01-نوفمبر-2019

اجتماع لنساء بجبال النوبة (NRRDO)

عانت جبال النوبة من أطول حرب في القارة الإفريقية، ٢٠ عامًا من الحرب قبل التوقيع على اتفاقية السلام الشامل عام 2005، لتندلع الحرب مجددًا في العام 2011 مستمرة قرابة الخمس سنوات، دُمرت خلالها المنطقة بالكامل وعانى السكان من آثارها الكارثية. كانت النساء هن الأكثر تأثرًا بالحرب في جبال النوبة. "الترا سودان" فتح ملف نساء جبال النوبة وتحدثت مع الناشطة "جليلة كوكو" التي سردت عبر التقرير التالي معاناة النساء في قصص مسكوت عنها.

(19) محلية في جبال النوبة لاتزال مناطق مغلقة وتتداول العملة السودانية القديمة في عمليات الشراء والبيع

جغرافيا منغلقة على ذاتها

ساد جو من الهدوء منذ العام 2017 عندما أعلن القائد "عبد العزيز الحلو" رئيس الحركة الشعبية المسيطرة على أراض واسعة بجبال النوبة وقف إطلاق النار، وعاد جزء من الأهالي إلى مناطقهم ليعملوا بالزراعة. ومع ذلك تقول جليلة كوكو إن 19 محلية لاتزال تعتبر مناطق مغلقة فقد فيها الناس الكثير من ممتلكاتهم الخاصة، ولا توجد بها أسواق بالمعنى الحرفي للكلمة، ويعاني المواطنون في تلك المناطق من ارتفاع أسعار السلع الأساسية، فإذا كان سعر السكر للرطل-على سبيل المثال- يساوي 50 جنيهًا في العاصمة الخرطوم فإنه هناك يساوي ١٥٠ جنيهًا أو أضعاف هذا السعر، وهكذا الحال مع بقية المواد الغذائية.

اقرأ/ي أيضًا: "شطاية".. قرية دارفورية عانت الرعب والدمار على أيدي "الجنجويد"

وينشط في هذه المناطق المغلقة تجار التهريب الذين يتاجرون في السلع البسيطة بأضعاف ثمنها، وينطبق ذلك حتى على عملية "تحويل الرصيد" للهاتف، حيث يرسل أبناء تلك المناطق الذين يعملون بالعاصمة ومدن السودان الأخرى، المال لأسرهم عن طريق كروت شحن الهواتف الجوالة، ولكن عندما يحاولون بيعها في تلك المناطق يخصم منها 30% من قيمتها.

وعن التعامل بالنقد والعملة في هذه المناطق تسرد كوكو قصصًا أقرب إلى الخيال، تقول "أن المحليات ذات الجغرافيا المنغلقة تُتداول فيها ثلاث عملات هي: عملة جنوب السودان والدولار وعملات الحكومة السودانية القديمة، فيما يخص الأخيرة لم يجد تجار العملة وسيلة لتغييرها نسبة لطبيعة المنطقة وظروف الحرب، ورغم أن بعض التجار تمكنوا من السفر إلى الخرطوم لكن تم اعتقالهم، وبعد الإفراج عنهم أجبروا على الانضمام إلى الجيش السوداني ليقاتلوا أهلهم، وإلا فإن مصيرهم سيكون حكمًا بالإعدام.

"كل شيء يتم تدميره بالأنتينوف" هكذا قالت جليلة كوكو بحسرة، وتابعت في سرد حكايات الناس: كثير من سكان جبال النوبة يتعالجون بالأعشاب والوصفات المحلية، لأن قذائف الأنتينوف دمرت المستشفيات والبنى التحتية، ولا يوجد إلا المستشفى العسكري، وهو يبعد عشرات الكيلومترات من المناطق السكنية.

بسبب الحرب المتواصلة وآثار تدمير الأنتينوف هاجر الكثير من السكان إلى معسكر (كاكوما) الواقع شمال كينيا، ليحظوا بحياة توفر أقل المقومات من تعليم وعلاج، لكن مؤخرًا رفع جزء من المنظمات يدهم عن المعسكر وأصبح جزءًا من الطلاب خارج منظومة التعليم.

