ما بين تضاريس أرض السودان، تختبئ العديد من ثروات المعادن النفيسة والنادرة، بما فيها الماس والذهب والفضة، بحيث أعلنت هيئة الأبحاث الجيولوجية عن وجود الماس في إقليم دارفور في العام 2016، وهو ما يزال في طور الاكتشاف، لينضم إلى قائمة الثروات السودانية.
تعتبر الثروة المعدنية أحد أهم أسباب البروز في مجال الصناعة والتنمية، بحيث تلعب دورًا كبيرًا في تعزيز الصناعات الأساسية التي تقود إلى نمو اقتصاد الدولة
وتتنوع طبوغرافيا السودان والتي تحوي على الجبال البركانية والتلال والأراضي الصحراوية والوديان، وخلق هذا التنوع المميز وجود أنواع مختلفة من المعادن، والتي لا تزال كميات وفيرة منها موجودة في باطن الأرض، والمتمثلة في خامات الحديد والنحاس والفضة والمايكا والتلك والمنجنيز والكروم الممزوج بالبلاتين، بجانب الذهب والرخام.
وتعتبر الثروة المعدنية أحد أهم أسباب البروز في مجال الصناعة والتنمية، بحيث تلعب دورًا كبيرًا في تعزيز الصناعات الأساسية التي تقود إلى نمو اقتصاد الدولة، وتحفز الاستثمارات الأجنبية التي تفتح آفاقًا لفرص العمل، بجانب أنها تقود إلى تدفق رؤوس الأموال على الدولة، وتزيد من تدفق النقد الأجنبي.
وتشير تقارير إلى توفر كميات هائلة من المعادن بولايات دارفور، بما فيها الذهب والفضة، بجانب وجود الماس والنحاس والزنك والرصاص، ويوجد الماس في السودان في ولايات في شرق وغرب ووسط البلاد، وحالت الحروب الأهلية التي استمرت في الإقليم لسنوات طويلة دون التنقيب عنها، وضخها في الاقتصاد السوداني الذي ظل يعاني من المرض والهزال الشديد على مر الأنظمة التي جلست على رأس الحكم في البلاد.
وعرفت بلاد النوبة التي كانت تمتد بين شمال السودان وجنوب مصر قديمًا بأرض الذهب، ويعتبر السودان حتى الآن أحد أكبر الدول المنتجة للمعدن الأصفر في إفريقيا، وبحسب إحصائيات يصل متوسط الإنتاج السنوي من الذهب في البلاد إلى (53) طنًا.
وجدير بالذكر أن السودان يتميز بوجود معدن اليورانيوم عالي النقاء في أراضيه، ويعتبر الثالث عالميًا بمخزون يقدر بـ (1.5) مليون طن، وتكمن أهمية اليورانيوم في كونه أحد أهم مصادر الطاقة، خاصة في ظل انخفاض معدلات مخزون البترول في العالم، لاعتباره من مصادر الطاقة غير المتجددة، الأمر الذي يجعل أنظار العالم مفتوحة نحو بديل جديد للنفط.
بعد انفصال السودان في العام 2011، اتجهت البلاد لتكثيف جهودها للتنقيب عن الذهب والذي يعتبر من أهم المعادن النفيسة، وذلك بعد أن كان يقوم اقتصاد البلاد على النفط الذي يقع ما يقارب الـ 75% منه في دولة جنوب السودان الوليدة، ويتركز في بلدتي "بالوش" و"جومري"، بينما يتركز المخزون الأكبر من النفط في السودان في مدينة هجليج الواقعة في ولاية جنوب كردفان.
السودان أرض الذهب
يعتبر الذهب أحد أهم الموارد التي تنعش الاقتصاد في السودان، ويصنف المعدن الأصفر النفيس من الثروات التي تزخر بها البلاد، ويتوافر الذهب في المناطق الصحراوية شمالي البلاد، ويمتد شمالًا من وادي حلفا وحتى مدينة عطبرة بولاية نهر النيل، بجانب تواجده في الساحل الشرقي على البحر الأحمر وسلسلة جبال البحر الأحمر ويمتد غربي البلاد في ولايتي شمال كردفان وجنوب دارفور وصولًا إلى كل من جبل عوينات والطينة، فيما رصد وجود الذهب في ولاية النيل الأزرق جنوبي البلاد. ويقدر متوسط إنتاج السودان من الذهب بـ (53) طنًا للعام الواحد، وبحسب تصريحات سابقة لوزارة التعدين يبلغ احتياطي السودان من الذهب (1550) طنًا.
بعد انفصال جنوب السودان وإعلانها دولة مستقلة، استطاع الاقتصاد السوداني أن يسير مرة مجددًا ولو على قدم واحدة بفضل الذهب، وشهدت الفترة الأولى من الانفصال أزمة اقتصادية طاحنة، ويعود ذلك لأن الاقتصاد كان يعتمد على الإيرادات التي يضخها النفط المتواجد في جنوب السودان.
وبحسب تقارير صادرة عن مجلس الذهب العالمي، عقب انفصال الجنوب كان الإنتاج السنوي للسودان من معدن الذهب يبلغ حوالي (32) طنًا، وتصاعد الإنتاج حتى بلغ ذروته في العام 2017، حيث وصل إلى (88) طنًا في العام، وهبط بشكل مفاجئ في العامين 2018 و2019 ليصل إلى (76.6) و(78) طنًا على التوالي، وارتفع مجددًا في العام 2020 ليصل إلى (83) طنًا.
