09-أغسطس-2021

(المحكمة الجنائية الدولية)

حراك ماراثوني بين السودان والمحكمة الجنائية الدولية في العام 2020 تُوج بزيارة المدعي العام للمحكمة فاتو بنسودا للقصر الرئاسي في الخرطوم الذي طالما جلس فيه المخلوع عمر البشير متحديًا قرارات المحكمة خلال سنوات حكمه.

التحركات المكوكية بين الجنائية والسودان العام الماضي ومطلع العام الجاري انتهت إلى تطورات مهمة، حيث أجاز مجلس الوزراء مشروعًا ينتظر موافقة نهائية من المجلس التشريعي المؤقت للانضمام إلى ميثاق روما الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية الأسبوع الماضي.

كثفت الجنائية اتصالاتها مع الخرطوم منذ عام وتوجت بالوصول إلى عتبة ميثاق روما

 لكن المشروع الذي وضعه الجهاز التنفيذي المدني برئاسة عبدالله حمدوك ينتظر اعتماده في اجتماع مشترك بين مجلسي السيادة الانتقالي والوزراء، أي بين المدنيين والعسكريين.

اقرأ/ي أيضًا: الأمطار تشل الخرطوم في ظل تدهور كبير للبنية التحتية

وتُلاحق المحكمة الجنائية الدولية مسؤولين بارزين في عهد النظام البائد هم الرئيس المعزول عمر البشير ووزير الدفاع الأسبق عبدالرحيم محمد حسين ووالي شمال كردفان ووزير الشؤون الإنسانية في سنوات الحرب الأهلية في دارفور أحمد هارون.

ويمثل أمام المحكمة الجنائية الدولية في مقرها في لاهاي حاليًا علي عبدالرحمن كوشيب القائد السابق في مليشيات رعاها نظام المخلوع بينما اتسمت عملية ذهابه إلى لاهاي بغموض كبير ما بين معلومات عن تسليم نفسه طواعية ومعلومات أخرى تتحدث عن إلقاء القبض عليه في دولة أفريقيا الوسطى العام الماضي.

وإذا ما وافق الاجتماع المشترك بين مجلسي السيادة والوزراء على الانضمام الى ميثاق روما فإن السودان سيكون ملزمًا بتسليم مطلوبي المحكمة الجنائية الدولية وإنهاء جدل يدور منذ سنوات، في نفس الوقت هناك أصوات داخل السلطة الانتقالية عن إمكانية مثول المطلوبين داخل السودان أمام هيئة قضائية دولية لتفادي نقلهم إلى لاهاي.

واعترض تسليم مطلوبي الجنائية الدولية عقبات داخلية بسبب عدم وجود توافق بين مكونات السلطة الانتقالية التي تنقسم بين العسكريين والمدنيين.

ويُشكك الأمين العام للجنة التسييرية لنقابة المحامين والخبير الدستوري الطيب العباس في تصريحات لـ"الترا سودان"، في موافقة الاجتماع المشترك بين مجلسي السيادة والوزراء على اعتماد مشروع مجلس الوزراء للانضمام إلى ميثاق روما.

ويرى العباس أن إجازة مجلس الوزراء مشروع الانضمام لميثاق روما خطوة إيجابية، لافتًا إلى أن المشروع  جاء نتيجة توقيع مذكرة تفاهم بين النائب العام السابق تاج السر علي حبر ووزير العدل نصرالدين عبدالبارئ الشهور الماضية.

ويقول العباس إن قرار الانضمام الى الدول الموقعة على ميثاق روما الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية خطوة كبيرة تحتاج إلى عملية سياسية من التحالف الحاكم للعب دور كبير في إتمامه  حتى لا يتعرض للعرقلة.

وأضاف: "وارد تعطيل انضمام السودان إلى المحكمة الجنائية".

وأردف العباس: "إذا اعتمد مشروع مجلس الوزراء في الاجتماع المشترك؛ ستكون الخرطوم ملزمة بتسليم البشير ومعاونيه فورًا دون أي تأخير، لكنني أشك في مرور القرار بشكل سلس".

