26-سبتمبر-2021

طفت للسطح خلافات عميقة بين المكونين المدني والعسكري (Getty)

ما زالت أصداء المحاولة الانقلابية صبيحة الثلاثاء 21 أيلول/سبتمبر تخيم على أجواء المشهد. وبالرغم من أن المرحلة الانتقالية منذ بداياتها شهدت عدة محاولات للانقلاب على حكومة الثورة، إلا أن المحاولة الأخيرة كانت الأشد تأثيرًا على المشهد السياسي.

حيث أثارت ردود الفعل الأولية وما تواتر من أنباء صباح الثلاثاء مخاوف الشعب من الانقلاب على الحكومة المدنية، خاصةً عندما شرع التلفزيون القومي في بث الأغاني الوطنية، وقبيل اتضاح الحقائق كاملة.

انقسم الشارع إلى قسمين بين قائل بحدوث انقلاب مدعوم من فلول النظام البائد، ومن يرى في المحاولة مسرحية لجس نبض الشارع 

وعقب المحاولة الانقلابية انقسم الشارع السوداني إلى قسمين، بين قائل بحدوث انقلاب مدعوم من فلول النظام البائد، ورأي آخر وصف المحاولة بالمسرحية لجس نبض الشارع عقب أكثر من عامين من عمر الانتقال.

اقرأ/ي أيضًا: "المحاولة الانقلابية".. تمظهرات أزمات الشراكة وتفكك قوى الحرية والتغيير

وأكد رئيس الوزراء عبدالله حمدوك بأن المحاولة الانقلابية كانت تخطيطًا من فلول النظام السابق بهدف إجهاض عملية الانتقال السلمي، مشيرًا إلى حالة الفوضى والانفلات الأمني التي شهدتها البلاد في أجزاء متفرقة.

أزمة كاملة.. ما الحل؟

وانتقد نائب رئيس مجلس السيادة محمد حمدان دقلو، خلال حفل تخريج للقوات الخاصة بمدينة أم درمان الأسبوع الفائت، المكون المدني بقوله إن السياسيين أعطوا فرصة لقيام الانقلاب، معللًا بأنهم أهملوا المواطن ومعاشه وخدماته الأساسية.

ورد وزير شؤون مجلس الوزراء خالد عمر يوسف، في مقابلة مع تلفزيون الجزيرة، بأن ما ورد من تصريحات للعسكريين تمثل تهديدًا للتحول الديمقراطي. قائلًا: "بعض الجنرالات يقرأون من الكتاب القديم".

وفي ذات السياق سمى الناشط السياسي غازي الريح المحاولة الانقلابية بـ"حركة التمرد" داخل الجيش. وعزا أسباب التمرد لترك قضية إصلاح المؤسسات الأمنية للمكون العسكري بعيدًا عن المدنيين.

وقال غازي الريح أن التمرد كشف عورة الاتفاق السياسي بين المدنيين والعسكريين. ودلل على حديثه بأن الاتفاق بين شركاء الحكم لم يقم على مصلحة البلاد، وقال "لم يكن اتفاقًا وطنيًا حقيقيًا"، موضحًا اختطاف أربعة أحزاب للمشهد السياسي و قوى الحرية والتغيير، دون تمثيل كامل لكل قوى الثورة.

ودعا الريح قوى الحرية والتغيير للاتعاظ ومراجعة المواقف السياسية، وتوسيع قاعدة المشاركة داخلها لتشمل وتستوعب كل القوى الثورية الحية، لمواجهة أطماع العسكر في السلطة، واصفًا المشهد بـ"أزمة بلد كاملة".

أزمة ثقة 

أربعة أيام عاشها الشعب السوداني في حالة من الترقب، في حين شهد المشهد السياسي لأول مرة عقب مرحلة الانتقال حالة من الشد والجذب بين المكون المدني والعسكري. فكيف نقرأ الأحداث؟

للإجابة على هذا السؤال يقول الأكاديمي والمحلل السياسي فتح الرحمن أحمد، إن المحاولة الانقلابية تعددت مسمياتها ما بين التمرد والاحتجاجات داخل صفوف القوات المسلحة أو المسرحية المفبركة، وبالتالي -بحسب ما يقول فتح الرحمن- تعددت القراءات سياسيًا.

