9 أشهر من الحرب في السودان.. أين النهاية؟
17 ديسمبر 2023
الملاذ
كان يوم الجمعة الماضية 15 كانون الثاني/ديسمبر 2023، يومًا عصيبًا على سكان مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة، فالحرب انتقلت إلى هناك، والنيران اشتعلت عند أبواب المدينة. بعد اندلاع القتال في ولاية الخرطوم في 15 نيسان/أبريل الماضي، ظهرت مدينة ود مدني كـ "مكان بديل" وملاذًا آمنًا لجأ إليه أكثرية سكان الخرطوم، وربما جاء اختيارها –العفوي– كونها أقرب نقطة حضرية إلى العاصمة، يسهل العودة منها إلى "المأوى" متى ما انتهت الحرب، فهي تبعد عن الخرطوم نحو ساعتين فقط بالسيارة، والشارع إليها سالك ومعبد ولم تغتاله الحرب بعد. يوم الجمعة كان يومًا مبددًا لكل تلك الأحلام "الأمن والسلام والعودة ونهاية الحرب".
يوم الجمعة كان بلا شك يومًا كابوسيًا لكل شخص جاء إلى مدني "نازحًا" من الخرطوم أو من أي ولاية أخرى تعرضت للدمار والانتهاك والتخريب خلال الأشهر الماضية
ويوم الجمعة كان بلا شك يومًا كابوسيًا لكل شخص جاء إلى مدني "نازحًا" من الخرطوم أو من أي ولاية أخرى تعرضت للدمار والانتهاك والتخريب خلال الأشهر الماضية، فالمدينة صارت مع الوقت ملاذًا للجميع ومن كافة أنحاء السودان المحترق بالنيران. أن يستيقظ "نازحو الحرب" المستضافون في مراكز الإيواء، أو ممن تمكنوا من استئجار المنازل؛ على وقع الرصاص وانفجار أصوات الدانات، و"الالتهاب المؤذي" لمواقع "السوشيال الميديا"، التي تبشر بالحرائق وتهدد بالدمار الشامل وتنشر الشائعات مرفقة بالصور والفيديوهات المرعبة؛ أن يحدث كل هذا –مرة أخرى– فهذا فوق الاحتمال. استعادة التجربة، بكل ألمها ورعبها وقلقها وانفتاحها على العتمة.. فإلى أين المفر؟
إجلاء الأجانب
لم تمض سوى ساعات قليلة على الهجوم الذي تعرضت إليه ود مدني، حتى سارعت المنظمات الأممية والغوثية إلى إخراج وإجلاء جميع رعاياها من المدينة، ونقلهم إلى ولاية أخرى ومدينة أخرى هي مدينة كوستي. هذا المشهد بسرعة استجابته في الإجلاء أعاد إلى الأذهان مشهدًا آخر مشابهًا ومستعادًا من الأيام الأولى لحرب الخرطوم، أحدث وقتها زخمًا وتفاعلًا كبيرًا على القنوات الإعلامية ووسط المواطنين، ومثل لحظتها التحذير والإنذار الأكبر مما سيأتي، فلحظة "هروب الأجانب" من السودان (كل دول العالم)، وحالة الفزع التي رسمتها تلك الصور المرتبكة للوفود الدبلوماسية وأعضاء الجاليات المختلفة، وقصص النجاة من هول المعارك التي صارت تروى بعد ذلك، كل هذا حين نقرنه بـ "الانتقال السريع" لأجانب مدني؛ ينذر بواقع كارثي قد تشهده ودمدني وولاية الجزيرة بأكملها خلال الأيام القادمة إن لم تتوقف الاشتباكات الدائرة على تخوم المدينة.
مطر الدانات
لا شك أن جميع السودانيين يذكرون جيدًا تلك المقولة التهديدية التي أطلقها قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان حميدتي، في واحدة من خطابات التراشق الإعلامي الكثيرة التي كانت متبادلة بينه وبين أعدائه المدخرين للمستقبل. في ذلك الخطاب قال حميدتي إن الخرطوم ستشهد (مطر بدون براق)، والمعنى المخبوء في هذه المقولة أن المدينة ستشهد مطرًا غزيرًا دون بروق أو رعود منذرة يهدد بمحوها من الوجود، أما المعني المجازي –وهو المقصود– فإن الرصاص سيغطي سماء المدينة مثله مثل المطر الهطال دون توقف، وحينها لا نجاة لأحد. لزمن طويل تندر الناس بمثل هذه المقولات الغريبة لقائد الدعم السريع، ثم فطنوا بعد الـ15 من نيسان/أبريل إلى القدرات التوصيفية الهائلة التي يملكها الرجل ويشحن بها قاموسه البلاغي لتصير مع الوقت أشبه بالشفرات التي لن تجد تفسيرًا لها إلا في المستقبل. الآن كل الأرض تحولت إلى فضاء مفتوح لاستقبال "المطر البدون براق". وضع مأساوي بمعنى الكلمة، فالدانات المتساقطة بشكل متعمد، تحصد في كل يوم عشرات الأرواح، في شمبات بحري، وفي أحياء الثورات في كرري، وأم درمان القديمة، وفي مدن نيالا والفاشر والجنينة والأبيض وزالنجي، في كل يوم تتمدد أكثر وتخمش في طريقها أمكنة جديدة ومدنًا ظن الناس أنها آمنة ولن يطالها الرصاص أبدًا.
نزوح مزدوج
في خلال يومين فقط شهدت مدينة ودمدني حركة نزوح هائلة، آلاف المواطنين خرجوا باتجاه المجهول، مئات السيارات خرجت تنهب الأرض نهبا باتجاه المجهول. نازحو الخرطوم خرجوا من دور الإيواء ومن بيوت الإيجار المؤقت، راجلين ومهرولين في رحلة نزوح مزدوجة، لكنها هذه المرة صوب المجهول. لا مكان آمن الآن، كل المدن والقرى المجاورة لولاية الجزيرة والمتاخمة لمدينة ودمدني هي مشروع مؤجل للهجوم والاشتباك والفرار. إذن الوجهة الحقيقة لكل هؤلاء الفارين هي المجهول المظلم القاتل، ولا شيء آخر. أما البائسون، اليائسون، من أوصلتهم التجربة إلى حدود العدمية واللا معنى، فقد قرروا البقاء بأمكنتهم في انتظار "موت مؤجل".
مرت تسعة أشهر على بدء "حرب الجنرالين"، أو سمها "الحرب العبثية"، كما أطلق عليها أحدهما. تسعة أشهر لم يتحقق فيها شيء يمكن حسابه لصالح المواطن أو الوطن
حرب الجنرالين
مرت تسعة أشهر على بدء "حرب الجنرالين"، أو سمها "الحرب العبثية"، كما أطلق عليها أحدهما. تسعة أشهر لم يتحقق فيها شيء يمكن حسابه لصالح المواطن أو الوطن. تسعة أشهر من الغثاء والغباء الإعلامي المشحون بالكراهية والشماتة والعبط المتبادل. تسعة أشهر من النزوح واللجوء والموت حزنًا وكمدًا على حياة فلتت من الأيدي ولن تمسك بها مرة أخرى وإلى الأبد. تسعة أشهر من الخسارات الاقتصادية الهائلة، والتدمير الممنهج للبنية التحتية للبلاد. تسعة أشهر من الخسران المبين ولا بصيص أمل في نهاية قريبة لكل هذا الهدر... لا شيء آخر تحقق، لا شيء.
الكلمات المفتاحية

