29-سبتمبر-2021

الأزمة الحالية هي الأكبر منذ التوقيع على الاتفاق السياسي والوثيقة الدستورية (Getty)

 بكثير من الترقب والحذر، يُراقب السودانيون تداعيات الأوضاع ومآلات الصراع الذي انكشف على الطاولة بين شركاء الحكم في السودان، قبل أيام، وفتح باب المخاوف واسعًا أمام السودانيين نظير ما وصفه مراقبون بمحاولات "الردة عن طريق الانتقال، تفكيك الشراكة الهشّة وتقويض الحكم الانتقالي"، الأمر الذي قاد تيارات سياسية واسعة للاصطفاف خلف شعار "الردة مُستحيلة"، وإطلاق دعوات لتنظيم القواعد وسط لجان المقاومة والمجموعات المطلبية، تحسُبًا لسيناريوهات مُجربة في التاريخ السياسي السوداني.

المحاولة الانقلابية وما أتبعها من قصف مُتبادل بالاتهامات زادت أوضاع الشراكة تعقيدًا

وتداعت "حرب كلامية" حامية بين مكونات الحكم الانتقالي في السودان، على خلفية حالة التفلتات الأمنية بالعاصمة الخرطوم والولايات وتزامنها مع أحداث احتجاج مُستمر في شرق السودان، وأخيرًا المحاولة الانقلابية التي وقعت فجر الثلاثاء 21 أيلول/سبتمبر 2021، بالعاصمة الخرطوم، والتي زادت الأوضاع تعقيدًا. وما زالت وسائل الأنباء تشهد تراشُقًا مُتبادلًا بالاتهامات بين قيادات المكونين العسكري والمدني للسلطة الانتقالية، وسط تلويح كُل منهما للأخر بالتسبب في ردة وانتكاسات على مسار الانتقال في السودان.

اقرأ/ي أيضًا: محللون وسياسيون يقترحون مائدة مستديرة لمنع تفكك البلاد

وفي تطور لافت، الأحد الماضي، كشفت لجنة إزالة التمكين، إبلاغهم بواسطة قائد قوة الحراسة المشتركة لمقر اللجنة، عن صدور قرار من جهات عُليا، بسحب الحراسة عن مقار اللجنة، قبل أن تُعلن في مؤتمر صحفي، عن سحب القوات الأمنية لقوات الحراسة من كل المقار المُستردة بواسطة اللجنة والتي تبلغ (22) مرفقًا. بينما انسحبت، في ذات التوقيت قوة الحراسة الشخصية، لعضو مجلس السيادة محمد الفكي سليمان. 

وشهد مقر لجنة التفكيك، بالعاصمة الخرطوم، تجمهرًا واسعًا للجان مقاومة مكونات ثورية مختلفة، بعد سحب القوات الأمنية الحراسة عن مقر ومُستردات اللجنة، الأحد الماضي، في أجواء ثورية تُندد بالقرارات الصادرة عن قيادات المكون العسكري، ورفضًا لما وصفوه بمحاولات اختطاف الُسلطة. بينما يُحذر مراقبون، من تداعيات الأزمة التي قد تقود إلى انهيار شراكة الانتقال في السودان. 

أزمة متطاولة

ويرى المحلل السياسي وائل محجوب، أن الأزمة تصدرت المشهد في لحظات دقيقة من عمر الفترة الانتقالية، جاءت نتاج أزمات متراكمة وموروثة أبرز أسبابها ضعف الحكومة الانتقالية والعناصر الموجودة فيها، مُشيًرا إلى إنها "عناصر هشة تفتقد إلى خبرة إدارة الدولة"، ومُستدلًا بضعف الحاضنة السياسية. وزاد: "البعض حاول اختطاف القرار السياسي داخل الحاضنة وتجييرها لصالح مجموعة ضيقة لا تمتلك قاعدة أو سند سياسي حقيقي". 

