08-يونيو-2020

(تاق برس)

شهدت الفترة الماضية تململًا واسع النطاق على مستوى الحكومة الانتقالية والقوى السياسية المشكلة لها، حيث بدى واضحًا أن هناك تفككًا في العلاقات بين مستويات الحكم من ناحية، ومكونات الحكم من ناحية الأخرى.

أطلق قائد الدعم السريع هجوما واسع النطاق شمل زملائه من العسكريين والحكومة والحرية والتغيير

حيث تابع الناس هجوم نائب رئيس المجلس السيادي الفريق أول محمد حمدان دقلو "حميدتي"، الذي لم يستثن جهة، حيث أطلق هجومه على بعض قادة المجلس العسكري "لم يسمهم لكن التلميح يكفي لإدراك المستهدف" معرضًا ببعضهم ومتهمًا إياهم بالعمل المضاد للثورة، وأشار لواقعة إعلان القبض على شقيق الرئيس المخلوع عمر البشير "العباس" التي ثبت لاحقًا عدم صحتها ومطالبًا بمحاسبة المسئول عنها من المجلس العسكري الحاكم وقتها، ومطالبًا بسجنه، كما هاجم أداء الحكومة الانتقالية في عدد من الملفات الحساسة، وعلى رأسها الملف الاقتصادي الذي يمثل واحدة من أكبر تحديات الفترة الانتقالية، كما وجه سهامه لقوى الحرية والتغيير.

اقرأ/ي أيضًا: السلام في خلافات تجمع المهنيين: أولوية أم كرت ضغط؟

ومن كادقلي جاء ردُ مبطن من عضو المجلس السيادي الفريق شمس الدين كباشي -الذي فهم قطاع واسع من قبل المتابعين بأنه المستهدف من هجوم حميدتي باعتباره من أعلن القبض على العباس شقيق البشير-، حيث أشار إلى أن كل المسئولين عن أحداث مدينة كادقلي الدموية سيجدون حسابهم "مهما كان من يقفون ورائهم أو يساندنهم"، مشيرًا إلى أنه "صارت للمجرمين قبيلة ومؤسسة تحميهم"، ما فهم منه أنه يرد بشكل غير مباشر على الاتهامات والهجوم الذي تعرض له.

وفي سلسلة مخاطباته تلك التي وسمها التوتر شن كباشي هجومًا على قوى الحرية والتغيير، مشيرًا إلى تآمر من القوى المدنية لزرع الفتنة بهدف إضعاف القوات النظامية والشرطية، مشيرًا إلى استحالة قدرتها على الحكم بدون مساندة القوات النظامية ليوم واحد، وقال نحن شركاء في الحكم بموجب الوثيقة الدستورية، ولو أرادوا تغيير ذلك الواقع فليغيروا الوثيقة.

ما تشهده الساحة من اضطراب لم يقتصر على علاقات القوى العسكرية البينية وعلاقاتها مع القوى المدنية، بل شهد تواصلًا حيث شنت قوى سياسية معتبرة هجومًا على فعالية تحالفها، حيث جدد الإمام الصادق المهدي هجومه على قوى الحرية والتغيير وفعاليتها السياسية، وهو امتداد لموقف حزبه السياسي الذي جمد عضويته بالتحالف، على خلفية عدم حسم موقفه من وثيقة العقد الاجتماعي، وقال "لقد جمدنا عضويتنا في تحالف الحرية والتغيير، لا زهدًا في العمل الجماعي بل لتفعيله وتعضيده، وتحويل التحالف إلى جبهة قادرة على القيام بدور حاضن سياسي مساند للحكومة لا عبئًا عليها، لقد قلت في أكثر من مناسبة إن بعض زملائنا في الحرية والتغيير عينوا أنفسهم أوصياء على الحراك الثوري تصيدًا للمناصب"، وهو امتداد فصلته وثيقة العقد الاجتماعي حول ضعف الحكومة الانتقالية وتحالفها السياسي.