ثلاثي إفناء الفاشر... الجوع والحصار والقذائف المدفعية
تكالبت الدنيا على الفاشر، العاصمة التاريخية لإقليم دارفور غربي السودان، وبات سكان المدينة على شفاء الإفناء التام، إن لم ينكسر الحصار، وتتوقف الحرب، أو تحدث معجزة في زمن اللا معجزات.

لماذا فشلت كل المبادرات السياسية حيال أزمة السودان؟
بعد مرور عامين على اندلاع الحرب في السودان، لم تُفلح أي من المبادرات السياسية المحلية أو الإقليمية أو الدولية في إيقاف القتال أو حتى التوصل إلى هدنة دائمة، وسط تصاعد العنف وتدهور الأوضاع الإنسانية

السودان.. لا يوجد ما يمنع التقهقر إلى مملكة سنارية تليدة؟
هل من الممكن أن يعود السودان عبر هذه الحرب إلى نقطة دولة سنار نفسها التي انهارت قبل قرنين؟

عامان من القتال: المجازر الكبرى والصغرى في حرب السودان
مع اختتام العام الثاني للحرب في السودان، ودخول العام الثالث، شهدت مناطق واسعة من ولاية شمال دارفور مجازر عنيفة ارتكبتها قوات الدعم السريع، التي تسعى لفرض سيطرتها على الإقليم المنكوب بالحروب والمجاعات، في ظل فساد الساسة والقادة.

بعد عامين من الحرب... إلى أين يتجه المشهد العسكري في السودان؟
تدخل حرب السودان عامها الثالث، وسط توقعات باشتداد وتيرة العمليات العسكرية في غرب البلاد وجنوبها، مع انخفاضها في الوسط، مما يؤكد استمرارها، لا سيما في ظل عدم وجود حل سلمي يلوح في الأفق لإيقاف القتال الذي خلف آلاف القتلى وشرد ملايين النازحين واللاجئين.

السودان… أزمة إنسانية واقتصادية على أعتاب حرب ثالثة
على أعتاب العام الثالث من حرب السودان تتنامى التحذيرات من موجات نزوح جديدة، وتفشي المجاعة في مناطق أكثر هشاشة بإقليم دارفور وكردفان، مع احتدام الصراع بين الجيش والدعم السريع خلال الشهر الماضي.

لاجئون سودانيون يبدأون رحلات شاقة لمغادرة مصر إلى بلادهم
مع عودة آلاف اللاجئين السودانيين من المدن المصرية تشهد المعابر حركة واسعة للحافلات وفق متابعة متطوعين في غرف الطوارئ بالولاية الشمالية، بينما رجح عاملون في تنسيق هذه الرحلات عودة نصف مليون لاجئ سوداني خلال هذا العام من مصر إلى بلدهم إثر سيطرة الجيش على العاصمة الخرطوم، وعودة الحياة بشكل متدرج.