01-يوليو-2024
إبراهيم شوتايم

إبراهيم عبدالرحمن إبراهيم، المعروف باسم "إبراهيم شوتايم"

حملت الأنباء في الأيام الماضية خبرًا بدا جانبيًا في خضم الأحداث الجسام التي يشهدها السودان بطوله وعرضه تحت وطأة حرب الدعم السريع التي تبتلع البلاد ابتلاعًا في ظل تراجع مستمر ومخيب للجيش السوداني، ونزوح كأنه تصويت بالأقدام (Foot Voting) للناس ضد قوات الدعم السريع التي تُنسب لها انتهاكات مروعة في المناطق التي تقع تحت سيطرتها.

هكذا بتلك البساطة رحل أيقونة الثورة المقدام إبراهيم شوتايم الذي كان ينقل للعالم الاعتصام بالصوت والصورة دون وجل أو خوف منع الكثيرين من التغطية

الخبر هو مقتل أيقونة ديمسبر إبراهيم شوتايم، المواطن الصحفي الموهوب والإنسان الدارفوري صاحب المواقف والحكايات، الذي برز وتميز في الاعتصام أمام القيادة العامة، موثقًا للأحداث بأدوات بسيطة، كاميرا وسماعة تنقل للعالم محاولات الفض المبكرة، والمقتلة التي تسببت بها القوى الأمنية بحق الشباب السوداني الذي كان يطمح لأن ينشئ واقعًا جديدًا يشبه جماعية الاعتصام وروحه النبيلة التي وحدت السودانيين في لحظة من الزمان سيصعب استرجاعها بعد أن جرت كل تلك المياه والدماء -حرفيًا- تحت الجسر.

مقتل شوتايم

الصحفي المقيم في مدينة الفاشر، والذي هو الآخر برز نجمه مع الأحداث في المدينة المحاصرة، معمر إبراهيم، نقل الخبر الفاجع لمقتل شوتايم. في سيل الأحداث اليومية بمدينة الفاشر التي تحصبها قوات الدعم السريع بإمداد "إماراتي" لا ينتهي من الصواريخ والمتفجرات، عَبَر الخبر عاديًا. عند ملاحظة التفاعل معه، أو قل غياب التفاعل، تشعر بأن مقتل شوتايم هو مجاز للسودان والثورة؛ خبر موته كان شيئًا ثانويًا كأنه من طبيعة الأشياء، يشبه ذلك الثورة السودانية التي خفت نجمها وأصبحت في حكم الأموات، والسودان الذي دمرته الأطماع المحلية والعالمية، وحرب الجنرالات.

معمر إبراهيم نقل في تغريدات على موقع (إكس) أنباء مقتل شوتايم. قال إن شوتايم قتل إثر سقوط قذيفة على منزلهم بمدينة الفاشر. أكدت مقتل شوتايم تنسيقية لجان المقاومة في الفاشر.

هكذا بتلك البساطة رحل أيقونة الثورة المقدام إبراهيم شوتايم الذي كان ينقل للعالم الاعتصام بالصوت والصورة دون وجل أو خوف منع الكثيرين من التغطية في تلك اللحظات التي فقد فيها السودان بعضًا من خيرة أبنائه، وما يزال يفعل بعد خمس سنوات. وها هي آلة القتل التي نجا منها شوتايم في الاعتصام، أخذت روحه داخل بيته ومسقط رأسه في مدينة الفاشر.

شوتايم لم يمت لوحده في محرقة الفاشر التي تقودها قوات الدعم السريع، قتل هو وجده والد أمه وابن خالته في نفس المنزل وبنفس القذيفة. أضاف الصحفي معمر خلفية ذات مغزى: إن خال إبراهيم شوتايم - إسحاق "قتل أيضًا بقذيفة وجهتها الدعم السريع على سوق أم دفسو سقطت في مطعم خاله المرحوم بتاريخ 25 أيار/مايو 2024".

نقابة الصحفيين السودانيين أيضًا نعت إبراهيم شوتايم. وصفته النقابة بالناشط الإعلامي. وقالت إنه قد عرف بتغطيته لأحداث ثورة ديسمبر المجيدة "التي كرس لها جهده ووقته وتناقلتها وكالات الأنباء وبلغت ذورتها في اعتصام القيادة العامة".

النقابة قالت إن شوتايم قدم الجهد والعرق في تغطية ثورة حُوربت إعلامياً في بداياتها وقام بتغطيتها عبر تقنية البث الحي عبر السوشيال ميديا. تقدمت النقابة بالتعازي لأهل الفقيد وأصدقائه وعارفي فضله، وترحمت على روحه.

المعركة لأجل الفاشر

منذ أشهر تحاصر قوات الدعم السريع مدينة الفاشر. لقد حاولت هذه القوات وما تزال تحاول بكل الطرق السيطرة على هذه المدينة، بلغ الأمر أن تصل طائرات شحن تُنسب للإمارات تخترق الأجواء السودانية والسيادة الوطنية لتوصيل "مساعدات فتاكة" لهذه القوات في مناطق سيطرتها بمحيط الفاشر. يظهر أن هذه القوات التي فقدت أحد أهم قادتها في معارك الفاشر، قد حزمت أمرها بالنسبة لهذه المدينة، فبالسيطرة على الفاشر وحدها يصبح للدعم السريع دولة في السودان، وتغطية كاملة على غرب وجنوب البلاد.