وتشير دراسة إلى أن إنتاج الذهب في السودان زاد بنسية 141% بين عامي 2012 و 2017، وأصبح السودان بحلول عام 2018 الدولة الـ (12) من حيث إنتاج الذهب عالميًا، وبالرغم من ذلك قامت النزاهة المالية العالمية بإجراء تحليل لفجوة حجم التجارة، مما أدى إلى اكتشاف اختلافات كبيرة في الكمية والقيمة المصدرة من الذهب بين السودان وشركائه التجاريين.
وتفيد الدراسة أنه ما بين عامي 2012 و 2018، أبلغ بنك السودان المركزي عن تصدير (205,446) كيلوغرام من الذهب، بينما أبلغ شركاء السودان التجاريين عن واردات من الذهب بلغت (404,732 ) كيلوغرام، مما أدى إلى وجود فجوة تبلغ )199,286( كيلوغرام من الذهب، ما يعادل 97 % من صادرات الذهب المعلنة من قبل السودان من حيث الحجم.
معادن السودان الخضراء
يعتبر اليورانيوم أحد أهم المعادن الخضراء التي يحظى بها السودان، وذلك بجانب الكوبالت والليثيوم والألمنيوم، والتي تصنف على أنها محط أنظار العالم وتوجهه القادم، وبالفعل بدأت العديد من الدول في التحرك نحو مشروع الطاقة البديلة وتقليل المنتجات ذات الانبعاثات الكربونية.
وكانت وزارة التعدين في السودان كشفت في وقت سابق من خلال تصريحات صحفية، عن أبحاث تؤكد وجود المعادن الخضراء في البلاد بوفرة، بما فيها اليورانيوم الذي يبغ مخزونه في السودان (1.5) مليون طن، ما يجعله الثالث عالميًا من حيث المخزون.
واليورانيوم أحد أهم المعادن الخضراء، بحيث يدخل بشكل كبير في الصناعات العسكرية، بجانب دخول اليورانيوم بشكل أساسي في عمل محطات الكهرباء النووية، والتي وصل إنتاجها في إلى (14)% من إجمالي الطاقة الكهربائية المنتجة عالميًا.
وهنالك مخاوف عالمية بشأن انخفاض مستويات إمدادات اليورانيوم في المخزون العالمي، وتشير إحصائيات إلى أنه في العام 2016 بلغ إنتاج اليورانيوم (63,207) طنًا، ويلبي هذا الرقم 96% من احتياجات العالم من معدن اليورانيوم. وانخفض الإنتاج بشكل تدريجي، ليصل إلى (47,731) طنًا في عام 2020، وهو ما يمثل فقط (74)% من الطلب الإجمالي، بينما وصل الإنتاج إلى (47,808) طنًا في عام 2021، وهو ما يغطي حوالي (75)% من احتياج السوق العالمية، ما أسفر عن تعطش دول العالم لزيادة مخزونها من اليورانيوم.
تحديات قطاع التعدين
منذ أن نال السودان استقلاله من إنجلترا في العام 1956، ظل يعاني بشكل متواصل من الحروبات الأهلية التي حالت دون الاستفادة القصوى من الموارد المعدنية المتواجدة في البلاد، وتعتبر دارفور والتي شهدت صراعات دامية منذ العام 2003، من أغنى مناطق السودان بالمعادن بما فيها معدن الماس، والذي ما زال في طور الاكتشاف في ثلاث ولايات أخرى.
ويصدر السودان المعادن التي يمتلكها في شكل خام، الأمر الذي يمنع البلاد من الاستفادة من القيمة الحقيقة لهذه المعادن، والتي تتضاعف بعد تصنيعها.
وفي السياق يمثل التعدين العشوائي المنتشر بكثافة بين الأهالي في السودان، وخاصة تعدين الذهب من أكبر التحديات التي يواجهها القطاع ، لتأثيرها المباشر على البيئة، ويؤدي هذا النوع من التعدين إلى فقدان جزء من الخامات التي يحتوي عليها المعدن، وذلك لأنه لا يستند للطرق العلمية في استخراجه.
تشير تقارير إلى أن نسبة تهريب الذهب تصل إلى 80%، الأمر الذي يحول دون استفادة البنك المركزي من العملات الصعبة التي يدرها المعدن الأصفر على الاقتصاد
وتكثر منافذ تهريب المعادن في السودان، خاصة الذهب، وتشير تقارير إلى أن نسبة تهريب الذهب تصل إلى 80%، الأمر الذي يحول دون استفادة البنك المركزي من العملات الصعبة التي يدرها المعدن الأصفر على الاقتصاد.
وبالرغم من ثروات السودان المعدنية الهائلة التي تزخر بها أرض السودان، وتضاريسه التي تحمل مختلف أنواع المعادن يما فيها المعادن النفيسة، إلى أن البلاد لم تستفد بشكل فعلي منها حتى الآن، ويواجه قطاع التعدين عددًا من التحديات التي تحتاج بشكل أساسي إلى استقرار الأوضاع الأمنية حتى يستطيع القطاع أن يتخطاها.
وجدير بالذكر أن السودان يعتبر أحد أهم الدول التي تنتج معدن الذهب، بجانب الفضة والبلاتين، فيما يتميز بوجود المعادن الخضراء الأساسية بشكل وفير، مما يجعل البلاد تحتوي على أهم نقاط القوى المستقبلية التي تسعى إليها دول العالم الأول، وهي الطاقة الخضراء، وذلك بعد أن أصبحت مستويات البترول تنخفض عالميًا.