05-فبراير-2020

نتنياهو والبرهان (ميدإيست آي)

معظم التعليقات والتحليلات التي كتبها سودانيون عن لقاء رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان برئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، تبدأ بوصف الحدث بالمفاجأة أو الصدمة، وذلك بغض النظر عن الموقف من الحدث، لكن هل فعلًا ثمة صدمة أو مفاجأة في الموضوع؟ ومفاجأة لمن؟

التيار الإسلامي في السودان تقريبًا هو المتفاجئ الأول، وربما الوحيد، لكن ما يدعو للاستغراب فعلًا هو استغراب إسلاميي السودان من قيادة عسكر الحكومة الانتقالية للتطبيع

التيار الإسلامي في السودان تقريبًا هو المتفاجئ الأول، وربما الوحيد، لكن ما يدعو للاستغراب فعلًا هو استغراب إسلاميي السودان من قيادة عسكر الحكومة الثورية للتطبيع. فقد رأى الإسلاميون في العسكر مسيحهم المخلص من القوى المدنية الديمقراطية، وهذه حالة خاصة بالسودان لا مثيل لها في كل المنطقة العربية، سببها الأساسي هو أن الإسلاميين ظلوا في الحكم 30 عامًا بتحالف فريد من نوعه مع الجيش، وقبلها كان الجنرال "جعفر النميري" هو أول من ركب موجة الصحوة الإسلامية وأعلن قوانين الشريعة الإسلامية المعروفة باسم "قوانين سبتمبر".

اقرأ/ي أيضًا: مجلس الوزراء و"قحت": لقاء برهان بنتياهو لا يمثل الحكومة السودانية

طيلة الثلاثين عامًا الأخيرة اعتاد الإسلاميون في السودان على السلطة، وخطاب السلطة، ولنأخذ مثالين اثنين على ذلك، الأول هو الشيخ "محمد مصطفى عبد القادر" من التيار السلفي، الذي انتشر له قبل أيام معدودة فيديو يعلن فيه اعتماده على العسكريين في الحكومة وذكر بالاسم الفريق أول "عبد الفتاح البرهان"، والفريق أول "محمد حمدان" حميدتي واعتماده عليهم في تثبيت الشريعة، ومقاومة دعوات العلمنة التي أطلقها "عبد العزيز الحلو" قائد الحركة الشعبية.

المثال الثاني هو "محمد علي الجزولي" الذي اعتاد أن يخاطب العسكريين طالبًا منهم حماية ثوابت الدين، ومقاومة المدنيين. وبصورة عامة يتعامل الإسلاميون باحترام زائد مع العسكريين، حتى بعد السحق العنيف جدًا لتمرد هيئة العمليات بجهاز المخابرات العامة، وجاء نقد الإسلاميين للحكومة أقرب لعتاب العشاق منه إلى نقد خصم سياسي.

إذن لم يدرك الإسلاميون بعد أنهم يتعاملون مع نوع جديد من العسكر، لا يشبه نوعهم المعتاد المفضل مثل "البشير" و"النميري"، بل نوع أقرب ما يكون إلى جنرالات الجيش المصري في مختلف العهود. أو لعلهم أدركوا ذلك.

لكن ربما الرغبة في تعليل النفس بآمال زائفة تدفعهم لتكذيب ما بات يتأكد يومًا بعد يوم، على أمل العودة للسلطة مجددًا بتحالف مع العسكريين الذين لم يتوقفوا لحظة عن عرض خدماتهم عليهم.

اقرأ/ي أيضًا: عزمي بشارة: من يريد حكم السودان بغطاء إسرائيلي لا يمكن أن يكون ديمقراطيًا

عدا هؤلاء الإسلاميين "المساكين" الذين لم يفيقوا بعد من صدمة فقدان السلطة، لم يتفاجأ أحد. فمن الواضح أن عسكر الحكومة السودانية يميلون كل الميل إلى توجه إقليمي يريد أن ينفض يده تمامًا عن القضية الفلسطينية، ويريح باله من همها، بدعوى العملية والواقعية السياسية، أو بدعوى الحفاظ على المصالح الوطنية. وهذا التوجه الانهزامي العربي قديم جًدا، لم يبدأ بصعود هذا الرئيس أو ذلك الأمير، وربما بدأ مباشرة بعد هزيمة حزيران/يونيو. التي انطوت بها صفحة القومية العربية، وانفتحت صفحة الإسلام السياسي الذي تشير الكثير من الدلائل إلى أن صفحته قيد الطي في السودان.

