11-فبراير-2022

تفاقم الأزمة الاقتصادية في السودان (الجزيرة)

"تخاض الحروب من الدول لتغيير الخرائط. ولكن حروب الفقر تخاض لوضع خريطة التغيير" محمد علي كلاي

"الفقر لا يسبب التعاسة في حد ذاته، لكن المشاكل المترتبة عليه هي التي تجعل الإنسان تعيسًا" المخرج شريف عرفة.

لا يمكن الحديث عن الفقر دون تحديد سمات الاقتصادي السوداني، فمن الصعب إيجاد تصنيف محدد للاقتصاد السوداني -بحسب آراء خبراء اقتصاديين- وتحديد أي الأنظمة الاقتصادية المطبقة في البلاد.

خلف الله: لا دليل على أن السودان سلة غذاء للعالم، وبالبحث وجدت أن السودان يعاني مشكلة أمن غذائي

 ويتردد مسمى الاقتصاد الحر أو الرأسمالي، مع ذلك نشاهد التدخلات المباشرة من الحكومة على سلسلة من القرارات من مختلف المدارس الاقتصادية على حسب الأزمة الموجودة، سواء كانت مشكلة في ندرة السلع الأساسية أو التضخم أو سعر الصرف وغيرها، بجانب ملاحظة ضعف في آليات تنفيذ القرارات، وتدخل المنظومة الدفاعية والأمنية في نشاط القطاع الخاص، بالإضافة إلى غياب الشفافية والمنافسة الحرة والتعاقدات والمناقصات الحكومية، وبجهة أخرى تتبنى الحكومة نظام تمويل يسمى بالنظام الاقتصادي الإسلامي فيما يختص بعدة بنوك.

أسطورة غذاء العالم

تقاس معدلات الفقر بمتوسط دخل الفرد خلال عام، وبالنظر إلى مجموع الناتج الإجمالي (26) مليار دولار وقسمته على عدد السكان يبلغ دخل الفرد في السودان (600) دولار في العام.

ويقسم العالم إلى أربعة أصناف هي الدول الفقيرة ومتوسط دخل الفرد فيها أقل من (1300) دولار في العام، وذات الدخل المتوسط من الدرجة الأدنى، وذات دخل متوسط من الدرجة العليا، والدول الغنية. 

وفي هذا الصدد يقول وزير المالية والاقتصاد الوطني بحكومة ظل حزب بناء السودان، مجاهد خلف الله، إن الدخل القومي في السودان تراوح في الأعوام من 2019 إلى 2021 في حدود (35-26) مليار دولار، أما الواردات خلال ذات الأعوام تراوحت في حدود (8) مليار دولار، و(3) مليار دولار للصادرات، والفرق بينهما (4 إلى 5) مليار دولار. 

ويكمل خلف الله، بأن ثمة فهم سائد إن السودان يحوي موارد مميزة ومؤهل ليصبح سلة غذاء العالم، وهذا حديث غير صحيح. ويتابع قوله: "لا دليل على إن السودان سلة غذاء للعالم، وبالبحث وجدت أن السودان يعاني مشكلة أمن غذائي".

ويضيف خلف الله قائلاً، بأن الموارد الموجودة لاتجعل السودان مميزًا عن بقية دول العالم. وضرب مثالًا بنهر الكونغو الذي يبلغ معدل تدفقه أضعاف نهر النيل، والموارد المتاحة غير مستغلة، وفي أفضل الفروض عندما تستغل سيتحول السودان لدولة عادية وليست غنية.

 وبحسب ما يشير خلف الله فإن الثروة الحقيقية تنتج عن العمل البشري، وقال إن السودانيون إذا ما أرادوا يومًا تغذية أمريكا فسيحتاجون للعمل (56) عامًا متواصل لتوفير طعام للشعب الأمريكي خلال عام واحد في ظل الظروف الحالية.

ملف الديون

في العام المنصرم، اتفق البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في بيانٍ مشترك، على إعفاء (23) مليار من ديون السودان، ليستكمل بمبادرات أخرى تقدر بـ(50) مليار دولار، ويمثل ذلك (90%) من إجمالي الدين الخارجي للسودان. كيف يساعد إعفاء الديون من التخفيف من حدة الفقر؟

اقرأ/ي المزيد من المواضيع المشابهة

الدولار الأمريكي يبدأ في الصعود بعد أشهر من الثبات في السوق الموازي

زيادات جديدة في أسعار الوقود وتحذيرات من تأثيرات سيئة على الاقتصاد

وفي هذا الاتجاه، يصف وزير الصناعة والتجارة بحكومة الظل بحزب بناء السودان، محمد طه، الاقتصاد السوداني بالضعيف، من خلال مراقبة الناتج المحلي المقدر بـ(26) مليون دولار، وضعف الإنتاج والصادرات المتركزة على القمح والسمسم والفول والذهب واللحوم والماشية الحية، وبسبب ضعف الناتج الإجمالي وضعف حجم الإيرادات مقابل المنصرفات تظهر مشكلة العجز باستمرار.

