30-أغسطس-2021

(التلغراف)

شرعت الحكومة الانتقالية بالتعاون مع برنامج الأغذية العالمي، في العمل على خطة طموحة لإعادة ثالث أكبر شبكة سكك حديدية في القارة لمجدها القديم، في محاولة لإعادة ربط البلاد ببعضها البعض، وتقليل تكاليف النقل والترحيل، وتخفيف الضغط على الطرقات السفرية التي يتم استخدامها حاليًا لنقل البضائع والمعدات، إلى جانب التنقل بين الولايات.

في هذه المقالة المترجمة عن صحيفة "التلغراف" البريطانية، يستكشف "سيمون تاونسلي" هذه الجهود في جولة بمحطة القطارات بمدينة عطبرة، أرض الحديد والنار ومهد الثورة السودانية.


يضحك المدير العام لمؤسسة السكك الحديدية السودانية وليد محمود أحمد وهو جالس بجوار المقر البريطاني الاستعماري القديم لمدير السكة حديد على ضفاف نهر النيل، ويشرح ببطء أثناء تناول الشاي المحلى بالبسكويت، مهمته الكبرى.

شبكة سكك حديدية فعالة في هذه الزاوية من العالم يمكن أن تمثل "خط حياة" للملايين

يجب أن يجد المدير العام طريقة لإحياء ثالث أكبر شبكة سكك حديدية في إفريقيا، وإعادة واحدة من مفاخر البلاد إلى مجدها السابق. يقول: "إنها في حالة سيئة. سياسات النظام السابق دمرت جزءًا كبيرًا من سكك الحديد".

اقرأ/ي أيضًا: "الذهب الأبيض".. هل يعود لواجهة الاقتصاد السوداني؟

وأعلن السودان في الشهر الماضي عن خطة بقيمة نصف مليار جنيه لتجديد شبكة السكك الحديدية المتهالكة التي بناها الاستعمار البريطاني منذ أكثر من قرن. هذا الدعم جزء من خطة الحكومة الانتقالية لإعادة بناء الدولة بعد انتهاء دكتاتورية عمر البشير في ثورة 2019.

وقال برنامج الأغذية العالمي (WFP) لصحيفة التلغراف، إن نظام سكك حديدية فعال في هذه الزاوية من العالم يمكن أن يمثل "خط حياة" للملايين، ويساعد العاملين في المجال الإنساني على توفير الغذاء للمحتاجين في دارفور ودولة جنوب السودان وحتى إقليم تيغراي في إثيوبيا.

يقول مصطفى أحمد فضل، وهو مدير متحف صغير في مدينة عطبرة على بعد مسافة قصيرة سيرًا على الأقدام من مكان الإقامة الاستعماري الفخم الذي تظهر عليه آثار السنين -يقول إن تاريخ السودان الحديث يمكن سرده من خلال السكك الحديدية.

ويروي المتحف الذي يديره فضل، كيف وُضعت بعض الخطوط الضيقة الأولى من القاهرة على يد القوات المصرية-البريطانية الغازية بقيادة الجنرال هربرت كتشنر في أواخر تسعينات القرن التاسع عشر.

واستخدم كتشنر القطارات لإمداد قواته أثناء سيرهم عبر الصحراء. وعندما وصلوا إلى ضواحي العاصمة الخرطوم، قتلوا حوالي (12) ألف جندي من جنود المهدية بالمدافع الرشاشة، حيث استعمرت الإمبراطورية البريطانية الأراضي الشاسعة للسودان.

وبعد حوالي ستين عامًا، ردت السكك الحديدية السودانية، وطالب عشرات الآلاف من النقابيين في قطاع السكك الحديدية بالحرية، مما جعل موقف بريطانيا لا يمكن الدفاع عنه.

"لقد بدأ التغيير في السودان دائمًا من هنا في عطبرة"، كما يقول مدير المتحف القديم وهو يسارع إلى الداخل هربًا من عاصفة رملية متصاعدة. "انظر إلى هذا؟" يقول وهو يحمل في يده قطعة من الفحم. "هذا من بارنسلي. كان هذا وقود القطارات البخارية في السودان".

اقرأ/ي أيضًا: مستقبل النفط في السودان.. تحديات تطوير القطاع وزيادة الإنتاج

عند الاستقلال عن بريطانيا في العام 1956، كان قد شُيدت بالفعل حوالي (2500) ميل من مسارات القطارات عبر الصحراء. قطارات تعمل من مناجم الذهب في الغرب إلى حقول القطن والقمح في الشرق باتجاه البحر الأحمر، وتربط السودان الجديد معًا.

 تأمل الحكومة الانتقالية في تعزيز اقتصادها المنهار وربط الخطوط القديمة بإثيوبيا وتشاد وجنوب السودان

ولكن بعد ذلك في عام 1989 جاء البشير. ومنح الديكتاتور الإسلامي المتشدد لجنرالاته احتكارات مربحة لشاحنات النقل، وكسر ظهر النقابة، تاركًا السكك الحديدية للصدأ وسط سحابة من الفساد وسوء الإدارة.

بعد الإطاحة بالبشير، تأمل الحكومة السودانية الانتقالية في تعزيز اقتصادها المنهار وربط الخطوط القديمة بإثيوبيا وتشاد وجنوب السودان. وأفادت تقارير أن الصين وبنك التنمية الإفريقي وشركات خليجية مجهولة أبدت بالفعل اهتمامها بالمشروع الضخم.