وائل محجوب: حالة التفلتات الأمنية تُثير الأسئلة والشكوك حول نوايا ومخططات لإضعاف الحكومة المدنية

ووصف محجوب الوضع، في حديث لـ"الترا سودان"، بأنه بالغ التعقيد والخطورة ويهدد بانهيار الشراكة، مشددًا في الوقت ذاته، على أن تعطل الاجتماعات بين الشُركاء لفترة وعدم حضور المكون العسكري رسالة واضحة تُشير إلى "توسع الخلاف بين المكونين بصورة واضحة ومُعلنة".

 وقال وائل، في حديث لـ"الترا سودان"، أن الأزمة المتطاولة التي تعيشها البلاد منذ فترة، والتي تمثلت في حالة التفلتات الأمنية، والأحداث في شرق السودان والمحاولات الانقلابية الفاشلة، تثير الأسئلة والشكوك حول نوايا ومخطط لإضعاف الحكومة المدنية من بعض أطرافها، مشيرًا أنها سيناريوهات مشابهة، وقعت في أكثر من دولة وتثير المخاوف من اتجاه البعض لتقويض عملية التحول الديمقراطي.

اقرأ/ي أيضًا: تحركات لإنهاء أزمة الشركاء.. ومسؤول سابق يحذر من "تخدير" الأزمات

 ولفت المحلل السياسي، إلى أن غياب الحكومة في العديد من النواحي، وردود أفعالها الضعيفة تجاه الأحداث دون تقديم حلول سياسية أو أمنية، يفتح الباب لاستمرار وتوسع هذه الظواهر. وأشار إلى أن إلقاء اللوم على المكون العسكري وحده ليس كافيًا لأن الحكومة المدنية لها أدوار سياسية، وتابع: "إن أزمات المرحلة تتطلب حلولًا عملية من رئيس الوزراء والجهاز التنفيذي والولاة المدنيون أنفسهم".  

الأزمات الحالية تتطلب تدخُلًا من رئيس الوزراء وجهازه التنفيذي والولاة المدنيون أنفسهم

ونبه وائل محجوب، إلى ضرورة التحرك السياسي من أجل الوصول إلى منطقة وسطى قبل تفاقم الوضع. وختم حديثه بالقول: "الصورة القاتمة المرسومة الآن تتطلب تناديًا عاجلًا لكل القوى الثورية الحريصة على حماية الانتقال الديمقراطي، للتوحد في هذا التوقيت والتعامل مع الموقف الدقيق وفق خطوات عملية".

انتقال هش وتصعيد مُتسارع

الكاتب والمحلل السياسي عضو حزب الشيوعي السوداني، صديق الزيلعي، قال إن التحدي الآن والهدف الأساسي للسودانيين، هو وحدة كل قوى الثورة والتشاور الجاد والشفاف بينها لمعالجة أخطاء الماضي، والرجوع إلى ميثاق كانون الثاني/يناير 2019 وكل المساهمات الجادة التي قدمت.

ويضيف الزيلعي، في حديث لـ"الترا سودان"، أن محاولة الانقلاب الأخيرة كشفت عن هشاشة الوضع في البلاد. كما كشفت عن قيام المكون العسكري بالتصعيد السريع للأحداث، مُشيرًا إلى خطوات رئيس مجلس السيادة، عبدالفتاح البرهان، في استباق محموم للأحداث، بالهجوم الكثيف على المكون المدني، وتناغم نائبه "حميدتي"، معه في نفس الاتجاه وما وصفه بـ "التنسيق التام".

ويعتقد صديق، أن الجيش لا يملك حق الوصاية على الشعب، أو على أي سلطة من تلك السلطات الأساسية، انطلاقًا من الوضع الدستوري. مُضيُفًا: "ما نفهمه من تصريح الوصاية أن البرهان يقصد انه الوصي على شعبنا، لأن الجيش يبني على تراتبية صارمة، والقائد العام هو الآمر الناهي".