يذكر أن الفاشر تستضيف بالفعل مئات الآلاف من النازحين القدامى والجدد؛ القدامى الذين فروا من "الجنجويد" سلف الدعم السريع الذين قادوا حرب الإبادة الجماعية في دارفور، والجدد الذين فروا من هذه القوات في حربها الحالية من أجل الفاشر.

الدعم السريع تسيطر على أربع من أصل خمس عواصم في دارفور، وكانت على وشك أخذ الفاشر أيضًا لولا استنفار أبنائها والحركات المسلحة المتحالفة مع الجيش للدفاع عن آخر معقل للدولة السودانية في غرب البلاد.

ما تزال قوات الدعم السريع تحاول السيطرة على مدينة الفاشر. لقد صارت الفاشر المدينة الأهم في خارطة الصراع المتجددة والمتحركة بسرعة وعشوائية الحرائق في أرض السودان. ارتكبت قوات الدعم السريع مذبحة وصفتها هيومن رايتس ووتش بالتطهير العرقي في الجنينة ضد بعض المجموعات الإثنية، وهذا الأمر يدفع العديد من الرجال والنساء والقادرين على حمل السلاح على القتال دفاعًا عن أنفسهم وممتلكاتهم، قبل الدفاع عن الدولة السودانية التي تتهاوى تحت وطأة الحرب الضروس.

من هو إبراهيم شوتايم؟

إبراهيم عبدالرحمن إبراهيم، المعروف باسم "إبراهيم شوتايم"، أقل ما يمكن أن يوصف به أنه "أيقونة" من أيقونات الثورة السودانية. لمع نجم إبراهيم شوتايم في اعتصام القيادة العامة، حيث بدأ بنشر بث حي عبر صفحته على فيسبوك بشكل مستمر، لا سيما خلال الاشتباكات بين المعتصمين وقوات الأمن التي كانت تحاول فض الاعتصام في أيامه الأولى. شوتايم بسماعته وهاتفه البسيط نقل الأحداث بكل جدية رغم انعدام تدريبه في الصحافة والإعلام. كان شوتايم موهوبًا في تغطيته، ما دفع قنوات كبرى لنقل البث الحي من صفحته.

عقب الاعتصام واصل شوتايم نشاطه، وأثار الجدل في العديد من المواقف، ولكن ظل صوته المألوفة ولكنته الدارفورية يتردد صداها هنا وهناك، معيدة للناس ذكريات القيادة العامة والاعتصام المهيب للسودانيين

عقب الاعتصام واصل شوتايم نشاطه، وأثار الجدل في العديد من المواقف، ولكن ظل صوته المألوفة ولكنته الدارفورية يتردد صداها هنا وهناك، معيدة للناس ذكريات القيادة العامة والاعتصام المهيب للسودانيين من أجل الحرية والسلام والعدالة.

تميز شوتايم في صحافة المواطن، ذلك النوع من العمل الصحفي الثوري الذي يغلب عليه الطابع التشاركي والاعتماد على المصدر المفتوح لدرجة البث الحي من قلب الحدث. يشبه هذا النمط من الصحافة الثورة السودانية في كل شيء، فهو من الشارع وإلى الشارع، من المواطن وإلى المواطن، ليست هناك رتوش كثيرة في هذا النوع من العمل الصحفي، يكفي فقط التواجد بالسماعة والهاتف الذكي في موقع الحدث. إنها صحافة تتحدث عن الإمكان، لأن يكون أي شخص مؤثرًا بمقدار صحفي ينقل رأيه ومشاهداته للعالم أجمع، دون الحاجة لأن يحمل شهادة في الإعلام، أو أن ينتمي لمؤسسة إعلامية لإيصال صوته. كان الجميع في أرض الاعتصام من هذا القبيل، حيث المسؤولية الجماعية عن المصير المشترك، ديمقراطية شعبية فاعلة في الساحة التي شهدت المجزرة لأن بعض الجنرالات لم يكن يريدون للناس أن يتجولوا في أفق الإمكان، فكان لا بد من وأد الأمل.

الآن، تبقى الإرث للأيقونة شوتايم على منصات التواصل الاجتماعي. آخر بث حي على صفحته بتاريخ الثاني والعشرين من الشهر الجاري، يقول شوتايم كلمات كأنها خلاصة شاعرية لعمله الصحفي: "أنا دائمًا أركز مع المواطن"، كانت تلك رسالة صحافة المواطن التي حملها شوتايم وتميز فيها.

إنه لوداع حزين لأيقونة من أيقونات ثورة ديسمبر، وموت عشوائي آخر لشاب سوداني حلم بالتغيير ولكن حاربه كل العالم

إنه لوداع حزين لأيقونة من أيقونات ثورة ديسمبر، وموت عشوائي آخر لشاب سوداني حلم بالتغيير ولكن حاربه كل العالم. كان إبراهيم شوتايم، بصوته العفوي وكلماته الصادقة، يجسد آمال وأحلام الملايين ممن كانوا يتوقون إلى مستقبل أفضل. وفاته ليست مجرد خسارة لشخص، بل هي ضربة قاسية لروح الثورة التي ألهمت الكثيرين للوقوف في وجه الظلم والطغيان. بينما يتلاشى نجمه، يبقى إرثه خالدًا في ذاكرة الشعب السوداني، ذكرى لتلك اللحظات البطولية التي وحدت الأمة السودانية في مواجهة التحديات الجسيمة، وربما تكون أيضًا لحظة لاستلهام ذلك الإرث والأخذ بزمام المبادرة.