11-مايو-2024

تتزايد الزيجات في مدن السودان على الرغم من الحرب (غيتي)

لم تمنع الحرب شباب السودان من الفرح والسرور، فمنذ بداية الصراع بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني، لاحظنا زيادة في نسبة الزواج، وتوجه الشباب نحو القفص الذهبي، مع انخفاض كبير في تكاليف الأعراس في السودان. وأصبحت الأسر تقبل بأقل المتطلبات لإتمام عملية الزواج، وتتنازل عن بعض العادات والتقاليد، مثل الحفلات وفطور العريس والصبحية وتكاليف صديقات العروس، أي ما يعرف بالـ"الشباين"، وتطبيق مبدأ الأغنية: "تعال بالعندك، وأبوي بسندك".

القفص الذهبي

بعد نزوح عدد كبير من الأسر من العاصمة الخرطوم إلى ولايات السودان المختلفة، زادت نسبة الزواج أكثر، وقرر عدد كبير من الشباب الزواج. في محلية القطينة بولاية النيل الأبيض، شهدنا أكثر من تسعة أفراح بالمدينة، ومعظمهم لنازحين جاؤوا من ولاية الخرطوم. وبعد نزوح المواطنين إلى محلية الدويم بنفس الولاية، لاحظنا إقامة زيجات وسط النازحين في تلك المدينة، ونلاحظ الأمر نفسه في باقي الولايات كما أكد على ذلك المواطن وليد إيهاب عبد الشافي، الذي قال أنه تزوج في فترة الحرب من ابنة عمه.

المواطن وليد لـ"الترا سودان": تزوجت في روضة وتخلينا عن الصالات والحفلات وبعض العادات والتقاليد واكتفينا بعقد القران والكرامة والجرتق فقط

ويشير إيهاب في حديثه مع "الترا سودان"، إلى أن الفكرة بدأت من أم درمان في ظل الحرب، عندما كان مسؤولًا عن إخوته في غياب والده الذي يقيم في المملكة العربية السعودية. وعند اندلاع الحرب، خرجوا من أم درمان إلى ولاية الجزيرة، وبعد دخول الدعم السريع إليها، نزحوا مرة أخرى إلى ولاية القضارف، ثم ولاية كسلا بعد معاناة وصعوبة شديدة.

إيهاب، قال لـ"الترا سودان" إنه ترك كل ما يملك في أم درمان خوفًا على أسرته من انتهاكات قوات الدعم السريع الذين وصفهم بـ"الجنجويد". وأشار إلى أنه عند وصولهم إلى ولاية كسلا، خطط لتنفيذ الزواج، وبالفعل عقد قرانه من فاطمة، وأصبحت زوجته. وكان كل ذلك في "روضة" صارت مركز إيواء للنازحين في كسلا.

يؤكد هذا المواطن أن تكاليف الزواج كانت بسيطة جدًا مقارنة بالزواج في الوضع الطبيعي، حيث تخلوا عن الصالات والحفلات وبعض العادات والتقاليد، واكتفوا بعقد القران والكرامة والجرتق فقط.

تفاوت حالات الزواج 

ويشير الخبير في علم الاجتماع والأنثروبولوجيا، د. خضر الخواض، إلى وجود ملاحظات على النازحين واللاجئين الذين فروا من جحيم الحرب، في تفاوت حالات الزواج بنسب كبيرة. وأضاف أن الأسباب والدوافع تتمثل في البحث عن الإنجاب، بالإضافة إلى حدوث تعارف بين أفراد من مجتمعات مختلفة خلال فترة النزوح والتي أدت إلى الزواج.

ويرى الخواض في حديثه مع "الترا سودان"، أن من بين الدوافع مناطق النزوح التي جمعتهم، حيث وجدوا أنفسهم بحاجة إلى بعضهم البعض، وبحثوا عن الشريك المناسب للارتباط. وأشار إلى أن الزواج يتم بأبسط الأشياء نظرًا لعدم وجود الصالات والحفلات والإنفاق المبالغ فيه، وأضاف أن الحرب عملت على تبسيط الزواج وتقليل التكاليف.

