04-يونيو-2020

من مظاهرات الذكرى الأولى (Getty)

حذر الخبير في القانون الدولي رفعت عثمان مكاوي، الحكومة الانتقالية من الاعتماد على كسب الوقت في قضية مجزرة القيادة العامة، متهمًا مجلس الوزراء بإهمال مشروعٍ عن العدالة الانتقالية تسلمه من حملة إنصاف في أيلول/سبتمبر الماضي وعثر عليه قابعًا في أحد الأدراج بشكل مهمل.

مكاوي: لجنة نبيل أديب استغرقت وقتًا طويلًا في الكشف عن نتائج التحقيق الذي لايحتاج إلى أكثر من ثلاثة أشهر فقط والأعذار التي تقدمها غير منطقية

وأوضح مكاوي في ندوةٍ عن العدالة الانتقالية عبر خدمة الفيديو مساء الأربعاء أن "حملة إنصاف التي تضم قانونيين وسياسيين ومستقلين وطلاب، أسسوا مشروع حملة إنصاف لتحقيق العدالة الانتقالية في السودان والذي ابتدأ تكوين ملامحه الأولى في نهاية كانون الأول/ديسمبر 2018 قبل سقوط نظام المخلوع".

اقرأ/ي أيضًا: في ذكرى المجزرة، عضو بالتحالف الحاكم: اتفقنا على إخلاء "كولومبيا" خلال 72 ساعة

وأشار مكاوي إلى أن المشروع عبارة عن خارطة طريق للعدالة الانتقالية في السودان، ويحتوي على ملفاتٍ كاملةٍ عن كيفية تشكيل المفوضيات وموقف المشروع من المحكمة الجنائية الدولية، بالإضافة إلى المصالحة الاجتماعية وذكر الحقائق والتعامل مع الجرائم الإنسانية التي لها صلة بالقانون الدولي.

وكشف مكاوي أن الحملة سلمت نسخة من المشروع إلى مجلس الوزراء في أيلول/سبتمبر الماضي، وعندما استفسرنا عن مصيره أبلغنا موظف من مكتب رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، أن الملف قابعٌ في أحد الأدراج، ثم اعتذر وحوّل الملف إلى وزير العدل الذي بدوره شكل لجنة لم تقدم رأيها حتى اليوم.

وشدد مكاوي على أن السودانيين جربوا العفو في ثورتين شعبيتين أطاحتا بنظامين عسكريين ولم تتوقف الانتهاكات، لأن العفو يؤدي إلى تكرارها. موجهًا  انتقادات عنيفة إلى لجنة تحقيق فض اعتصام القيادة برئاسة المحامي نبيل أديب، وقال إن "اللجنة تحاول الاعتماد على عامل الزمن، وأن فترة سنة كثيرة للتحقيق في واقعةٍ حدثت أمام الكاميرات وبوجود آلاف الشهود".

وأضاف: "اللجنة الدولية التي بعثت من الأمم المتحدة في العام 2004 إلى إقليم دارفور استغرقت ثلاثة أشهر فقط لتسليم نتائج التحقيق فكيف تستغرق لجنة أديب عامًا كاملًا أعتقد أن هذا الأمر خطيرٌ جدًا، لأن الحكومة ستخسر سياسيًا بسبب هذه القضية".

وتابع "الجناة دائمًا ما يلجأون إلى الإنكار والتهوين والبطء والتضليل، وهي تكتيكاتٌ معروفةٌ للجناة العسكريين في جميع البلدان. مثل التصريح بأن القوات كانت ترتدي زي الدعم السريع، أو التهوين بشأن أرقام الضحايا، مثل الإعتراف الذي أدلى به الرئيس المخلوع عمر البشير، أن عدد ضحايا إقليم دارفور (10) آلاف شخص، وليس (300) ألف شخص، أو التقليل من الانتهاكات الجنسية والإدلاء بتصريحاتٍ عن تعرض أعداد قليلة من الفتيات للإغتصاب".

وقال مكاوي: "إذا لم يشر التقرير النهائي للجنة التحقيق في فض اعتصام القيادة العامة في الثالث من حزيران/يونيو 2019 إلى اتهام قياداتٍ محددةٍ يعلمهم الشعب السوداني أنهم من نفذوا وخططوا لهذه المجزرة، فهذا يعني أن لجنة نبيل أديب تقول للشعب السوداني إن الاعتصام لم يفض، وأن هؤلاء الشباب هم من أنهوا الاعتصام وأن أحدًا لم يُقتل، ولم يلقى بأي جثةٍ في النهر".

وأردف: "ملف الاعتصام خطيرٌ جدًا، ولن ينتهي بتقادم الزمن. فهي مسألة مستمرة مثل قضية مجزرة بورتسودان في العام 2005 والتي ارتكبها النظام البائد. والمخرج من هذه القضية هي العدالة الانتقالية، ومنح الجناة فرصة لتحمل المسؤولية وليس الافلات من العدالة للمحافظة على سلمية الثورة والحفاظ على الاستقرار السياسي".

