07-مايو-2024
لوحات للراحل محجوب محمد صالح بجانب أعداد من صحيفة الأيام

فعاليات تأبين الراحل محجوب محمد صالح عميد الصحافة السودانية

في أضخم حدث ثقافي في سودان ما بعد الحرب، اختتم بالقاهرة أمس برنامج فعاليات تأبين الأستاذ الراحل محجوب محمد صالح ( 1928-2024م)، تحت شعار عميد الصحفيين سيرة ملهمة، وتداعى طيف واسع من المثقفين والأكاديميين والصحفيين والفاعلين الاجتماعيين وأهل السياسة والمهنيين، للمشاركة في أمسية التأبين الختامية بالجامعة الأمريكية، والتي انتفت معها خطوط التقسيم على الهوية الجزئية والأيديولوجيا والطبقة، وحمأة الإثنيات، حيث ائتلفت الجموع المحبة لمحجوب على اختلافها في قاعة واحدة ضاقت على رحابتها، ولم تضق في ثناياها أحلامهم المشروعة باستئناف مسار التأسيس الذي كان محجوب أحد دعاته وأعمدته الركينة.

شهدت الجلسة الختامية سيلاً من الكلمات في امتداح دور الراحل على مدار مسيرته الملهمة

وشهدت الجلسة الختامية سيلاً من الكلمات في امتداح دور الراحل على مدار مسيرته الملهمة، حيث عدد معاصريه وتلامذته في عالم الصحافة والسياسة والثقافة مآثره ومواقفه الداعية -سابقاً- للاستقلال في سياق أزمة الاستعمار ضمن نضالاته الباكرة، والداعمة -لاحقًا- للوحدة على أسس المواطنة المتساوية حقوقًا وواجبات في إطار مشروع وطني ديمقراطي تنموي متوازن ومستدام.

 وأجمع المتحدثون على اختلاف منازعهم وتفضيلاتهم على استقامة محجوب قيميًا ومهنيًا ووطنيًا، علاوة على ترفعه عن الصغائر وجراح الذات، على كثرة ما تعرض له من مظالم ومضايقات في عهود الاستبداد، وكيف أنه جمع بين جنوحه الجامح إلى التوافق والحوار والبناء على ما يجمع لا ما يفرق، وبين الاستقامة على الوطنية ومناهضة الظلم حيثما تجلى ومهما تدجج جبروته وعلا طغيانه.

انطلق برنامج التأبين في الثاني عشر من نيسان/أبريل المنصرم بندوة حملت اسم "أدوار الراحل في الفضاء العام وبصمته في القضايا الوطنية والسياسية والمهنية". اشتملت على أوراق ومداخلات راصدة لمواقف أستاذ الأجيال، كان أهمها ورقة بروفيسور فاروق محمد إبراهيم "محجوب محمد صالح رائد من رواد المشروع الوطني الديمقراطي"، وما جاء في مداخلات دكتور إبراهيم الأمين، وأتيم سايمون، والصحفية بجريدة الأيام صباح محمد آدم، ومصطفى سري ومحمد فاروق سلمان ودكتور خالد التجاني الذي أدار الندوة على نحو محكم.

تصميم إعلاني لندوة أقيمت ضمن فعاليات تأبين عميد الصحافة السودانية محجوب محمد صالح
إعلان لندوة قدمت ضمن فعاليات تأبين عميد الصحافة السودانية محجوب محمد صالح

وفي ذات الاطار الاحتفائي المتصل، انعقدت في الـ 24 من نيسان/أبريل ندوة نقابة الصحفيين السودانيين في المؤسسة الإفريقية للتطوير وبناء القدرات.   

وشهدت الجامعة الأمريكية بالقاهرة مناشط متعددة ضمن برنامج التأبين الممتد في مدن وحواضر شتى، كان أولها وأهمها ندوة أدوار الراحل في المجال العام ومعرض الصور في مفتتح أيار/مايو الحالي، وآخرها احتضان الليلة الختامية ضمن إحدى مشروعاتها المتصلة بإحياء تراث المهاجرين. 

