19-يونيو-2024
السفير الحارث إدريس

تخللت جلسة مجلس الأمن الدولي التي عقدت في نيويورك، أمس الثلاثاء، مداخلات ساخنة من مندوب السودان ضد الإمارات العربية المتحدة على خلفية اتهام الخرطوم لها بتزويد الدعم السريع بالأسلحة والعتاد عبر مطارات أم جرس ومخازن اللواء (106) في دولة ليبيا في أراضي سيطرة اللواء خليفة حفتر، القائد العسكري الليبي المقرب من أبوظبي.

طالب السودان بفرض عقوبات دولية على الدولة الراعية للدعم السريع

وقال مندوب السودان في الأمم المتحدة السفير الحارث إدريس الحارث خلال الجلسة التي عقدت الثلاثاء في نيويورك، إن الإمارات تُرسل الأسلحة عبر تشاد وليبيا إلى الدعم السريع. ووصف المندوب قوات حميدتي بأنها أخطر من "فيروس كورونا" فيما يتعلق بتهديد السلم والأمن الإقليمي والدولي إذا تُركت الإمارات على هذا الوضع المرفوض.

عقوبات على الإمارات 

وقال الحارث إن الوقت قد حان لمجلس الأمن لفرض عقوبات على الدولة الراعية لمن وصفها بـ"المليشيا المارقة" والتي تعمل بالتدريج على الإبادة الجماعية لسكان السودان وحرق القرى والبلدات.

وأوضح الحارث إدريس أن التساؤلات التي طرحها مبعوث الأمم المتحدة رمطان العمامرة حول مدى التزام القوات المسلحة بحماية المدنيين، حيث أشار إلى أن الجيش السوداني ملتزم بقواعد الاشتباك ويعلن ذلك عبر المنصات المتنوعة ويعمل بموجب القانون الدولي الإنساني.

واتهم مندوب السودان في الأمم المتحدة السفير الحارث إدريس الدعم السريع بالترويج حول قصف الطيران الحربي للمدنيين للحصول على إدانة ضد القوات المسلحة، وقد ثبت أن الدعم السريع تطلق القذائف على المدنيين بالتزامن مع الطلعات الجوية لسلاح الطيران.

وقال الحارث إن السودان ملتزم بوصول الإغاثة إلى المحتاجين شريطة الالتزام بإدخالها عبر المعابر المتفق عليها مع الأمم المتحدة وحكومة السودان، مشيراً إلى مقتل ستة عمال في المجال الإنساني في مناطق تقع تحت سيطرة الدعم السريع.

لدينا الحبوب ولدينا التحديات 

وقال الحارث إن "العدوان المسلح" حينما فشل في مخططه خلال الحرب أراد تحويل المعركة إلى سلاح الغذاء من خلال الترويج لوجود مجاعة في السودان، وفي هذا الصدد تؤكد الحكومة السودانية أن تكلفة نقل الإغاثة عبر بورتسودان إلى الولايات السودانية أقل تكلفة ثلاث مرات من إدخالها عبر دول الجوار.

وأعلن الحارث إدريس استعداد الحكومة السودانية للعمل مع الأمم المتحدة وعمال الإغاثة ومنح تصاريح الدخول، كما استعجل الأمم المتحدة للتحرك والتنسيق مع السودان لتقييم ثلاثة مطارات.

وأشار الحارث إلى أن الحكومة السودانية، على الرغم من التحفظات على تحديد معبر أدري التشادية لنقل الإغاثة إلى المدنيين، سمحت بدخولها عبر هذا المعبر. وأضاف: "خاطبتني مندوبة الولايات المتحدة بالأمم المتحدة حول هذا المعبر وضرورته لمساعدة المدنيين".

وزاد: "المعبر التشادي في أدري يقع على بعد 27 كيلومتراً من الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور، وهناك مبادرات سودانية تمكنت من تقديم العون للآلاف بما في ذلك وجبات للأطفال يومياً وعيادات صحية ومراكز نفسية، لكن بالمقابل تقيد السلطات التشادية حركة المبادرات والمنظمات غير التشادية".

استعادة باهظة للقطاع الصحي 

وأكد الحارث أن المستشفيات الواقعة في مناطق سيطرة الجيش تواجه ضغطاً كبيراً بسبب توقف غالبية المستشفيات التي دمرتها قوات الدعم السريع، ولفت إلى أن استعادة القطاع الصحي يكلف (11) مليار دولار. كما تحدث مندوب السودان عن دخول أدوية منتهية الصلاحية مهربة عبر دولتي تشاد وجنوب السودان إلى السودان.