وهل العجز المالي مشكلة اقتصادية كبرى؟ بجيب محمد طه، بأن العجز بحد ذاته ليس مشكلة، إنما المشكلة عندما تلجأ الحكومة لتمويل العجز عن طريق طباعة العملة، مما يعني بأن الجنية سيفقد قيمته ويزداد التضخم.

وفيما يتعلق بقضية الديون الخارجية، يقول طه إن إجمالي الديون تقدر بـ(56) مليار، ويشكل أعضاء نادي باريس (50%) من الدين العام الخارجي للسودان، وتقدر نسبة (56) مليار للناتج المحلي بـ(215%) و (14%) ضعف من قيمة الصادرات.

ويمضي محمد طه في حديثه لـ"الترا سودان" بالقول، بتاريخ 29 تموز/يوليو من العام المنصرم، أقر البنك الدولي بتقدم الآداء في برنامج الإصلاح الاقتصادي للحكومة، ووافق على تأهل السودان من خلال مبادرة "الهيبك" وهي المبادرة المعنية بالدول الفقيرة المثقلة بالديون، وبوصول السودان لاتخاذ القرار بمبادرة "الهيبك" دخل في برنامج التأمينات الاقتصادية الموسعة، وكان يمكن للسودان -بحسب ما يقول محمد طه- أن يتلقى قرض أو تمويل محدود لميزان المدفوعات ومثال عليها الموازنة، تساعده على معالجة التداعيات الناتجة من برنامج الإصلاحات الاقتصادية، مثل تخفيض دعم الطاقة وتحرير سعر الصرف وتقوية القطاع المالي، بالإضافة لتعزيز أوضاع البنوك المتعثرة وقضايا الحوكمة والشفافية خاصة في قطاع المؤسسات المملوكة للدولة.

هل إعفاء الديون يعد مخرجاً من الفقر؟ بحسب ما يؤكده محمد طه، لا يعد مخرجاً، وإنما بوصلة يجب أن نجيد استخدامها للسير في الطريق الصحيح، وفي حال تم إلغاء كل الديون سيبقى السودان دولة فقيرة ذات اقتصاد ضعيف، في حين إن مساهمة إعفاء الديون تساعد في اتاحة الفرصة للإستدانة مرة أخرى، بالاعتماد على حجم القروض والفائدة وسنوات السداد، ويبقى السؤال كما يقول محمد طه هو أين ستنفق الديون؟ ليجيب بإن التوجه للمشاريع التنموية مثل البنى التحتية والسكك الحديدية والطاقة، حينها ستصرف الديون في قطاع التنمية، وسيجوز لنا القول بأن الديون ساهمت في تخفيف معدلات الفقر.

اقتصادي: يجب صرف الديون في المشاريع التنموية للتخفيف من حدة الفقر

روشتة البنك الدولي..علاج مؤقت أم جذري؟

في تشرين الأول/أكتوبر 2021 وصل رئيس البنك الدولي "ديفيد مالباس" للسودان، وتعد الزيارة هي الأولى من نوعها منذ ما يقارب (5) عقود. وأعلن حينذاك تخصيص مبلغ (2) مليار دولار للحكومة السودانية، على هيئة منح لدعم جهود الدولة في الحد من الفقر وتعزيز النمو الاقتصادي. وبعد أحداث 25 تشرين الأول/أكتوبر واستيلاء الجيش على الحكومة، علق البنك الدولي المساعدات التي يقدمها للسودان.

وبحسب ما يقول القيادي في الحزب الشيوعي السوداني صدقي كبلو، فإن اهتمام البنك الدولي بالفقر يعود تاريخه لوزير الدفاع الأمريكي الأسبق "روبرت سترينج مكنمارا" الذي تولى رئاسة البنك الدولي 1968 فبدأ اهتمام البنك بأجندة الفقر، المتمثلة في تلبية الاحتياجات الأساسية للمواطن، والمقصود الخروج من حد الفقر.

ينظر كبلو للارتباط الوثيق والعلاقة الغرائبية بين سياسة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، فالأول يحارب الفقر والثاني يساعد على انتشاره. وأكمل بقوله، إن هذه العلاقة أظهرت مفهوم شبكة الحماية الاجتماعية وتعني زيادرة الأجور، وصولاً لدولة الرفاه عبر تقديم مساعدات نقدية للأفراد، وهو ما ترجم في السودان ببرنامج ثمرات.

