنفسهم بين لاجئ في الدول المجاورة أو الإقليمية، وبين نازح في الولايات التي لم تشهد اشتباكات حتى الآن
هرب السودانيون من جحيم الحرب بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع، ليجدوا أنفسهم بين لاجئ في الدول المجاورة أو الإقليمية، وبين نازح في الولايات التي لم تشهد اشتباكات حتى الآن. وتقول المنظمة الدولية للهجرة إن نحو 10.7 ملايين شخص نزحوا بسبب النزاع في السودان، منهم 9 ملايين داخل البلاد، بينما فرَّ 1.7 مليون إلى دول الجوار.
وحسب المتحدث باسم حكومة الأمر الواقع في السودان، جراهام عبد القادر، فإن عدد النازحين في البلاد بلغ أكثر من 11 مليون شخص. وأفاد في تصريحات خلال شباط/فبراير الماضي بأن "أكثر النازحين من النساء والأطفال، حيث بلغ عدد النساء 4 ملايين امرأة نازحة، بينما بلغ عدد الأطفال النازحين 3 ملايين".
يعتبر عيد الأضحى من أكبر الأعياد الدينية للمسلمين. لدى السودانيين، يعد عيد الأضحى مناسبة لها خصوصية كبيرة؛ إذ يعود الغالبية إلى أسرهم في المدن والقرى، مما يخلق زخماً كبيراً في رحلة العودة إلى الجذور، ويجعل المدن الكبيرة، بما فيها العاصمة، شبه خالية من الضجيج اليومي.
الأضحى في الملاجئ
الحاجة عائشة حمد النيل، التي لجأت إلى المملكة العربية السعودية، تقول بحسرة: "العيد أصبح بلا طعم عقب اندلاع الحرب في السودان، وتوارى إحساس البهجة واللمة التي كانت حاضرة في كل الأعياد". وتساءلت: "كيف نفرح بعد تدمير إنسان السودان وتشرده من منزله ووطنه؟".
وقالت لـ"الترا سودان" إن العيد في الغربة يعتبر مناسبة دينية وعبادة يتقرب بها العبد لربه. يمر الأضحى وفي الحلق غصة بسبب الحرب التي فرقت الأسرة الواحدة في أكثر من مكان.
لاجئة سودانية بالسعودية: العيد في السودان يختلف عن أي دولة أخرى، لا سيما وأن تجمع أفراد الأسرة في منزل واحد يعتبر فرحة كبيرة يضفيها العيد على السودانيين
وأشارت إلى أن العيد في السودان يختلف عن أي دولة أخرى، لا سيما وأن تجمع أفراد الأسرة في منزل واحد يعتبر فرحة كبيرة يضفيها العيد على السودانيين. العيد يعتبر فترة زمنية مهمة تجعل الجميع يبرمج أوقاته عليه، حتى المغتربون ينزلون إجازاتهم في هذه الفترة.
وأضافت أن الأسر التي لجأت إلى السعودية تعتمد بشكل مباشر على أبنائها الموجودين مسبقاً في المملكة، فكل أسرة تعتمد على شراء الأضحية بحسب ظرفها المادي، الذي يختلف من أسرة إلى أخرى. وتمنت عائشة أن تتوقف الحرب ويعود الجميع إلى ديارهم، ليكملوا حياتهم في وطنهم، وتعود البهجة مجدداً للأعياد في مقبل السنوات. وكشفت بأن الخروف في السعودية لا يقل عن ألف وخمسمائة ريال سعودي (حوالي 400 دولار).
طقوس غائبة
تقام صلاة العيد في الصباح بعد شروق الشمس، وعقبها مباشرة ينتشر المصلون صوب منازلهم ويقومون بذبح الأضاحي، ويعملون على توزيع اللحوم على الفقراء والمحتاجين، مما يعكس روح التضامن التي يتميز بها الشعب السوداني. بعد ذلك، يقضي السودانيون بقية اليوم في الاحتفالات الاجتماعية، إذ يقومون بزيارة الأقارب والجيران والأصدقاء، وتكون مناسبات الزواج أكثر في هذه المواسم.
فيما يقول اللاجئ السوداني في إثيوبيا، الطيب بشير: "العيد بعيداً عن السودان أفقدني الشعور بعيد الأضحى، لاختلاف كل شيء، المكان والإنسان وحتى الإحساس بهذه المناسبة يختلف". وأضاف: "جرت العادة أن أقدم على إعداد مشروب الشربوت قبل أيام من العيد، بجانب شراء الخروف ومستلزمات الأضحية من التوابل والخضروات".