ويتابع المُحلل السياسي، يجب على "البرهان" العلم أن الجيش لا يشكل سلطة قائمة بذاتها، وإنما مؤسسة تتبع للسلطة التنفيذية، مُضيفًا: "الجيش هو مؤسسة من مؤسسات الدولة، ويتبع للسلطة التنفيذية، وأن السلطة التنفيذية هي إحدى السلطات الثلاث الوحيدة والأساسية في كل العالم الديمقراطي، وهي: السلطة التشريعية والسلطة القضائية بالإضافة للسلطة التنفيذية".

اقرأ/ي أيضًا: انقلابات متكررة في السودان بلا مظاهر عسكرية ودون مُحاكمات

وخاطب الزيلعي المكون العسكري قائلًا: "نُذكر من يحلم بفرض الوصاية علينا بأن هذا الشعب هو الذي يدفع قيمة الأسلحة، وهو الذي يصرف لهم مرتباتهم وامتيازاتهم، رغم فقره، كل ذلك لتحفظ أمن البلاد من أي عدوان، لا أن تحاكموه و تسلطوا عليه وتكمموا أفواهه. والأهم أنه أسقط ثلاثة دكتاتوريات عسكرية".

المحلل السياسي صديق الزيلعي: ما هو دور الجيش في حل الأزمة المعيشية للمواطن؛ رغم إنفاقه (82)% من موازنة الدولة؟

وتساءل صديق، حول أسباب تجاهل المكون العسكري للهجوم على قادة الانقلاب الأخير، وتوجيه الهجوم على القوى المدنية ووضع العراقيل أمام لجنة إزالة التمكين؛ ومضى قائلًا: "ها نعلنها صريحة بأن تقدموا من قلتم أنهم حاولوا الانقلاب إلى محاكمة علنية وعادلة، وأن يشمل ذلك من قلتم بأنهم حاولوا الانقلاب في السابق".

وزاد، ماهو دور المكون العسكري في حل مشاكل المواطن المعيشية رغم إنفاقه (82)% من اقتصاد السودان، ورفض كل محاولات ولاية وزارة المالية على المال العام، والتي تتضمن المؤسسات التي أنشأها النظام البائد من موارد البلاد. وتابع: "لماذا تعاملتم بهذا العداء مع الضباط الذين قاموا بحماية المعتصمين؟ ولماذا إصراركم على عدم إرجاع الضباط المفصولين؟".

اقرأ/ي أيضًا: "المحاولة الانقلابية".. لنساء السودان كلمة

وختم صديق الزيلعي حديثه بالقول، "أنتم مؤسسة من مؤسسات الدولة ولشعبنا الحق وكامل الحق في نقدكم. وإذا كنتم لا تتحملون النقد لماذا إصراركم على التمسك بالحكم وممارسة السياسة؟ ولشعبنا الحق الكامل في تقييم مواقفهم وممارساتهم هل تتوافق مع ثورتنا وتتجانس مع تطلعات شعبنا أم هي مواقف مضادة له ومعطلة لتقدمه".

الزيلعي: الجيش مؤسسة دولة، وللشعب السوداني الحق الكامل في نقده وتقييم موقفه وممارسته

وكان رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان، قد فتح النيران على القوى المدنية، الجمعة الماضية، قائلًا إنه لا يتشرف بالجلوس مع ناشط سياسي يتهمه بالخصم من رصيده السياسي، ردًا على تصريح عضو مجلس السيادة محمد الفكي التعايشي الذي أوضح في لقاء تلفزيوني الجمعة، أن الشراكة بين المدنيين والعسكريين في توقيع الوثيقة الدستورية خصمت من "رصيده السياسي" عقب مجزرة القيادة العامة.  

اقرأ/ي أيضًا

لجنة التنظيم والعمل الميداني تعلن عن مليونية لقطع الطريق أمام الانقلابات

5 أيام من المحاولة الانقلابية.. كيف يبدو المشهد؟