10-أبريل-2024
صلاة العيد بولاية الجزيرة التي نزح لها آلاف من العاصمة الخرطوم (Getty)

إذا سألت لاجئًا سودانيًا في دول مصر وجنوب السودان وإثيوبيا وأوغندا وكينيا وتشاد وليبيا عن طعم عيد الفطر هذا العام، ربما يتردد أكثر من مرة قبل الإجابة على السؤال.

رغم أنه العيد الثاني على التوالي في ظل اندلاع الحرب، فإن هذه المناسبة تطل هذا العام وقد زادت مأساة الحرب من مشاعر السودانيين "حزنًا" حسب ما يقول محمد عجيب الذي يقيم في ليبيا ووصلها عبر رحلة شاقة قبل أشهر.

لا شيء يضاهي طعم العيد في السودان بينما الحرب تلتهم آمال العودة يوميًا 

لم يكن عجيب يضع في خططه يومًا شق الطريق إلى ليبيا هربًا من جحيم المعارك في بلاده. هذا العام بسبب الحرب غادر منطقته في ضواحي مدينة بارا بولاية شمال كردفان بعد تكرار هجمات الدعم السريع وفقدان جميع مصادر معيشته المتواضعة.

يقول عجيب إن العيد خارج الوطن "غربة مضاعفة"، حيث لا يشعر الشخص بطعمه الذي اعتاد عليه في السودان، وتتضاعف هذه المشاعر أن الوضع في البلاد يزداد قتامة مع انسداد الأفق واستمرار الحرب وإصرار جميع الأطراف على عدم تقدير تنازلات لبقاء الوطن أولًا.

ويعيش في ليبيا آلاف السودانيين، ووصل أغلبهم من إقليم كردفان ودارفور وشمال البلاد  لسهولة الانتقال عبر "منطقة المثلث"، حيث يمتهنون العمالة الإضطرارية في الزراعة والأعمال الإنشائية أو الخدمات الداخلية مثل المطاعم ومحلات التجزئة.

يتزامن عيد الفطر مع وصول الحرب إلى عامها الأول والتي اندلعت في 15 نيسان/أبريل 2023 وخلفت مقتل (14) ألف في صفوف المدنيين ونزوح أكثر من ثمانية ملايين شخص داخليًا وخارجيًا، وتدمير طال أجزاء كبيرة من البنية التحتية في العاصمة الخرطوم وبعض المدن، وعنف جنسي طال مئات النساء والفتيات.

في أنجمينا عاصمة تشاد يشاهد وليد مباراة في كرة القدم في أحد الأماكن. ولم يتذكر أن العيد سيحل بعد ساعات قليلة، فهذه المناسبة بالنسبة له يلاحظها من خلال الطقوس التي تكون أمامه في المنزل بالعاصمة الخرطوم وحركة الناس في الأسواق ليلة العيد، يضيف لـ"الترا سودان".

يقول وليد: "في بعض اللحظات يخالطك شعور بالعودة إلى المنزل الذي نشأت فيه ونسيان الحرب نفسها والتعامل معها كواقع لا مفر منه لأن البقاء خارج وطنك دون معرفة متى ستعود إليه ألم لا يضاهيه شيء آخر".

يقارن هذا الشاب بين الأعياد السنوات السابقة وبين هذا العيد، ويقارن حينما كان في العاصمة الخرطوم يذهب إلى المناسبات الاجتماعية أو يتنقل في الحي لزيارة الجيران والأصدقاء في مثل هذا اليوم، بينما الآن يجلس في مقهى أو مركز تجاري لنسيان "مرارة اللجوء قسريًا" وأحيانًا يقلب أزرار هاتفه للاتصال بعائلته التي تقيم في مصر في حرب فرقت جغرافيًا بين العوائل.

أضاف: "عائلتي في مصر بسبب إعفاء الأطفال والنساء من التأشيرة، وقد تمكنوا من دخول مصر في الشهر الأول للحرب، أما أنا فلم أحصل على التأشيرة لذلك جئت إلى أنجمينا".

صلاة العيد في كمبالا
أم صلاة العيد بالمسجد الوطني في العاصمة الأوغندية كمبالا آلاف المصلين (فيسبوك)

للعيد طقوس في السودان يبدأ من الليلة التي تسبقه إزدحام الأسواق لشراء الملابس للأطفال والمخبوزات والحلويات، ورغم الوضع الاقتصادي الذي تأزم في السنوات الأخيرة إلا أن السودانيين يجدون أنفسهم مع تحدي تذوق طعم هذه المناسبة "بأي ثمن".