ويضيف لـ"الترا سودان": "العيد في السودان له نكهته الخاصة، ولكن تسببت الحرب في تبديد كل شيء، بما في ذلك الأمن والأمان، الأمر الذي يلغي الاستمتاع بالحياة".
لاجئ في إثيوبيا: أسعار خراف الأضحية في إثيوبيا تتراوح ما بين (5-6) آلاف بر للخروف، أي ما يعادل مئة دولار أميركي
وأضاف الطيب: "أسعار خراف الأضحية في إثيوبيا تتراوح ما بين (5-6) آلاف بر للخروف، أي ما يعادل مئة دولار أميركي. وإمكانية شرائه لدى اللاجئين تختلف باختلاف الأسر".
دولة أوغندا واحدة من الدول التي استقبلت أعداداً كبيرة من اللاجئين السودانيين، الذين يفقدون الإحساس بالعيد. يقول أحمد حمدان، أحد اللاجئين في أوغندا: "حضرت عيد الفطر قبل أكثر من شهرين وأنا في كمبالا، مر العيد مثل الأيام العادية، دون أن أشعر به".
وقال حمدان لـ"الترا سودان" إن الإحساس بالعيد وترقبه غير موجود في أوغندا. وأضاف: "أيام ويطل علينا عيد الأضحى، وكما هو معروف عندنا في السودان، نقوم بذبح الأضحية أمام المنزل أو داخله، ليقفز إلى ذهني سؤال: أين نذبح تلك الأضحية؟ لأن قانون الدولة لا يسمح بالذبائح إلا في ما يسمى بالسلخانة. هذه القوانين تجعلني أفكر بشكل جاد في عدم التضحية لأن الشعيرة هنا انتفت".
وأردف قائلاً: "طقوسنا السودانية لا توجد ولا الإحساس بها موجود، نستقبل العيد مثله مثل أي يوم، لأن العيد تعودنا عليه بطقوس وشعائر إسلامية، بجانب العادات المجتمعية التي جعلت العيد في السودان ذو لون ونكهة لم تعد موجودة في بلاد اللجوء".
العيد خارج الوطن
محمد محمود الجاك، أستاذ جامعي، وصل القاهرة قبل ستة أشهر، بعد رحلة معاناة في الطريق بين السودان ومصر، يقول: "لم أتوقع أن يأتي عيد الأضحى دون أن أذهب إلى السوق برفقة أحد أبنائي لأجل شراء خروف الأضحية." وأضاف: "كنت أرى العيد في عيون أطفالي وهم يعبرون عن فرحتهم بقدوم عيد الأضحى. كانت هذه بداية الطقوس لعيد الأضحى، أما الآن فكل هذه الأحاسيس والطقوس لم تعد موجودة".
وأكمل لـ"الترا سودان": "العيد خارج الوطن يمكن أن أوصفه بالكابوس، لأن الحرب جعلتنا أجسادًا بلا أرواح، خاصة وأن معظم السودانيين في مصر ظروفهم الاقتصادية سيئة ويعيشون أوضاعاً لا تسمح لهم بشراء خراف الأضحية، لا سيما وأن الخروف يتراوح بين (7-10) آلاف جنيه مصري".
الحرب تسلب الأفراح
لم تسلب الحرب السودانيين الإحساس بالعيد فقط، بل تكاد تنقطع جميع مظاهر الأفراح الراتبة في البلاد، مثل حفلات التخرج وأعياد الميلاد وغيرها من الفعاليات. سيمر عيد الأضحى هذا العام والعديد من الأسر لن تستطيع توفير خروف العيد ما سيسلب الصغار والكبار الفرحة بالشعيرة الدينية المهمة بالنسبة للمسلمين.
كانت الأعياد في السودان فرصة للتزاور والتراحم بين الأقارب والأهل والجيران، ولكن في هذا العام الملايين من السودانيين مشردون في أصقاع الأرض داخل وخارج البلاد
كانت الأعياد في السودان فرصة للتزاور والتراحم بين الأقارب والأهل والجيران، ولكن في هذا العام الملايين من السودانيين مشردون في أصقاع الأرض داخل وخارج البلاد، في ظل ظروف إنسانية بالغة التعقيد. الأمنيات لهذا العيد مثل العيد السابق، ستتركز في الأمل الذي تلخصه المعايدة السودانية: "تامين ولامين".