اقرأ/ي أيضًا: خفايا وأسرار "حميدتي" مكانها النيابة العامة

وجاءت إفادات رئيس حزب المؤتمر السوداني الأستاذ عمر الدقير نسجًا على ذات المنوال، حيث انتقد ضعف الحكومة مطالبًا بإبعاد عدد من الوزراء الذين لم يقدموا المنتظر منهم، كما وجه انتقادات للتحالف مطالبًا بإصلاحه، ومبينًا رؤيته حول أسباب الخلل على مستوى غياب الرؤية السياسية ومشاكل هيكلية تخص التحالف.

ما نشهده هو بداية لمرحلة فرز سياسي ستتعاظم وتتبلور "في" و"حول" أهداف وشعارات الثورة وموقف القوى المختلفة تجاهها وطرق تحقيقها

إذن خرجت الشكاوي للعلن وهي أشمل مما كانت في الفترة السابقة، وهي بداية لمرحلة فرز سياسي، ستتعاظم وتتبلور "في" و"حول" أهداف وشعارات الثورة وموقف القوى المختلفة تجاهها، ورؤاها حول كيفية تحقيقها، ومن المعلوم أن هناك تنازعًا بين رؤيتين؛ واحدة تدعو بشكل خجول لتسوية تاريخية تستوعب تيارات من الخارجين من منظومة الإسلام السياسي، بهدف تقليل مخاطر الفترة الانتقالية، ومد الجسور مع القوى العسكرية باعتبارها جزءً من منظومة الثورة وتجاوز الاستقطاب الحادث معها، بينما هناك رؤية أخرى؛ تطرح التغيير الجذري والقطع مع موروثات الماضي، وعدم فتح الباب لعناصر الإسلام السياسي، باعتبار أن الثورة قد حاكمت تلك التجربة وأصدرت حكمها عليها، والمطلوب هو المحاكمة السياسية والأخلاقية والجنائية لتلك الحقبة ورموزها، على الجرائم والفساد وكل ما اقترن بها من ممارسات ومؤسسات.

وغني عن القول أن الموقف من القوى العسكرية لم يكن محل اتفاق بين أصحاب الرؤيتين، منذ عهد المجلس العسكري وعقله المفكر ممثلًا في اللجنة الأمنية الخارجة من رحم العهد البائد، وما رسخته من انطباع عام بسعيها لتفريغ الثورة من أهدافها، وسعيها لحماية مكتسبات العهد البائد ممثلا في مؤسساته ورموزه، ومماطلتها في نقل السلطة، حتى تسرب عددًا كبيرًا من رموز السلطة المخلوعة خارج البلاد، وتم تهريب الأموال وتحويلها لحسابات جديدة، وكثير من القرارات التي تصب في حماية المؤسسات والمليشيات التنظيمية والمنظمات ذات الصبغة الحزبية.

ثم وقعت الجريمة الكبرى ممثلة في فض اعتصام القيادة في 3 حزيران/يونيو ٢٠١٩م، وطبيعة ودور القوى العسكرية ولجنتها الأمنية فيما حدث، لتضرب العلاقة ضربة شديدة العمق محدثة جدارًا من الكراهية والإدانة، يلقي بظلاله على تلك العلاقة التي نبتت في حقل من الاسترابة والظنون.

وها هي القوى العسكرية التي خلفها واقع ما بعد سقوط النظام، القوات المسلحة، وقوات الدعم السريع، والقوات الأمنية والشرطية، هي نفسها تكشف عن هوة بينها، عن خلافات تكتنف علاقتها ببعضها، مما يعزز من حالة عدم الاستقرار الشاملة، وينبه لتوسع مساحة الشقوق في هذه الفترة العصيبة.