وتطرق مندوب السودان خلال جلسة مجلس الأمن في نيويورك إلى العنف الجنسي الذي ارتكبته الدعم السريع بحق الفتيات والنساء خلال الحرب وفق تقرير وثقته مديرة وحدة مكافحة العنف ضد المرأة سليمى إسحق حول تعرض (159) من النساء والفتيات إلى العنف الجنسي بواسطة الدعم السريع، مشيراً إلى أن هذا الرقم يشكل نسبة 3% من الجرائم الجنسية للدعم السريع في الحرب ضد المدنيين العزل. وقال إن قوات الدعم السريع توثق لجرائمها الجنسية إمعاناً في إذلال المدنيين.

إبادة جماعية في الطريق 

كما اتهم مندوب السودان في الأمم المتحدة الدعم السريع بالسعي لتصفية مجموعة الزغاوة في زالنجي ونيالا في إقليم دارفور، مؤكداً أنه بالتزامن مع قرار مجلس الأمن حول الفاشر، شنت الدعم السريع معارك عنيفة على المدينة.

 وعقد مجلس الأمن جلسة أمس الثلاثاء بحث خلالها الوضع في السودان. استمع المجلس إلى إحاطتين من مساعدة الأمين العام للأمم المتحدة لشؤون أفريقيا مارثا بوبي، ومديرة العمليات والمناصرة في مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) إيديم وسورنو.

وقالت مارثا بوبي "محنة الشعب السوداني تتطلب اهتمامنا العاجل وإجراءاتنا الحاسمة"، وشددت على الحاجة لوقف إطلاق النار في الفاشر الآن لمنع وقوع المزيد من الفظائع، وحماية البنية التحتية الحيوية، وتخفيف معاناة المدنيين. وقالت إن القرار (2736) الذي اعتمده مجلس الأمن الأسبوع الماضي يمثل إشارة مهمة من المجلس بأن تصعيد المواجهة العسكرية يجب أن يتوقف.

وشددت على أن الوقت قد حان للأطراف المتحاربة لتجنيب الشعب السوداني المزيد من المعاناة، والجلوس إلى طاولة المفاوضات للمناقشة بحسن نية. وشجعت الأطراف على الاستفادة الكاملة من المساعي الحميدة التي يبذلها المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، رمطان لعمامرة لتعزيز التفاعلات البناءة التي يمكن أن تساعدها على اتخاذ خطوات نحو أفق السلام.

مندوب الإمارات

وخلال الجلسة التي استمرت بشكل ساخن، رفض مندوب الإمارات العربية المتحدة السفير محمد أبو شهاب الاتهامات التي صدرت بحق بلاده من المندوب السوداني، ووصفها بـ"السخيفة". وقال إن المندوب السوداني يمثل القوات المسلحة السودانية وهي أحد أطراف النزاع في صراع السودان، في إشارة إلى أن الطرفين المتحاربين مستاويان قانونياً وعلى طاولة المفاوضات، وهو بند يثير حفيظة وفد الجيش السوداني في مفاوضات منبر جدة بالمملكة العربية السعودية.

وتتهم الإمارات بتقديم دعم مستمر للدعم السريع عبر الحدود الغربية مع تشاد. وأكدت تقارير صحفية وأخرى أممية هذه الاتهامات، مشيرة إلى أن الطائرات الإماراتية تنقل السلاح عبر أوغندا وكينيا إلى أم جرس التشادية، ومن ثم إلى السودان.

بالمقابل صدرت بيانات من القمة العربية في أيار/مايو الماضي، ومجلس التعاون الخليجي، أكدت على ضرورة الوصول إلى تسوية بين الحكومة السودانية والدعم السريع لإنهاء الحرب. ولم تسم القمتان الجيش كطرف مقابل للدعم السريع، ما يعني وجود تحولات إقليمية وفق للمراقبين الدبلوماسيين، قد تمتد حتى إلى غرف المفاوضات.

تمسك إماراتي بمنبر جدة 

وأكمل مندوب الإمارات في جلسة مجلس الأمن في نيوروك مداخلته بالقول: "إن بلاده ظلت تقدم الدعم للعمليات الإنسانية في السودان". وتابع قائلاً: "ممثل القوات المسلحة السودانية يجب أن يُسأل لماذا لا يأتي إلى محادثات جدة إذا كان يسعى إلى وقف النزاع ومعاناة المدنيين؟ ولماذا يعيقون تدفق المساعدات؟ ما الذي تنتظرونه؟".

ورداً على حديث مندوب الإمارات طلب مندوب السودان الحارث إدريس الحارث مداخلة أخرى، وحينما حصل عليها أجاب قائلاً: "من يريد صنع السلام في السودان عليه أن يأتي بقلب سليم"، مؤكدًا أن السودان لا يحتاج إلى المساعدات الإماراتية، فقط يحتاج أن توقف دعمها للدعم السريع، بحسب تعبيره. 

الدلائل والصور

وواصل الحارث حديثه الذي وجهه إلى المندوب الإماراتي بالقول: "دولة الإمارات العربية هي التي ترعى الإرهاب المنمذج والعرقي في السودان، ولقد أثبت ذلك تقرير لجنة الخبراء منذ ديسمبر 2023". 