ولدى قادة في السلطة الانتقالية اعتقاد أن التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية يعد تدخلًا في شؤون البلاد، وأدى هذا الاعتقاد إلى فتور في رغبة الخرطوم في تسليم مطلوبي الجنائية الدولية.

وعرضت الأجهزة الأمنية للنظام البائد حياة العديد من المعارضين والنشطاء للخطر بتهمة التعاون مع المحكمة الدولية وفي السنوات التي تلت إصدار مذكرة توقيف بحق الرئيس المخلوع عمر البشير.

وكان جهاز الأمن يلاحق المعارضين والنشطاء ويُهدد بتصفيتهم ومن بينهم العديد من غادروا البلاد خوفًا على حياتهم، لكن عقب الإطاحة بالنظام البائد ارتفعت الآمال بشأن التعاون بين الخرطوم والجنائية.

ويقول المحامي والناشط الحقوقي عثمان البصري لـ"الترا سودان"، إن العقلية التي ترفض التعامل مع المحكمة الجنائية الدولية ما تزال مستمرة في السلطة الانتقالية، بالتالي لا يتوقع اعتماد مشروع مجلس الوزراء في الاجتماع المشترك بين السيادي والجهاز التنفيذي بالانضمام إلى ميثاق روما.

ويشير البصري إلى أن موافقة الخرطوم على الانضمام إلى الجنائية "خطر داهم" لكل شخص يعد نفسه ليتولى السلطة بالبطش والتنكيل، لافتًا إلى أن السلطة الانتقالية لا تخلو من هذه الوجوه.

ويتولى المجلس التشريعي المؤقت مقام البرلمان الانتقالي، وهو مجلس يتشكل من مجلسي السيادة والوزراء وفقًا لنص الوثيقة الدستورية الموقعة بين المدنيين والعسكريين في العام 2019.

ويقول المحلل السياسي زاهر عمر، إن مجلس الوزراء سارع بإعداد مشروع الانضمام إلى ميثاق روما لأن تمريره في الاجتماع المشترك مع مجلس السيادة يعد سهلًا مقارنة مع المجلس التشريعي الانتقالي، لأن الأصوات المتعددة قد تعرقل المشروع.

ويضيف عمر لـ"الترا سودان": "أتوقع مرور المشروع خاصة وأن من نتخوف من أنهم قد يعرقلون المشروع لديهم تصورات جديدة لتقديم أنفسهم إلى المجتمع الدولي باعتبارهم قادة للبلاد".

اقرأ/ي أيضًا: السودان يدعو أطراف النزاع بالحركة الشعبية في المعارضة لوقف المواجهات

ويقلل المحامي عثمان البصري من رفع سقف التفاؤل بشأن اعتماد مشروع الانضمام إلى ميثاق روما في الاجتماع المشترك بين السيادي والجهاز التنفيذي، وقال إن اعتماد المشروع يعني السماح بتدخل المحكمة الجنائية الدولية في قضايا مستقبلية وسابقة حال شعرت بضعف القضاء السوداني، وهو أمر قد يتجنبه بعض قادة السلطة الانتقالية الذين تحوم حولهم انتقادات بشأن الانتهاكات.

محلل قانوني: تدخلت الجنائية لأن القضاء الوطني غير راغب وغير قادر على تحقيق العدالة

وأضاف: "إذا تم اعتماد المشروع يعد نصرًا للمدنيين".

ويرى البصري أن مناهضي الانضمام الى المحكمة الجنائية يبررون ذلك بوجود مؤسسات عدلية وقضائية لديها استعداد لوضع حد للإفلات من العدالة، لكن هذا حديث غير صحيح.

وزاد: "القضاء السوداني غير قادر وغير راغب في تحقيق العدالة، وتحتاج المؤسسات القضائية والنيابية الى إصلاحات جذرية وشاملة وملموسة".

ويؤكد البصري أن معركة الموافقة على ميثاق روما تخص القوى المدنية والحزبية في قوى الحرية والتغيير والحركات المسلحة، لكنها غائبة عن هذا المشهد لأنها غير مكترثة.

اقرأ/ي أيضًا

"الثورات الملونة".. هل كان السودان نموذجًا؟

السودان يستدعي سفيره من إثيوبيا عقب رفض الوساطة السودانية في حرب تيغراي