وتريد الحكومة في نهاية المطاف تحويل المسارات بأكملها إلى الحجم القياسي الأوسع لمطابقة سكك حديد مصر وكينيا. ولا يمكن للمرء أن يبالغ في تقدير ضخامة هذا التحدي. إن حظائر القطارات التي تعود إلى الحقبة البريطانية في عطبرة، والتي تعد مركزًا مهمًا، تبدو حاليًا كمقابر أكثر منها ورش عمل. حيث يتدافع العشرات من المهندسين والميكانيكيين الذين يرتدون الشباشب بين أكوام ضخمة من الخردة المعدنية والعربات المعطلة، ويمسحون العرق باستمرار من على وجوههم في درجة حرارة تتجاوز (46) درجة مئوية.

قاطرات من ألمانيا والولايات المتحدة والهند والصين متوقفة ومعطلة، مغطاة بسنوات من الرمال والحصى. معظمها محطّم بشكل لا يمكن إصلاحه، مع الزجاج الأمامي المحطّم والمحركات الصدئة.

هناك حوالي (130) قاطرة في البلاد. ومع ذلك، ما يزال هناك عدد قليل من الوظائف بالهيئة. أكثر من عقدين من العقوبات الأمريكية تعني أنه من الصعب الحصول على قطع الغيار.

اقرأ/ي أيضًا: استخدام بطاقات "فيزا" لأول مرة في السودان بعد عقود من العزلة المالية

يقول المهندسون في الحظيرة إن عليهم شراء قطع الغيار المستعملة من أماكن مثل رومانيا وكوريا الجنوبية، وغالبًا ما يجدون أنفسهم في النهاية الخاطئة لصفقة مراوغة.

يقود برنامج الأغذية العالمي مهمة إعادة تأهيل عدة أقسام من السكك الحديدية في السودان

حوالي نصف الشبكة في حالة من الخراب. في العديد من الأماكن التي من المفترض أن يعمل فيها الخط، لا يمكن للسائقين تجاوز (10) أميال في الساعة خوفًا من الخروج عن المسار. وبالتالي، قد يستغرق الأمر أكثر من أسبوع لعبور البلاد.

من جانبها، تكافح هيئة السكك الحديدية للحصول على وقود كافٍ لتحريك قطار (300) متر فقط أو دفع رواتب عمالها، مما يعني أن الموظفين غالبًا ما يضطرون إلى بيع الخردة لشراء الطعام.

ويتذمر أحد العمال قائلًا: "عندما كنت طفلًا، كان يمكن أن تضبط ساعتك بمواعيد القطارات. كانوا منضبطين في الوقت. الآن، القطارات تغادر كيفما اتفق".

ويتعين على برنامج الأغذية العالمي إرسال آلاف شحنات الغذاء على طول الطرق السريعة الخطرة في السودان، والتي تصطف على جانبيها الشاحنات المحترقة والمقلوبة. لذلك، تقود المنظمة مهمة إعادة تأهيل عدة أقسام من السكك الحديدية خلال السنوات القليلة الماضية.

ويخطط البرنامج لإنفاق عشرات الملايين من الجنيهات الإسترلينية لمساعدة الحكومة السودانية على تجديد حوالي مائة قاطرة وعربة، وإصلاح أنظمة الإشارات وتدريب الموظفين الجدد.

يقول رئيس برنامج الأغذية العالمي في الخرطوم إيدي رو: "سيصبح نظام النقل بالسكك الحديدية المحدث شريان حياة لسلسلة الإمدادات الغذائية في جميع أنحاء السودان وخارجه".

ويضيف بالقول: "إن إعادة تأهيل خطوط السكك الحديدية الرئيسية سيجعل نقل الأغذية المنقذة للحياة والمساعدات أسرع وأرخص وأكثر أمانًا وأكثر صداقة للبيئة. وهذا سيمكن برنامج الأغذية العالمي من إنقاذ الأرواح وتغييرها. إنه استثمار منطقي لشعب السودان والحكومة والمنطقة بأسرها".

اقرأ/ي أيضًا: إعفاء 14.1 مليار دولار من ديون السودان

ينظر مدير محطة عطبرة عبدالرحمن إدريس أحمد إلى منصة القطارات شبه المهجورة وهو جالس في غرفة الانتظار التي يكسوها الغبار وهو يقول: "في الماضي كان يمر حوالي (30) قطارًا عبر هذه المحطة يوميًا. الآن يمر أحيانًا عدد قليل من قطارات البضائع وقطار ركاب واحد إلى الخرطوم. وفي أحيان أخرى، لا يأتي أي قطار على الإطلاق".

مدير محطة عطبرة: في الهند ركزوا على بنيتهم ​​التحتية. ركزوا على السكك الحديدية الخاصة بهم. لكن هنا كانت لدينا سياسات المصلحة الذاتية

وأضاف: "في الهند، ركزوا على بنيتهم ​​التحتية. ركزوا على السكك الحديدية الخاصة بهم. لكن هنا كانت لدينا سياسات المصلحة الذاتية. [النخبة] أرادت امتلاك أسطول من الشاحنات [بدلًا عن القطارات]، لذلك عانينا".

وعبّر عن أمله في أن تتمكن بريطانيا من الاستثمار في السكك الحديدية السودانية، حيث كانت أول دولة أنشأت هذه المؤسسة العظيمة في البلاد. وعلى مر السنين، لعبت السكك الحديدية دورًا كبيرًا في انفتاح البلاد وفتح عقول الناس، كما يقول مدير المحطة، لينهي حديثه بالقول:

"إنها في حالة سيئة ولكننا نكافح من أجل تحسينها".

اقرأ/ي أيضًا

تجمع الأجسام المطلبية: الحكومة تريد إنشاء قطاع مواز للتعدين وتخشى الهيكلة

المركزي يعلن تخصيص 858 مليون دولار من صندوق النقد الدولي