23-يونيو-2022
يواجه الميناء الإماراتي على البحر الأحمر رفضًا شعبيًا كبيرًا (Alamy)

يواجه الميناء الإماراتي على البحر الأحمر رفضًا شعبيًا كبيرًا (Alamy)

رفض عمال الموانئ في بورتسودان، الميناء الإماراتي الجديد المزمع إنشاؤه على ساحل البحر الأحمر، بشراكة بين شركة موانئ أبوظبي، ومجموعة دال التي يملكها المليونير السوداني أسامة داؤود، في إطار حزمة استثمارات إماراتية بقيمة ستة مليارات دولار.

ويتخوف العاملون في موانئ بورتسودان من الخصخصة، ومن أن يكون مصير أكثر من (16) ألف عامل بالموانئ الوطنية، هو التشريد والبطالة.

ونفت شركة أبوظبي للموانئ إبرام اتفاقية مشروع مشترك بينها والسودان، بيد أنها أكدت وجود مشاورات أولية ومناقشات لم تصل بعد لطور الاتفاق.

قالت شركة موانئ أبوظبي على خلفية تصريحات داؤود لرويترز، إنها بصدد مناقشات مبدئية مع الجهات المعنية في السودان

وكانت وكالة رويترز للأنباء قد نقلت على لسان رجل الاعمال السوداني أسامة داؤود الخليفة، أن الإمارات العربية بصدد بناء ميناء جديد في شرق السودان، يبعد (200) كيلومتر شمالي ميناء بورتسودان الحالي، وذلك ضمن سلسلة مشروعات ستنفذها الإمارات العربية تضخ بموجبها ستة مليارات دولار للسودان، بحسب تصريحات داؤود.

من جانبها قالت الشركة في توضيح بعث به لقسم الإفصاح والامتثال بإدارة العمليات والرقابة في سوق أبوظبي للأوراق المالية، إنّ ما يثار بشأن إبرام اتّفاقيات للدخول في مشروع مشترك لبناء ميناء في السودان، غير صحيح. وأوضحت الشركة في بيان لسوق أبوظبي للأوراق المالية الثلاثاء، أنها بصدد مناقشات مبدئية مع الجهات المعنية في السودان، وذلك في ظل سعيها المستمر لدراسة وتقييم مشاريع جديدة، على حد قولها.

صراع الهيمنة على الموانئ

ووصف رئيس النقابة البديلة لهيئة الموانئ البحرية، عثمان الطاهر آدم، الصراع الحالي لموانئ أبوظبي على ساحل البحر الأحمر بأنه صراع طويل، مؤكدًا أنه صراع هيمنة.

وقال آدم في تصريحات لـ"الترا سودان": "إن الإمارات تملك جميع سواحل البحر الأحمر ما عدا ميناء السودان، وقد حاولت الاستيلاء عليه مسبقًا مع الشركة الفلبينية، وسابقًا مع نظام البشير".

وتكمن إشكالية الاستثمار الإماراتي بحسب آدم، في الهيمنة التي تريدها أبوظبي القابضة على ساحل البحر الأحمر "بجانب الإشكالات الأمنية التي تصاحب الاستثمار، سواء ما حدث في جيبوتي واليمن وحتى الصومال من حروب ونزاعات أسبابها الحقيقة هي الضلوع في الاستثمار في ظل غياب الدولة، وهو سعي تملكي للموانئ لا استثماري"، بحسب تعبيره.

وتوقع عثمان آدم أن يسبب الميناء الجديد دمارًا كاملًا في الميناء الحالي، وأنه سيغدو منافسًا "قاتلًا" للميناء القديم يخرجه عن العمل بعد تدميره تمامًا، حتى يتمكن من السيطرة عليه واستثماره فيما بعد.

وزاد بالقول: "أخيرًا دخل الاستثمار الوطني مع مجموعة دال التي يمتلكها أسامة داوؤد، والتي لها ارتباطات واضحة وغير خفية مع الإمارات، وقد دعمت دال مسبقًا اعتصام القيادة العامة للجيش لإسقاط البشير، طمعًا في الاستيلاء على ميناء بورتسودان"، على حد قوله.

https://bitly.com/

وأشار رئيس النقابة البديلة إلى أن الحراك الذي شهدته البلاد سابقًا لم يسمح بتمرير استثمار معتز موسى، وتابع: "سبق وقاومنا قرارات التخصيص، ومنها إيجار الشركة الفلبينية للميناء لمدة (25) عامًا، وسنحسم كذلك هذه المسألة ونفشل الطامعين في موانئ السودان". 

القرارات الفوقية

وقال رئيس نقابة العاملين بالموانئ الشرقية، عبود الشربيني، إنهم لن يسمحوا بتمرير قرار إنشاء الميناء الاستثماري الجديد، وأضاف في تصريح لـ"الترا سودان": "لا وجود للخصخصة ونحن أحياء، والقرارات الفوقية معهودة منذ الحكومة السابقة والتي سبقتها، والموانئ ستظل سودانية - سودانية أو "بجاوية - بجاوية" إذا ظل السودان غير مقتنع بها".