ويتزامن العيد أيضا مع وضع إنساني حرج يواجه مئات الآلاف من السودانيين من أولئك الذين عبروا الحدود هربًا من الحرب، ويتراوح عددهم بين (1.5) إلى (1.7) مليون شخص لم يتلقوا مساعدات منتظمة. ويعاني الغالبية من الجوع في مخيمات تقع في تشاد وجنوب السودان، بينما يواجه مئات العائلات السودانية في مصر شبح التشرد بسبب ارتفاع أسعار المساكن وعدم تقديم مساعدات مالية من المنظمات الدولية.

تقول نهال التي صادفت العيد في مدينة جوبا عاصمة جنوب السودان، وهي في طريقها إلى بلد أفريقي آخر، لـ"الترا سودان"، إنها لم تكترث بالتواجد في منطقة بعينها بمناسبة العيد، وطالما فارقت منزلها وجزء من عائلتها سيعيش العيد في أي مكان بشعور حزين، لذلك لم يعد المكان مهمًا طالما أن "الوضع لا يسمح لك بالعيش مع طقوس العيد المعروفة لديك منذ طفولتك"، تضيف هذه السيدة التي وصلت إلى جنوب السودان رفقة أطفالها من جحيم المعارك العسكرية والتحرك عبر رحلة شاقة بدأت من أم درمان إلى جوبا عبر الطريق البري.

وتقول نهال: "أتمنى فقط أن لا نشرد من أوطاننا لسنوات طويلة؛ نخشى أن تطول الحرب ولا نجد وطنًا نعود إليه. إن هذا التفكير يقتلني يوميًا! هل ستتوقف الحرب أم لا؟ الأسئلة تراودك كل مرة".

أنفقت نهال قرابة ألفي دولار في رحلتها الشاقة رفقة أطفالها الثلاثة، ويتعين عليها فواتير إضافية من السفر إلى خارج جنوب السودان عبر الطرق البرية، واعتمدت على مدخراتها المالية لتمويل هذه الرحلة الطويلة دون أن تتلقى أي مساعدة من وكالات الأمم المتحدة أو المنظمات، وكأن السودانيين تركوا يواجهون الحرب وآثارها الاقتصادية والإنسانية، تقول نهال.

في مصر وسط القاهرة ربما عاش السودانيون بعض "المشاعر الإيجابية" خلال العيد نتيجة توفر السلع والمنتجات المحلية في قلب  العاصمة المصرية والتي تبيع المخبوزات والملبوسات مثل "الجلابية الرجالية" والعباءات النسائية وحتى الأحذية المصنوعة على الطريقة السودانية.

يقول الحسن الذي يعمل في مكتب ترحيلات في القاهرة، لـ"الترا سودان"، إن وجود السودانيين بأعداد كبيرة في مصر يساعد على خلق أجواء مماثلة كتلك التي كانت تسود في السودان في مثل هذه المناسبات.

ولجأ إلى مصر حوالي نصف مليون شخص منذ اندلاع الحرب منتصف نيسان/أبريل 2023، بينما يعيش نحو مليوني سوداني معظمهم في القاهرة في السنوات التي سبقت القتال بين الجيش والدعم السريع بسبب الأزمة الاقتصادية وتدهور الخدمات وعدم انتظام العام الدراسي في المدارس والجامعات.

يحصي ناشطون عاملون في الجمعيات التي تقدم المساعدات للسودانيين في مصر، نحو (300) ألف سوداني يعيشون في وضع إنساني بالغ السوء

ويحصي ناشطون عاملون في الجمعيات التي تقدم المساعدات للسودانيين في مصر، نحو (300) ألف سوداني يعيشون في وضع إنساني بالغ السوء بسبب عدم قدرتهم على سداد إيجارات المساكن وعدم توفر العمل، إلى جانب ارتفاع أسعار المعيشة في مصر في الشهور الأخيرة بسبب سعر الصرف.

يقول الحسن: "لا شيء يضاهي عيد السودان لأنه مرتبط بالمكان والناس والعادات والتقاليد السودانية التي لا تكون لها نكهة إلا في مكانها الطبيعي، ومهما حاولت التعايش مع أجواء العيد هنا، فإن ثمة شيء داخلك يقود إلى الذكريات في وطنك في مثل هذا الوقت، وتدخل في حزن محاط بتلاشي الأمل مع تمدد الحرب من مدينة إلى أخرى يوميًا".