07-مارس-2020

ثوار يغلقون الطرق بالمتاريس صبيحة يوم فض الاعتصام (Getty)

أصدرت منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان الخميس المنصرم تقريرها النهائي عن التحقيق الذي أجرته المنظمة بخصوص أحداث يوم 3 حزيران\يونيو 2019 والأيام التالية والأحداث المرافقة التي صارت تعرف لاحقًا باسم مجزرة فض اعتصام القيادة العامة.

ركًز التقرير على شهادات أطباء وعاملين في المجال الصحي ممن تعرضوا لانتهاكات في الأحداث أو شهدوها بأنفسهم

ومنظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان هي منظمة أمريكية تستخدم الطب والعلوم الحديثة وتستند إلى مهارات وموثوقية العاملين في مجال الصحة للدفاع عن العاملين في المجال والعمل ضد التعذيب وتوثيق الفظاعات الجماعية وملاحقة المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.

اقرأ/ي أيضًا: حروب الصيف العبثية..جونقلي الكبرى

اشتمل فريق أطباء من أجل حقوق الإنسان متعدد التخصصات على خبراء قانونيين وأطباء وأخصائيين في الطب العدلي وكوادر تحقيق. وتعاون الفريق مع منظمات محلية ومنظمات مجتمعية كما أنه ركًز على الحصول على شهادات أطباء وعاملين في المجال الصحي ممن تعرضوا لانتهاكات في الأحداث أو شهدوها بأنفسهم، وذلك لمعرفتهم بنوع وطبيعة الإصابات التي تعرض لها المعتصمون بحكم عملهم، بالإضافة لإصابتهم هم أنفسهم.

استند التقرير إلى مصدرين أساسيين للمعلومات هما؛ مقبلات مكثفة لثلاثين من الشهود الناجين من الأحداث قام بجمعها فريق ميداني سوداني تحفظت المنظمة على أسماء أعضائه خوفًا على سلامتهم، بالإضافة لمحتوى المصادر المفتوحة على الإنترنت والتي قام بجمعها وتحليلها الباحث مايكل السندي من مختبر التحقيق في مركز حقوق الإنسان في كلية بيركلي للحقوق بمعاونة آخرين.

أعدت التقرير المعنون باسم "الفوضى والنار؛ تحليل لمذبحة الخرطوم" والمكون من سبعة وستين صفحة؛ المستشارة أدريان فريكه، بينما قدمت الخبيرة الطبية بالمنظمة روهيني هار التحليل للمعلومات الواردة والشهادات التي جمعها المتعاونون الميدانيون، كما استفاد التقرير من مساهمات عدد من الباحثين والخبراء.

وخلص التقرير إلى أن مذبحة فض اعتصام القيادة العامة كان مخططًا لها مسبقًا، وذلك على عكس ما حاول المجلس العسكري حينها الترويج له، وأن قوات الأمن السودانية وعلى رأسها قوات الدعم السريع والتي ورد ذكر اسمها مرارًا وتكرارًا في شهادات الناجين وتحليلات المنظمة، هي الجهات المسؤولة عن فض الاعتصام والعنف المصاحب له وجرائم القتل والانتهاكات الجنسية والجندرية والدينية التي حدثت أثناء الأحداث، والتي عدد التقرير جزءًا منها بشيء من التفصيل.

اقرأ/ي أيضًا: طلاب ووهان..من وراء تحول قضيتهم لأزمة ثم فضيحة؟

تابع التقرير الأحداث منذ بداياتها، وركز على الاعتداءات الممنهجة على المستشفيات والمراكز الصحية داخل وخارج حدود منطقة الاعتصام، كما أشار للاستهداف الواضح للأطباء ومقدمي الخدمات الصحية وانتهاك حقوقهم وأماكن وطريقة عملهم وطبيعتها، كما ذكر حالات لأطباء تم إجبارهم على العمل في ساحة الاعتصام تحت إشراف ضباط وأطباء من قوات الدعم السريع.

سرد التقرير شهادات للانتهاكات التي حدثت، وعدد أنواع الإصابات والأسلحة المستخدمة بناءً على شهادات الأطباء وخبراء الطب العدلي. ثم عدد نماذج من أشكال الصدمات النفسية التي تعرض لها الضحايا، كما أنه أشار لحدوث اغتصابات وانتهاكات جنسية للمعتصمين من الجنسين ذكرها بعض الشهود في معرض شهادتهم عن الأحداث، رغم أن المنظمة لم تنجح في الحصول على شهادة أي من ضحايا الاغتصاب.