من الواضح أن إسرائيل نفسها هي من سربت خبر اللقاء، الذي صرح عنه نتنياهو محتفيًا، ولقي حفاوةً واستبشار في الأوساط الإعلامية الصهيونية. لكن لو كان الأمر بيد "البرهان" أو الحكومة الانتقالية لظل سريًا وإلى الأبد.

فقد اعتادت الحكومة على نهج غريب من التعتيم أثار موجات من الغضب وسط مؤيديها. تعلن إسرائيل عن اللقاء الذي يأتي في خضم صراع سياسي كبير فيها، لأنه مكسب كبير وإنجاز جديد يحسب لرئيس الوزراء الذي حقق نجاحات كبيرة في فرض الحقيقة الإسرائيلية على العرب. لكن ما فائدة اللقاء للسودان؟ وما هي المصلحة المترتبة عنه، وكل هذا بافتراض أن اللقاء تم انطلاقًا من مصلحة وطنية سودانية؟

التطبيع مقابل مجرد رفع اسم السودان من القائمة الأمريكية المجحفة للدولة الراعية للإرهاب فقط؟ ولماذا سيهتم البرهان برفع السودان من هذه القائمة خاصة أن كل الإشكالات الاقتصادية المترتبة على بقاء السودان في القائمة سيقع اللوم بخصوصها على عاتق شركائه المدنيين؟ وفشل الحكومة الانتقالية هو فرصته الذهبية لاستلام السلطة والنجاة من عواقب المسؤولية عن فض الاعتصام.

اقرأ/ي أيضًا: الشيوعي السوداني: البرهان يبيع قضية فلسطين مقابل حفنة دولارات

صحيح أن السودان منذ أواخر عهد المخلوع "البشير"قد اعتمد سياسة خارجية ذلولة للغاية، إن جاز التعبير، ترضى بالقليل وتقدم الكثير بلا مقابل حقيقي، وصحيح أن اتجاه الإدارة الأمريكية الجديد قائم على فرض إسرائيل بلا أي تنازلات من جانب إسرائيل أو إغراءات أمريكية، فالمطلوب من المغرب مثلًا الاعتراف بإسرائيل مقابل الاعتراف بسيادتها على الصحراء الغربية، والمطلوب من الخليج الاعتراف بإسرائيل لضمان أمنهم فقط، وهكذا، لكن في حالة البرهان يبدو منطقيًا افتراض أن ثمن التطبيع هو الاعتراف بانقلاب وشيك على الحكومة الثورية، التي تعيش أوقاتًا صعبة في كل المجالات.

بات من اللازم أن تلتف كل القوى المدنية، الإسلامية والعلمانية لحماية الثورة من انقلاب عسكري بمباركة دولية وإقليمية

وعودًا على بدء، من الجيد أن الإسلاميين قد فاقوا من حلم التحالف مع العسكر، كما عبر عن ذلك الجزولي في مقابلته مع الجزيرة مباشرة عقب ظهور أنباء اللقاء. ومن الأفضل للإسلاميين وللقضية الفلسطينية ولمستقبل التحول الديمقراطي أن تلتف كل القوى المدنية، الإسلامية والعلمانية لحماية الثورة من انقلاب عسكري بمباركة دولية وإقليمية، وعلى الإسلاميين أيضًا أن يتخلوا عن الأسلوب "الترامبي" الإسرائيلي في الابتزاز بالمصالحة مقابل إفلات المذنبين من العقاب، أو تكريس الحرمان من أساسيات حقوق الإنسان باسم الدفاع عن ثوابت الشريعة. لو وصلت القوى المدنية لمثل هذا الإجماع فقط، لن يقع الانقلاب. 

اقرأ/ي أيضًا

مجلس الوزراء و"قحت": لقاء برهان بنتياهو لا يمثل الحكومة السودانية

اتّفقا على التعاون وتطبيع العلاقات.. البرهان يلتقي نتنياهو بأوغندا