اقرأ/ي أيضًا: تقرير جديد: الدعم السريع فض الاعتصام وتحجيم العسكر هو الطريق للاستقرار

وحلحلة هذه الشبكة من الخلافات والتباعد ينبغي أن ينبني على مواجهة العناصر التي صنعتها، ومعالجة الأخطاء والتجاوزات في مختلف الاتجاهات وما ترتب عنها، وأولها وعلى راسها الخروج على الوثيقة الدستورية المنظمة للعلاقة بين هذه الأطراف، والانتهاكات التي تعرضت لها، سوا في التقيد بالأزمان المحددة بها لتنفيذ الاستحقاقات الدستورية وبناء المؤسسات المنفذة لها في مختلف المجالات، وعلى رأس تلك الاستحقاقات؛

  • تنفيذ الالتزام بمراجعة أداء الوزراء بواسطة رئيس الوزراء وهو التزام قد تم تجاوز موعده المحدد بمائتي يوم من تشكيل الحكومة، ومغادرة الوزراء الذين لم يقوموا بالدور المطلوب منهم، وتعيين آخرين وفق معايير الخبرة بالعمل الحكومي وإدارة جهاز الدولة ووفق قواعد الشفافية والبعد عن المحاصصات واعطاء الأولوية لمطابقة الشروط.
  • سرعة تشكيل المفوضيات والمؤسسات وعلى راسها مفوضيات السلام والإصلاح القانوني والخدمة المدنية والعدالة الانتقالية وغيرها.
  • سرعة استكمال مؤسسات السلطة بتعيين الولاة والمجلس التشريعي، بالتشاور مع حركات الكفاح المسلح، مع المرونة السياسية المطلوبة في حال التوصل للسلام، وإن استدعى ذلك وثيقة ممهورة وموقعة من حكومة السودان.
  • عقد مؤتمر سياسي لمراجعة هياكل الحرية والتغيير وفتحه لمشاركة القوى الثورية واستيعاب رؤى حركات الكفاح المسلح "بما فيها تلك التي لم تتقدم مفاوضات السلام معها بعد"، يهدف لإعداد رؤية وبرنامج سياسي للتعامل مع قضايا الانتقال في مختلف المجالات.
  • التوافق على تدابير لحماية الفترة الانتقالية بمشاركة جميع الأطراف، ومناقشة دور التحالف في إجراءات التمهيد للعملية الديمقراطية.
  • التوافق على برنامج عمل سياسي وجماهيري للقضايا الآنية وللنصف الثاني من المرحلة الانتقالية.
  • تحليل ورؤية للتعامل مع القوات العسكرية والأمنية والشرطية، ومنهج إصلاحها وتطويرها، واستيعاب ما يترتب عن عملية السلام.
  • التوصل لموقف موحد من قضية العدالة والمحاسبة والتعامل مع أرث دولة العهد البائد وموروثاته، بما يحسم الوجهة العامة للتحالف ويقفل الباب أم أي تصورات حزبية تخالف ما يتم التوافق والإجماع عليه.

الخلافات التي تخيم على المشهد السياسي تحتاج للتعامل معها بجدية ومع المخاطر التي تمثلها

تقتضي تلك الخلافات الافقية والراسية التي تخيم على المشهد السياسي التعامل بجدية معها ومع المخاطر التي تمثلها، ولا بد أن يشمل النقد طريقة إدارة العملية السياسية منذ تشكيل الحكومة الانتقالية وطريقة اختيار عناصرها، وما اعتور طرائق عمل التخالف السياسي من إشكالات، فذلك هو السبيل لوضع قواعد يرتضيها الجميع ويلتزموا بها ويحاسبوا عليها متى ما خالفوها، ولا سبيل غير ذلك يجنب الانتقالية المخاطر التي تتربص بجميع مكوناتها.

اقرأ/ي أيضًا

شرط جديد للسودان بشأن سد النهضة.. والحكومة: هناك جهات تتهمنا بالانحياز

خبير قانون دولي: الحكومة تهدر الوقت بدلًا من إيجاد حل لمجزرة القيادة