وحذر مكاوي الحكومة الانتقالية من أن ملف فض إعتصام القيادة العامة ليس أقل شأنًا من ملف شطب اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب وقضية السلام.

ورأى مكاوي أن هناك تداخلاً بين اللجنة الأمنية للمخلوع التي أعلنت انحيازها للثورة الشعبية، وبين فترة ما بعد 11 نيسان/أبريل 2019، وتظل الجرائم واحدة مع استبدال الجناة. 

مكاوي: عبارات مثل "سوف نعمل" غير مفيدة التي يرددها حمدوك، أعتقد أن الوقت يمر دون تحقيق شيء ملموس بخصوص العدالة الانتقالية

وقال مكاوي: "إذا فشلت الحكومة في ملف فض الاعتصام والإسراع بالكشف عن الحقائق فإنها تخون عهدها مع الشهداء الذين أوصلوها إلى السلطة". وقلل من تصريحات رئيس الوزراء عبد الله حمدوك الأربعاء عن نقل تجربة رواندا وقال: "عبارات مثل (سوف نعمل) غير مفيدة التي يرددها حمدوك، أعتقد أن الوقت يمر دون تحقيق شيء ملموس بخصوص العدالة الانتقالية".

اقرأ/ي أيضًا: تظاهرة في جوبا بعد مقتل خمسة مواطنين على يد ضابط بالجيش من أقارب الرئيس "كير"

وعبر مكاوي عن أسفه لإغلاق الأبواب أمام المحتجين من الفتيات والشبان الذين حاولوا الاحتماء بأبواب القيادة العامة، معربًا عن قلقه من أن تتجاهل لجنة نبيل أديب هذه القضية التي نطلق عليها "الجريمة السلبية" وهو الامتناع عن الفعل الذي بسببه وقعت جرائم الإغتصاب والقتل الذي تعرض له الشباب والفتيات حينما لم يجدوا الحماية وهم ملاحقون من القوات الأمنية.

مكاوي: قضايا شهداء الحراك الشعبي غير جاهزة، على غرار قضية الشهيد أحمد الخير الذي وفر قوش معلوماتها وتحرياتها لتقديم الجناة كبش فداءٍ من أجل استمرار النظام 

وأوضح مكاوي أن تكوين لجنة نبيل أديب "لجنة ذكورية" ربما لن تبت في جرائم الإغتصاب، وعدم الاهتمام بالانتهاكات الجنسية التي طالت الفتيات في مجزرة القيادة العامة، إلى جانب الوصمة الاجتماعية التي تجعل الضحيات يلذن بالصمت.

وانتقد مكاوي طمس وإزالة جداريات مقر الاعتصام واستدرك: "هل خافوا من هذه الرسومات الجميلة؟ لماذا تمت إزالتها فورًا؟ هل شكلت خطورة عليهم هذه اللوحات الجميلة؟ ينبغي أن يعرف السودانيون من الذي قام بطمس وتخريب الجداريات".

ورسم مكاوي صورة قاتمة عن القضايا المتعلقة بالعدالة وإنصاف شهداء الحراك الشعبي، موضحًا أن القضية الوحيدة التي توفرت لها البينات القوية هي قضية "الشهيد أحمد الخير" الذي قتل في شباط/فبراير 2019 قبل سقوط النظام. حيث أراد مدير جهاز الأمن صلاح قوش تحت ضغوط الرأي العام، تقديم الفاعلين ككبش فداء معتقدًا أن النظام لن يسقط.

وأضاف: "القضية كانت جاهزة، ولذلك لم يجد القاضي صعوبة في إصدار الإدانة والحكم ضد عناصر جهاز الأمن، لكن من الصعب الحصول على نفس المعلومات في القضايا الأخرى بملف الشهداء قبل وبعد سقوط النظام". معربًا عن أسفه لعدم وجود قضية جاهزة حتى الآن. 

اقرأ/ي أيضًا: الأمم المتحدة تجدد مطالبتها بتحقيق موثق ومستقل بخصوص مجزرة فض الاعتصام

وتابع: "أنا أعمل في قضايا كثيرة متعلقة بقتل المتظاهريين بعد وقبل 11 نيسان/أبريل 2019 هناك صعوبة في التحريات والإثبات، وأخشى عدم تحضير القضايا وأن تشطب في المحكمة لأن شروط المحاكم عقيمة".

مكاوي: نحن نطرح العدالة الانتقالية لصعوبة هذه الملفات

ورأى مكاوي أن المخرج لهذه القضايا هي العدالة الانتقالية مثل معرفة القتلة وإجراء تعويضاتٍ رمزيةٍ مثل إطلاق أسماء الشهداء على المدارس وتابع: "نحن نطرح العدالة الانتقالية لصعوبة هذه الملفات".

اقرأ/ي أيضًا

حمدوك يتعهد بكشف ومحاسبة المتورطين في مجزرة فض الاعتصام

"فاو" تحذر من تأثير الإغلاق الكلي على الفقراء وتدعو لإنشاء شبكة إنمائية