اقرأ/ي أيضًا: طلبة الجامعات السودانية.. جهود مشتركة لنبذ العنف وتعزيز الحوار

تروي كوكو قصة أم أودعت أطفالها بأحد هذه المعسكرات، وحين تركوا المدرسة سافرت الأم عن طريق مدينة جوبا لتلتقي بتجار بشر لتسهيل مهمة إحضار الأطفال وتهريبهم. دفعت الأم أموالًا طائلة وعانت من رحلة قاسية في سبيل الالتقاء بأطفالها. 

أما في معسكر (إيدا) الذي يقع داخل دولة جنوب السودان ويضم كثيرًا من نازحي جبال النوبة، فقد مارست الحكومة السودانية المعزولة ضغطًا كبيرًا على دولة الجنوب لترفع يدها عن رعاية المعسكر، فتم ترحيل أجزاء من النازحين إلى منطقة (قامير) غرب الاستوائية وهي ذات طبيعة وعرة. وتعكس جانبًا من معاناة الناس هناك قصة فتاة حبلى حانت ساعة ولادتها في جنوب السودان، ولم تتمكن القابلة من المساعدة ولم تجد عربة تقلها إلى مستشفى (فاريان) بولاية الوحدة إلا بعد ساعات. حينها كانت الفتاة وجنينها بين الحياة والموت.

اقرأ/ي أيضًا: أمر قبض ضد المراجع العام.. ودفاع المعزول يتهم النيابة بـ"التأثير على العدالة"!

ليس لفقراء المدن إلا الله

لم تعترف حكومة المؤتمر الوطني بنازحي جبال النوبة الذين وصلوا إلى المدن، وبالتالي أقاموا معسكراتهم الخاصة حول الخرطوم، فنشأت مناطق (جبرونا) و(زقلونا) و(أنغولا)-تحيل معاني المنطقتين الأولى والثانية إلى النبذ والغيتو، وهناك عاش ضحايا الحروب وعملوا في مهن هامشية، وتفرق الأطفال بين الأسواق وظلت لعنة حرب جبال النوبة تطاردهم حتى وهم في الشمال.

قضت جليلة كوكو عدة أشهر داخل سجن النساء بأم درمان، في عهد النظام السابق لأنها كانت تدافع عن نساء جبال النوبة، وداخل السجن وجدت عنبر كامل يسمى (السيرة) خاص بفتيات جبال النوبة. ضم أكثر من ٣٠ سيدة مهنتهن العمل في المنازل، كان من بين مشاهدات كوكو في السجن فتاة كانت تعمل بإحدى المنازل، وتتعرض باستمرار للاغتصاب من زوج السيدة التي تعمل لديها، وعندما أخبرت ربة عملها بما يجري لها اتهمتها بالكذب وطالبتها بالصمت، فما كان من الفتاة إلا أن سرقت ابن السيدة وهربت لتنتقم منهم. تم القبض عليها وفي المحكمة لم تتجرأ لتخبر القاضي بقصة الاغتصابات المتكررة. حكم عليها بالسجن ٢٠ عامًا!

يتم تداول عملة جنوب السودان والدولار الأمريكي وعملات الحكومة السودانية القديمة

تقول جليلة كوكو إن كل هذه الحوادث هي نتاج الحرب الطويلة والتهميش الذي تعرضت له منطقة جبال النوبة، وتشدد "السلام لا يقدر بثمن"، وتضيف: نحتاج للعودة إلى جبال النوبة ونحتاج للعدالة الاجتماعية والتعويض العادل لمتضرري الحرب، وبرامج تنموية جاذبة بمناطقنا حتى يعود إليها فقراء المدن من أبناء الجبال.

 

 

اقرأ/ي أيضًا

بسبب الجوع.. معارضة جنوب السودان تترك معسكرات التدريب!

الحكومة والثورية توقعان على الإعلان السياسي ووقف العدائيات