في الثالث من شباط/فبراير الماضي، أصدر رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان توجيهًا لأجهزة الحكومة للإسراع في إجلاء الطلاب السودانيين في مدينة ووهان الصينية، بؤرة فيروس كورونا الجديد. وأكملت وزارة الصحة تجهيز مبنىً للحجر الصحي مخصص للطلاب وسط الخرطوم، ولقيت الاستعدادات احتفاءً وإشادة من المواطنين والعاملين بالقطاع الصحي، باعتبارها دلالة على تغيير الثورة لطبيعة جهاز الدولة وعلاقتها بالمواطنين.
والسبب وراء قرار الوزير المفاجئ هو تعهد دولة الإمارات بنقل الطلاب، وهو ما أكده عمر الدقير رئيس حزب المؤتمر السوداني
وكان من المتوقع أن يصل الطلاب خلال النصف الأول من شباط/فبراير. لكن الطلاب لم يعودوا للسودان، بل لم يغادروا الصين إلا مساء أمس الثلاثاء عبر طائرة إماراتية أخذتهم إلى محجر صحي في أبوظبي.
اقرأ/ي أيضًا: شركة إماراتيّة "تخدع" سودانيين لتجنيدهم في ليبيا واليمن
في اليوم التالي لتصريح البرهان أعلن وزير الصحة الاتحادي، أكرم علي التوم، عن إرسال طائرة لإجلاء 200 طالب وطالبة سودانيين من مدينة ووهان الصينية. واتضح لاحقًا أن الأمر سيستغرق بعض الوقت، لإكمال ترتيبات نقل الطلاب، مع غياب الناقل الوطني السوداني "سودان إير". وهي الإجراءات التي كُونت لتذليلها غرفة علميات إجلاء طلاب ووهان، وضمت ممثلين لكل من شركة سودان إير، ووزارة الصحة، وتجمع المهنيين.
أعلن المهندس وليد بابكر الريح، وهو عضو الغرفة أن شركة سودان إير قد أبرمت في 20 شباط/فبراير عقدًا بقيمة 400 ألف دولار مع شركة نقل مصرية خاصة لاستئجار طائرة بطاقمها لإجلاء السودانيين من ووهان الصينية، على أن تتحرك الطائرة من مطار برج العرب بالاسكندرية يوم الاحد الموافق23 شباط/فبراير إلى ووهان، لتعود من هناك بالسودانيين للخرطوم بعد يوم أو يومين.
وأضاف وليد، الذي نشر شهادته على مواقع التواصل الإجتماعي وتناقلتها عدة مواقع إخبارية، أنهم في غرفة عمليات إجلاء الطلاب من ووهان، قد فوجئوا بقرار من السفير عمر بشير مانيس وزير شؤون مجلس الوزراء، يأمر بموجبه وزارة الخارجية أن لا تسلم عبر السفارة السودانية بالقاهرة أي مبالغ للشركة المصرية التي كانت ستتكفل بنقل الطلاب. والسبب وراء قرار الوزير المفاجئ هو تعهد دولة الإمارات بنقل الطلاب، وهو ما أكده عمر الدقير رئيس حزب المؤتمر السوداني، عضو تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير "قحت" الحاكم.
اقرأ/ي أيضًا: قضية تفجير السفارتين والتركة الثقيلة لرعونة النظام البائد
منذ الثاني والعشرين من شباط/فبراير موعد إلغاء مانيس لإجراءات الإجلاء الوطنية، وظهور أنباء المبادرة الإماراتية، تأجل موعد إخلاء الطلاب عدة مرات، وتصاعدت احتجاجاتهم واحتجاجات أسرهم، كما تعرضت الحكومة لانتقادات بسبب وضع الطلاب تحت رحمة دولة أخرى. بل ذهب البعض إلى أن كل القصة مؤامرة من عسكر الحكومة الانتقالية الموالين للإمارات، من بين هؤلاء كان التجمع المهني للطيران، الذي أعلن أن شركة سودان إير تمتلك طائرة قادرة على نقل الطلاب من الصين للخرطوم.
وبالفعل تداولت وسائل علام إماراتية أمس الثلاثاء خبر بدء عملية ترحيل الطلاب السودانيين، وتم وصف الأمر الأمر بـ"المبادرة الإنسانية الكريمة من ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد" وأن ذلك يأتي "ضمن جهود الإمارات لدعم السودان في الفترة الانتقالية الصعبة" بعد أن تعذر على الحكومة السودانية نقل الطلاب.
فيما لم ترد عن الوزير عمر مانيس أو مجلس الوزراء أي تصريحات عن عجز الحكومة عن توفير مبلغ الـ 400 ألف دولار لنقل الطلاب. وقد عبر كثير من الناشطين السودانيين عن خيبة أملهم جراء هذا الموقف الحكومي الذي اعتبروه "هزيمة" و"فشل" و"خذلان" للشعب السوداني عامة، وللشباب الذي صنعوا الثورة التي جاءت بالحكومة، واستكثرت عليهم حكومة الثورة 400 ألف دولار على حد تعبيرهم.
ولم تعرف للوزير مانيس أي مواقف معارضة لسياسات نظام البشير، التي ظل يدافع عنها من موقعه بوزارة الخارجية في مختلف المراحل
والوزير عمر مانيس، الذي أوقف تحويل مصاريف إجلاء الطلاب، شخصية يكتنفها الكثير من الغموض، وأثار ترشيحه للحكومة الانتقالية جدلًا نسبة لأنه ظل يعمل في خارجية نظام البشير منذ انقلاب 1989 حتى العام 2013، كما عمل مندوبًا مناوبًا لنظام البشير في الأمم المتحدة في الفترة ما بين 2001 و 2007، وهي الفترة التي كان فيها النظام يواجه تهم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي في إقليم دارفور. ولم تعرف عنه أي مواقف معارضة لسياسات نظام البشير، التي ظل يدافع عنها من موقعه بوزارة الخارجية في مختلف المراحل.
اقرأ/ي أيضًا:
قضية المدمرة كول وانتصار جديد لحكومة حمدوك
الحزب الشيوعي السوداني في متاهته