وأكدت دكتورة أميرة أحمد الأكاديمية السودانية بالجامعة الأمريكية في كلمتها الترحيبية، أن الاحتفاء بمحجوب يتسق مع مشروع إحياء تراث المهاجرين، ويتساوق مع قيم الحرية والمواطنة وحقوق الإنسان التي جسدها محجوب خلال مسيرته الوطنية، ومساره المهني في الصحافة المناهضة للاستبداد و الداعية للحرية.

جانب من فعاليات تأبين عميد الصحافة السودانية محجوب محمد صالح
جانب من فعاليات تأبين عميد الصحافة السودانية محجوب محمد صالح

والجدير ذكره أن محجوب محمد صالح المولود بمدينة بحري عام 1928، والمُلتحق بمدارس وادي سيدنا وحنتوب وكلية الخرطوم الجامعية وكلية الآداب، والمُنتخب سكرتيرًا لاتحاد طلاب كلية الخرطوم الجامعية في عام 1949، قبل أن يُفصل بسبب تنفيذ إضراب الاتحاد الشهير، ويُمنع من ممارسة مهنة التعليم في المدارس الحكومية والأهلية ليتجه إلى عالم الصحافة عبر صحيفة سودان ستار اليومية الإنجليزية عام 1949، ثم ليؤسس لاحقًا صحيفة الأيام مع زميليه بشير محمد سعيد ومحجوب عثمان، ويترأس تحريرها بالتناوب.

أسهم الراحل في تأسيس العمل المهني والنقابي وتأطيره إجرائيًا وقيميًا، ليس على نطاق السودان الذي شغل موقع سكرتيره العام لاتحاد الصحافة السودانية منذ العام 1950-1959، وإنما كان له أدوار في تأسيس اتحاد الصحفيين العرب واتحاد الصحفيين الأفارقة.

 واستعاد الراحل إصدار صحيفة الأيام في العام 2000، بعد فترة انقطاع قسري قبل أن تتوقف في العام 2015، مع اشتداد موجات التضييق الممنهج من نظام الإنقاذ، وحرمانها من الإعلانات بحسب شهادات وإفادات متواترة.

استحق الراحل عن جدارة تطويقه بالألقاب الوطنية والمهنية مثل عميد الصحفيين وأستاذ الأجيال ومعدن الوفاق والحكمة

استحق الراحل عن جدارة تطويقه بالألقاب الوطنية والمهنية مثل عميد الصحفيين وأستاذ الأجيال ومعدن الوفاق والحكمة، وتتويجه بالجوائز العالمية الوازنة مثل نيله جائزة القلم الذهبي من الرابطة العالمية للصحف وناشري الأخبار عام 2005، وجائزة مؤسسة فريدريش إيبرت لحقوق الإنسان بالمشاركة مع ابيل الير في العام 2004، كما نال جائزة حقوق الإنسان من الاتحاد الأوروبي للعام 2018م .

وأكبر جائزة حازها بعد انتقاله إلى علياء ربه، هي مقدار ما المحبة والوفاء التي شهدتها أمسيات التأبين المتعددة، مؤكدة أن رحيله في عام الرمادة الوطنية على هذا النحو الفاجع يرسل من الإشارات والتنبيهات بضرورة الالتقاء على ما أرسى من قيم وما أفاض وحي قلمه من وعي بضرورة استئناف التأسيس والبناء، موضحة أن  مسيرته الملهمة لن تنتهي بوفاته، وأن موته الكثيف لن يستأثر به في خضم وجوده الرمزي، وشهوده الذي أثمر مشروعات ومؤسسات وذوات فاعلة بالتاريخ، آخذة بحطام الحاضر إلى لحظة واعدة في المستقبل المنظور، يسود فيها العدالة والحرية والسلام والمواطنة المتساوية في دولة تنموية ديمقراطية ووطن يسع الجميع.