وقال د. خضر الخواض لـ"الترا سودان" إن هناك عاملًا نفسيًا دفع الشباب إلى الزواج، وهو القهر و الحرب التي جعلت الإنسان بحاجة إلى الآخر لتفريغ القهر وتخفيف الضغوط النفسية عنه. مؤكدًا أن مسألة استمرار الزواج بعد الحرب هي حالة تقديرية، وتعتمد على الظروف والتوافق بين الزوجين، ولا يمكن التنبؤ بالاستمرار أو الانفصال، إذ قد تنجح بعض الزيجات وتفشل بعضها، وذلك حسب الظروف الموضوعية التي تحكم هذه العلاقات الزوجية.

الدوافع والأسباب

أما اختصاصي الصحة النفسية والعلاقات الأسرية، الدكتور يوسف محمد الحسن، فيقول إنه لاحظ في فترة الحرب زيادة حالات الزواج وسط فقدان الممتلكات والوظائف والمرتبات، ويضيف أن قبل اندلاع الحرب كان الوضع الاقتصادي عائقًا أمام الزواج، حيث كان يُطلب من الشخص الذي يتقدم لخطبة بنت عن عمله والوضع المادي.

ويبدي اختصاصي الصحة النفسية والعلاقات الأسرية، في حديثه مع "الترا سودان"، استغرابه من رغبة الشباب الكبيرة في الزواج، ويضيف أنه توجد معادلة غريبة في زمن الحرب وسط المهددات، إذ أن الشخص الذي يبحث عن الزواج هو شخص يبحث عن استقرار، وهو من أمر مهدد في ظل الحرب والنزوح، مُشيرًا إلى أن كثيرًا من الزيجات ناتجة عن ارتباط سابق، وأن هناك زيجات نوعًا ما ظروفها مقبولة، لذلك اكتملت عملية الزواج.

ويشير د. يوسف محمد الحسن إلى وجود زيجات دوافعها وصفها بـ"الهشة"، وهي لنازحين يبحثون عن أمان ومأوى أو شباب يستغلون فرصة انخفاض تكاليف الزواج أثناء الحرب، مما أتاح زيجات تزيل كثيرًا من الفوارق. فمثلًا، شباب من الخرطوم نزحوا قرية بسيطة وأقدموا على الزواج نتيجة للظروف الاستثنائية. ويتأسف هذا الاختصاصي على ذلك، قائلًا إنه ليس هناك شيء يسمى زواجًا استثنائيًا، وخطورته أن مبرراته لحظية مرتبطة بآثار الحرب. محذرًا من زوال هذه المبررات وانهيار الزواج.

ويوضح أن هناك عاملًا آخرًا في تسهيل الزواج في زمن الحرب، حيث أصبح أولياء الأمور مرنين في مطالب الزواج نتيجة الظروف الاقتصادية والأمنية، ويتنازلون عن جميع الجوانب الأخرى. ويصف ذلك بأنه "عامل هش"، قائلًا إن إحساس الشباب بالحصول على الزواج بسهولة مهدد خطير، ولن يستطيعوا الصمود أمام التحديات الكبيرة للحياة المقبلة.

اختصاصي الصحة النفسية والعلاقات الأسرية يوسف محمد لـ"الترا سودان": ما يمر به الشباب هو لحظة كابوس، وعند انتهاء الحرب سوف يستيقظون ويتفاجؤون بالشخص الذي ارتبطوا به

ويرى أن العامل النفسي واحد من العوامل الأساسية التي دفعت بالشباب للزواج، حيث يمرون بضغوط واختاروا الطريق السهل في لحظة الضغط. ويضيف أن مثل هذه الزيجات مبنية على تنازلات ودوافع البحث عن مأوى، مشيرًا إلى أن ذلك تسكين لمشكلة وتحويلها إلى وضع جديد، بالإضافة إلى أن هناك متزوجين سافروا وتركوا أولادهم نتيجة للحرب، وهناك نسبة طلاق وخلافات عالية أيضًا لعدم القدرة على تحمل المسؤولية، وبالمقابل لم يتعظوا من التجارب واندفعوا نحو الزواج.

ويقول اختصاصي الصحة النفسية والعلاقات الأسرية، أن ما يمر به الشباب هو لحظة كابوس، وعند انتهاء الحرب سوف يستيقظون ويتفاجؤون بالشخص الذي ارتبطوا به في لحظة ضعف.