وأوضح الشربيني أن القرارات التي تأتيهم من المركز دائمًا فوقية، وتابع: "لكن طالما نحن أحياء هذه القرارات لن تتنفذ على الواقع، وهذا الساحل إما أن يكون سودانيًا بحتًا بمعاونة الحكومة السودانية، أو بجاويًا بحتًا إذا امتنعت الأخيرة عن التعاون معنا".

وانتقد الشربيني دور الإمارات، وتساءل عن الأدوار التي تود لعبها لتحديد مصير دولة مثل السودان، منتقدًا أن يقرر في هذا الأمر وزير في حكومة انقلابية، وأضاف بأنه لا يحق له تنفيذ أجندة خارجية، حتى ولو على بُعد ألف كيلومتر من بورتسودان طالما الأمر يتبع لهيئة الموانئ البحرية.

مصير  16 ألف عامل؟ 

تخوف الشربيني من أن يتم تشريد (16) ألف عامل و(94) ألف بطاقة علاجية من أجل تلبية طموح البرهان وجبريل. مضيفًا أن قرارات المركز لن يتم تمريرها عندهم، مشيرًا إلى تجارب سابقة فشلت في تنفيذ قراراتها.

يقول الشربيني بأنهم قاوموا من قبل محاولات الخصخصة لصالح شركة وهمية فلبينية، مؤكدًا أنهم ليس لديهم مشاكل مع الاستثمار السوداني، مضيفًأ أن السودان يسع الجميع، وأن على الحكومة تخصيص ميزانية وبصورة جادة حتى يتمكن الميناء من قيادة نفسه.

وهاجم  رئيس نقابة العاملين بالموانئ الشرقية، وزارة المالية، ووصفها بأنها "العدو الأول للميناء"، متهمًا إياها بأنها "من دمرته"، ويرى الشربيني بأن تكلفة صيانة الميناء أقل من تكلفة إنشاء ميناء جديد، وأنه بعد تخصيص الميزانية المفروضة سيتمكن الميناء من المنافسة بصورة جيدة. 

مكاسب ومخاوف

من جانبه أوضح الناشط السياسي المتخصص في شرق السودان، خالد محمد نور، أن موضوع الميناء شمال بورتسودان طرح من قبل، لكن لأول مرة تصدر تصريحات رسمية على مستوى وزارة المالية والشركاء بخصوصه.

وأضاف نور لـ"الترا سودان": "من حيث المبدأ لا أحد يرفض أن يكون هناك مشاريع استثمارية، وهي تتيح فرص تشغيل وتوظيف، لكن المخيف أنك تطرح الميناء بشراكة أجنبية غير معروف حدودها وحدود إدارة الشريك الأجنبي، وهل ستكون السيطرة أجنبية وسيكون ميناء بورتسودان من الماضي، خاصة وأنه يعاني من إشكالات وتأثيرات قبلية".

خالد محمد نور: من الواضح أن في الأمر استغلال للاصطفاف القبلي، حيث تقفل القبيلة الميناء وكذلك الطريق القومي، والآن يقع الميناء في أراضي قبيلة أخرى

ويكشف نور عن المكان المقترح للميناء، ويضيف: "يتحدثون عن شنعاب، وهي تقع على بعد حوالي (200) كيلومتر شمالي بورتسودان، ومن الواضح أن في الأمر استغلال للاصطفاف القبلي، حيث تقفل القبيلة الميناء وكذلك الطريق القومي، والآن يقع الميناء في أراضي قبيلة أخرى، قد يكون هناك ترحيب منهم بها، خاصة وأنهم في السابق طالبوا  بإنشاء طريق شمال بورتسودان لربط بورتسودان بأبوحمد "عقبة ياس"، ومن الممكن أن تكون هذه فرصة أن يكون لديهم طريق غير مسيطر عليه من مكون قبلي آخر".

ووصف نور هذا التصور بـ"القاصر"، لأن "هذا المشروع كبير"، وأنه لا يجب أن ينظر له على الأساس القبلي، "لأن طبيعة الاستثمار الاستحواذي أنه يعمل في كل الظروف ولا تهمه المشكلات القبلية، بل يستغلها لصالحه"، وفقًا لتعبيره.

وأوضح نور أن هناك مكاسب سياسية تحققت لمجتمعات أخرى من خلال الميناء والطريق القومي الذي يقع في أراضيهم، معتبرًا أن هذا الأمر محفز لبقية المجتمعات لتحقيق مكاسب وضغط سياسي.

ويؤكد نور أن المنطقة المقترحة في شمال بورتسودان، سبق وأن طالب قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو "حميدتي"، بإقامة معسكر لقواته فيها، وصدر عدم  ممانعة من العمد والمشايخ في المنطقة، لكن الأمر ووجه برفض من المجتمع المحلي، وجُمّد المشروع من جديد.