ومضى بالقول إن التعامل مع المحاولة الانقلابية سار في خطين متوازيين، في إشارة لضعف درجة التعايش بين المكون المدني والعسكري، حيث القى كل طرفٍ اللوم على الآخر.

واستطرد في الحديث بأن المحاولة الانقلابية أشارت لانعدام الثقة وضعفها بين الشق المدني والعسكري، واختلاف الرؤية في التعامل مع كل الملفات، بما في ذلك ملف الانتقال. 

اقرأ/ي أيضًا: محاولة انقلابية فاشلة.. هل تنجح لاحقًا؟

موضحًا أن حادثة الانقلاب ألقت بتأثيرات سالبة على الأوضاع الأمنية والاقتصادية. ما يستدعي -بحسب فتح الرحمن- مراجعة جميع المواقف السابقة، مشيرًا لرسائل من دول العالم عبر بيانات رسمية لدعم التحول المدني وإدانة أي محاولة انقلابية مستقبلًا، وإعادة قراءة المشهد عسكريًا ومدنيًا. ودعا الأطراف إلى إظهار وتمليك الحقائق للشعب.

حذر وترقب

وانتظمت بشوارع الخرطوم عقب المحاولة الانقلابية، وقفات احتجاجية ومسيرات دعمًا للانتقال السلمي الديمقراطي بالبلاد. ونشط وسم صورة الشهيد "عبدالعظيم" بين نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، وفاءً لعهد الشهداء ومفقودي الثورة.

الناطق باسم قوى الحرية والتغيير: القائمون بالمحاولة الانقلابية يتبعون لفلول النظام البائد

وفي ذات الاتجاه، قال الناطق الرسمي باسم قوى الحرية والتغيير جعفر حسن، إن القائمين بالمحاولة الانقلابية يتبعون لفلول النظام البائد، مؤكدًا لـ"الترا سودان"، أن كل مدني وعسكري تورط بالمحاولة يتبع لحزب المؤتمر الوطني المحلول، مشيرًا بأن التحريات لم تكشف بعد تورط جهات خارجية.

وزاد بالقول، إن كل تصرف يتسم بالعنف يعد مرفوضًا من قوى الحرية والتغيير. وقال إن الثورة انتصرت بالسلمية، موضحًا أن حادثة حرق مدرعة تابعة للشرطة الخميس الماضي، يقف خلفها أنصار النظام البائد لخلق أزمة بين القوات النظامية والثوار، على حد قوله.

ووصف حالة الحذر السائدة بين مكونات الشعب بـ"الطبيعية"، مؤكدًا على قدرة الشعب السوداني على تجاوز العقبات. وختم حديثه لـ"الترا سودان" بالقول بأن قوى الحرية والتغيير تسعى لاستقرار السودان من أجل جذب فرص الاستثمار وتدوير عجلة الإنتاج.

انقلابات عسكرية مرت على تاريخ السودان

وشهد السودان أول انقلاب بتاريخ 1957 قادته مجموعة من ضباط الجيش والطلاب الحربيين ضد أول حكومة وطنية ديمقراطية بعد الاستقلال برئاسة إسماعيل الأزهري.

ونجح الفريق إبراهيم عبود بالوصول للسلطة عبر انقلاب ضد حكومة ائتلاف حزبي الأمة والحزب الاتحادي الديمقراطي 1958.

وفي "1969" وصل جعفر نميري إلى سدة الحكم عبر انقلاب متحالفًا مع عدة أحزاب قومية.

ونفذ الضابط هاشم العطا ومجموعة من الضباط انقلابًا على حكومة النميري 1971 وانتهى الانقلاب بعد يومين بإعدام المشاركين فيه.

وفي عهد النميرى وقع انقلاب بقيادة الضابط بالجيش حسن حسين 1975.

ونفذ العميد محمد نور سعد محاولة انقلابية عبر عناصر تسللت من الحدود من ليبيا إلى السودان 1976.

واستمر انقلاب 1989 مدة ثلاثين عامًا بقيادة الرئيس المخلوع عمر البشير. 

وفي 1990 أعدم الرئيس السابق البشير 28 ضابطًا اتهموا في محاولة انقلابية.

اقرأ/ي أيضًا

"المحاولة الانقلابية".. لنساء السودان كلمة

إصلاح المؤسسة العسكرية أو الطوفان