أشار التقرير أيضًا لقضية المفقودين والمخفيين قسريًا، ونبه إلى أنه لا يمكن تحديد العدد الكلي للقتلى دون معرفة ما حدث لهؤلاء الذين انقطعت أخبارهم إبان الأحداث، كما نوه إلى أنهم لا يثقون بالأعداد الواردة بخصوص الذين فقدوا أرواحهم وأنهم يميلون لأن الأعداد أكبر مما ذكر حتى الآن.

وقد أفاد التقرير أن التحقيق الخاص بالمنظمة لا يمكن أن يأتي بأدلة جنائية يمكن عرضها على المحاكم، ولكنه يسمح بتحديد أنماط واضحة وأحداث رئيسية يمكن الاستناد إليها في تحقيقات لاحقة. كما أنه طالب المنظمات العالمية والمجتمع الدولي بمزيد من الاهتمام بجريمة فض الاعتصام، وأفاد بأنها يمكن أن تعد جريمة ضد الإنسانية وتقع تحت طائلة القانون الدولي واللوائح التي يصادق عليها السودان. وخرج التقرير بعدة توصيات لعدة جهات؛ حيث طالب حكومة السودان بالوقف الفوري لجميع الانتهاكات لحقوق الإنسان، ودعا الناجين وأسرهم والشهود لطلب العدالة، وطالب المجلس السيادي بدعم لجنة التحقيق الوطنية، والسماح لها بقبول المساعدة من الهيئات والمنظمات الدولية، ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات، وتلبية احتياجات الضحايا وأسرهم، بالإضافة لحظر جميع أشكال العنف ضد المتظاهرين السلميين.

اقرأ/ي أيضًا: خلفيات هروب "علي كوشيب" المُلاحق من المحكمة الجنائية الدولية

كما أوصى التقرير حكومة الولايات المتحدة الأمريكية بأن تعيد طرح وإقرار "قانون حماية الرعاية الصحية أثناء النزاعات" بالإضافة لفرض عقوبات على كبار المسؤولين السودانيين الضالعين في الانتهاكات، وفرض شروط صارمة تطالب حكومة السودان بخطوات واضحة لمزيد من الشفافية والمحاسبة وحماية حقوق الإنسان في أي اتفاقية استثمار أو تجارة مستقبلية، وطالب بربط رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب بنجاح آليات العدالة والمساءلة في السودان.

أوصى تقرير منظمة أطباء لحقوق الإنسان للأمم المتحدة بمراقبة انسحاب القوات المختلطة من دارفور، وضمان عدم أيلولة أصولها لقوات الدعم السريع

وفي توصياته للأمم المتحدة أوصى التقرير بمراقبة انسحاب القوات المختلطة من دارفور، وضمان عدم أيلولة أصولها لقوات الدعم السريع. كما أوصى الاتحاد الأفريقي بمطالبة مقرري اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان بزيارة السودان لتكميل ودعم القدرات الفنية للآليات الوطنية للمساءلة والعدالة. بالإضافة لتشجيع الدول الأعضاء على المصادقة على الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري.

بشكل مجمل؛ التقرير مفصل واحترافي، والمعلومات والتحليلات الواردة فيه من الأهمية بمكان، خصوصًا مع المصداقية العالية للمنظمة الحائزة على جائزة نوبل للسلام، واتباعها لأساليب احترافية في جمع الشهادات وتحليل البيانات.

وقد كانت منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان على متابعة لصيقة بالأحداث في السودان، وقد أصدرت عدة بيانات تدين فيها ملاحقة واستهداف العاملين في المجال الصحي وانتهاكات حقوق الإنسان قبل وأثناء الثورة السودانية. وقد عبرت المنظمة في أكثر من سانحة عن قلقها العميق على أوضاع الأطباء والعاملين في مجال الخدمات الصحية واستهدافهم بشكل ممنهج من قبل السلطات، وعن تضامنها مع القوى المتطلعة للحرية والديمقراطية في السودان.

 

اقرأ/ي أيضًا:

العدالة الانتقالية.. نقاش حول قابلية التطبيق في السودان

قضية تفجير السفارتين والتركة الثقيلة لرعونة النظام البائد