الحارث إدريس: حشدنا لكم كل البيانات والدلائل والصور ورفعناها إلى مجلسكم الموقر لكي تناقش، ولكن دولة الإمارات بفعلها وشرها عرقلت الاجتماع

وأردف: "إننا حشدنا لكم كل البيانات والدلائل والصور ورفعناها إلى مجلسكم الموقر لكي تناقش، ولكن دولة الإمارات بفعلها وشرها عرقلت الاجتماع بصيغته المطلوبة، ومطلوب من مجلسكم مشي مسافة الميل المتبقي، وهو إدانة دولة الإمارات في عدوانها". وأضاف الحارث: "دولة الإمارات مدانة والمدان لا يكون شريكاً في السلام".

لم تنته الملاسنات بين المندوبين السوداني والإماراتي عند هذا الحد، حيث طلب سفير الإمارات مداخلة جديدة، وقال رداً على السفير الحارث إدريس الحارث: "نرى أن هذا يمثل انتهاكاً معيباً من أحد الأطراف المتحاربة في السودان لهذا المجلس، واستغلال هذا المنبر لنشر اتهامات زائفة ضد الإمارات العربية المتحدة لتشتيت الانتباه عن الانتهاكات الخطيرة التي تحدث على الأرض. لن يكون هناك نصر أو تسوية عسكرية للنزاع في السودان، وإن طاولة المفاوضات هي السبيل الوحيد للتسوية".

الاقتراب من مرحلة القطيعة 

انتهت ملاسنات مندوبي السودان والإمارات إلى إنهاء المداخلات، واستمرت الجلسة التي عقدها مجلس الأمن الدولي للنظر في شكوى السودان ضد حكومة أبوظبي بتهمة تقديم العون المسلح لقوات الدعم السريع. 

العلاقات بين البلدين متوترة منذ اندلاع الحرب، ووصلت حدود طرد (15) دبلوماسياً إماراتياً من مدينة بورتسودان، العاصمة الإدارية للحكومة القائمة المدعومة من الجيش السوداني شرق البلاد.

ورغم ذلك استمرت العلاقات التجارية بين البلدين خاصة في قطاع الذهب، وما تزال الشحنات تصدر من بورتسودان إلى أسواق دبي. وتبرر الحكومة السودانية هذه العمليات بحاجة الشركات المنتجة للاعتراف العالمي من مجلس الذهب. لكن مؤخراً بدأت وزارة التجارة السودانية نقاشات مع دولة قطر لإنشاء مصفاة للذهب السوداني، وفق تصريحات صدرت من الطرفين في أيار/مايو الماضي.

تنفيذ قرار مجلس الأمن 

أما في في أروقة جلسة مجلس الأمن الدولي، الثلاثاء، فقد تطرقت مديرة العمليات والمناصرة في مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، إيديم أوسورنو إلى أربع نقاط مهمة، هي: الخسائر الفادحة التي خلفها الصراع على المدنيين في الفاشر وغيرها من بؤر الصراع الساخنة في البلاد، والأزمة الإنسانية المتفاقمة، والوضع الحالي لوصول المساعدات الإنسانية وتمويل عملية المساعدات، والحاجة الماسة لوقف القتال.

وأشارت المسؤولة الأممية إلى أن المدنيين في السودان "عاشوا كابوساً"  خلال أربعة عشر شهراً من الصراع، ونوهت إلى أن سكان مدينة الفاشر يقعون في مركز النزاع حالياً.

حياة (800) ألف شخص من النساء والأطفال والرجال والمسنين والأشخاص ذوي الإعاقة في مدينة الفاشر بولاية شمال دارفور أصبحت على المحك

وحذرت وسورنو من أن حياة (800) ألف شخص من النساء والأطفال والرجال والمسنين والأشخاص ذوي الإعاقة في مدينة الفاشر بولاية شمال دارفور أصبحت على المحك في خضم استمرار العنف والمعاناة.

وتابعت وسورنو : "بدون اتخاذ إجراء حاسم الآن، فإننا نجازف بأن نشهد تكراراً للفظائع التي ارتُكبت في الجنينة خلال العام الماضي".

وأكملت قائلة: "على مدى الأسابيع الستة الماضية، طالبنا مراراً وتكراراً بحماية المدنيين ووقف هذا العنف الشرس. وقد فعل هذا المجلس الشيء نفسه الأسبوع الماضي في قراره رقم 2736".

وحذرت إيديم وسورنو من تجاهل الدعوات الصادرة من مجلس الأمن، حاثةً المجلس على بذل قصارى جهده  واستخدام كل الوسائل المتاحة له  للدفع باتجاه تنفيذ القرار (2736) القاضي بوقف الهجوم على الفاشر.