وثمرات هو برنامج دعم مالي مباشر للأسر بقيمة (5) دولارات للفرد بسعر الصرف السائد ببنك السودان المركزي، ويحدد المبلغ الكلي المقدم للأسر بحسب حجم أفراد الأسرة.

وللتعليق حول الروشتة الموصوفة من البنك الدولي للسودان، يعود القيادي بالحزب الشيوعي صدقي كبلو للقول: "اشتمل البرنامج على عدد من العيوب منها إن المبالغ المحددة لا تساعد الأفراد فعليًا، لأنها أقل مقارنة بقضايا رفع الدعم. وضرب مثلاً بقضية المواصلات، حيث إن قيمة البرنامج للفرد لا تغطي زيادة المواصلات، خاصة وإن الأبناء أصبحوا يهاجرون للدراسة من خلال استخدام المواصلات العامة.

واستدرك كبلو: "إن برنامج ثمرات تميز بعدم الشمولية، وكانت الحكومة تسعى لأن يشمل البرنامج (66%) من الشعب السوداني في المدن والأرياف، وعندما نفذ المشروع باستخدام تقنية الهاتف الجوال والرقم الوطني، لم يتعدَ بعض أطراف المدن الرئيسية مثل منطقة الحاج يوسف وبورتسودان وجزء من مدن دارفور، وصُدِمت الحكومة بأن الأفراد ببعض الأحياء الفقيرة لا يملكون رقم وطني". ويكمل حديثه بأن البرنامج ساعد في التضخم، مع غياب أدوات وآليات مرتبطة بإنتاج سلع جديدة.

ويشير كبلو لفشل روشتة البنك الدولي في السودان، بسبب توقف برنامج ثمرات بعد أحداث 25 تشرين الأول/أكتوبر، وتعليق المنحة بقيمة (2) مليار دولار للمساهمة في البنى التحتية ودعم قطاعي التعليم والصحة. 

الفقر في المستقبل

بحسب دراسة صادرة من وزارة العمل والإصلاح الإداري 2017؛ قدرت نسبة الفقر في السودان بـ(65%) مع تزايد حالات البطالة وسط الفئة العمرية (18-35) عام.

وفي سياق متصل، أقرّ عضو اللجنة الاقتصادية بقوى الحرية والتغيير عادل خلف الله، بتزايد نسبة الفقر، وعزا الأسباب لسياسات النظام البائد، التي انتهجها وزير المالية الأسبق "عبدالرحيم حمدي" 1992 وهي سياسة اقتصاد السوق الحر.

ويمضي خلف الله قائلاً لـ"الترا سودان": "إن تلك السياسات قلصت دور الدولة في العملية الاقتصادية والاجتماعية، وخرجت من تقديم الدعم للسلع الأساسية مثل الخبز والدواء والمحروقات ومسؤولية توفيرها". وتابع مضيفًا: "مع تزايد حدة الفقر والبطالة، تحولت المجموعات الشبابية في سن الإنتاج لقنابل اجتماعية وسياسية وفكرية".

كبلو: برنامج ثمرات تميز بعدم شموله للمدن والأرياف وفاقم من مشكلة التضخم 

وأوضح عادل خلف الله، بأن الحكومة الانتقالية التي تكونت عقب الثورة في 2019 شهدت انتكاسات، تمثلت في استمرار النهج الاقتصادي للنظام البائد، وظلت عناصره مسيطرة على مفاصل الاقتصاد في الدولة، يقول: "حكومتي د.عبدالله حمدوك، والحكومة الحالية، ساروا على ذات النهج الاقتصادي الذي وضعت الحركة الإسلامية اللبنات الأولى له". مبينًا إن الدولة تنصلت من واجباتها الاجتماعية والسيطرة على عدد من القطاعات، وفي مقدمتها المعادن والذهب والاتصالات والنقل، بجانب عدم تشكيل بورصة للذهب والمحاصيل، والتردد في إنشاء وتأهيل شركات المساهمة العامة، والتي من شأنها تحسين قطاع الإنتاج في الزراعة والصناعة".

مشكلة الفقر في السودان قديمة وأزلية، وتحدي يواجه الحكومة كل يوم، في وقتٍ يكافح فيه الأفراد ليحصلوا على (600) دولار سنوياً. مع ذلك ينظر السودانيين للفقر كضيف زائر سيرحل في حال توفرت الإرادة السياسية للقضاء عليه.

اقرأ/ي أيضًا

"المركزي" يعتزم رفع التمويل الأصغر لملاحقة التضخم والتغييرات الاقتصادية

13 ألف برميل يومياً من خام بترول الجنوب إلى الموانئ السودانية