29-يونيو-2020

مظاهرات 30 يونيو 2019 (Getty)

مثلت مواكب 30 حزيران/يونيو 2019 المليونية، التي أتت بعد جملة من الأحداث العصيبة في مسيرة ثورة كانون الأول/ديسمبر 2018، مثلت واحدةً من نقاط التحول الأساسية، التي أعادت عجلات قطار الثورة، في قضبانها مرةً أخرى. كما كانت هي ما أسهم بشكلٍ كبير، في إعادة التفكير لدى العقل العسكري، بأن هذه الثورة لا تشبه مثيلتيها السودانيتين: تشرين الأول/أكتوبر 1964، ونيسان/أبريل 1986

مواكب 30 حزيران/يونيو  كانت ردًا شعبيًا لسلسلة من محاولات الردة على الثورة والانقلاب عليها

وفي ذات الوقت أرسلت ذات الرسائل في بريد المحاور التي كانت تشد الأطراف السياسية السودانية، كل طرفٍ إلى مصلحته ومحوره، وما الزيارات المشتعلة المحمومة إلى السعودية والإمارات إلا دليلٌ على ذلك.

اقرأ/ي أيضًا: 30 يونيو: تصحيح مسار أم تجذير قاعدي للفعل الثوري؟

30 حزيران/يونيو كانت ردًا شعبيًا لسلسلة من محاولات الردة على الثورة والانقلاب عليها. صحيح أن قمة جبل هذه الردات كان في فض اعتصام القيادة العامة، وما صاحبه من بشاعات تنضاف إلى سلسلة بشاعة الفعل السياسي السوداني، من عنبر جودة، إلى الإبادات البشعة في جنوب السودان، ودار فور، وجبال النوبة وجنوب كردفان. لكن 30 حزيران/يونيو كانت نقطة التحول الأبرز.

الردات الممنهجة التي كانت تقوم بها جهات عسكرية ومدنية، ضد رغبات وأمنيات التغيير ضد الثوريين تمثلت في أحداث عديدة، منها عصابات النيقرز التي هتفت السماعات المكبرة في ليلةٍ واحدة، على مساجد معظم أحياء الخرطوم لبث الرعب والتخويف عند الناس. وفي سحب القوات الأمنية التي شرطها وقسمها حماية المواطن. 

اقرأ/ي أيضًا: أسر الشهداء: القصاص ليس للتشفي ونحمي الحكومة وننتظر دولة القانون

والردات الممنهجة كانت في فصل خدمة الإنترنت عن الناس، وهو حقٌ إنسانيٌ أصيل حتى لا يتناقل الناس ويتعرفوا على بشاعة فض الاعتصام، لكنه رغمًا عنهم ظهر وتناقلته الميديا العالمية.

الردة كانت أظهر ما يكون في البيان الذي تلاه رئيس المجلس العسكري الانتقالي وقتها، ورئيس مجلس السيادة الانتقالي الحالي، بطريقة بيانات الانقلابات العسكرية

سلسلة الردات على الثورة كان أظهر ما يكون في البيان الذي تلاه رئيس المجلس العسكري الانتقالي وقتها، ورئيس مجلس السيادة الانتقالي الحالي، بطريقة بيانات الانقلابات العسكرية. نافضًا يده من كل الاتفاقات مع القوى السياسية، ومهددًا بانتخاباتٍ في تسعة أشهر.

سلسلة الردات على الثورة، ظهرت في خروج العقارب المحسوبة على الإعلام من مخابئها، وانتاجها أقذر فيلم، أطلقت عليه خفافيش الظلام. ترجو عبره تشويه الثورة والثوار، بذات طريقة أفلام ساحات الفداء البغيض، وبقية منتجات مؤسسة الفداء. ليس ذلك فحسب وإنما العديد من المقالات المحرضة ضد الثوار والاعتصام وساحته، واعتبار كل ذلك فوضى يجب التعامل معها بالقوة العسكرية.

كل هذه السلسلات من الردات، كانت تتمنى إرجاع عقارب الساعة للوراء. وكان ظن المجلس العسكري، ومن يقفون خلفه حينها، أن سلسلة الإجراءات الأمنية ستنسي الشباب السودانيين ثورتهم، وتخيفهم، ليخلوا لهم الجو، فيبيضوا ويصفروا. ولكن هيهات. فقد خرجوا كالنمل. ليس من تشبيهٍ لمواكب ومليونيات 30 حزيران/يونيو غير  النمل. يكاد المراقبون ليقسموا أن السودانيين لم يخرجوا في تاريخهم البعيد، ولا القريب كما خرجوا في ذلك اليوم. وهم صادقون في قسمهم. فقد استحالت الشوارع في ذلك اليوم، بالرغم من انقطاع خدمة الإنترنت، إلى فيضاناتٍ بشرية.

ما أخرج هذه الفيضانات البشرية في ذلك اليوم، هو الاتفاق على القضية الواحدة، والغضب الذي أعمى العيون، جراء ما حدث من انتهاكات بشعة منذ فض الاعتصام وما تلته من أحداث. سبب آخر أن القوى السياسية ولجان المقاومة وتجمع المهنيين وكل الأجسام الثورية، متفقة على هدفٍ واحدٍ، وسببٍ واحدٍ، ضد عدوٍ واحد.

اقرأ/ي أيضًا: معاول البناء الهدام

الآن، الأوضاع لا تنفصل عن 30 حزيران/يونيو. فما تزال ذات التجاذبات تتناوش قوى الثورة، وبذات القدر وربما أعنف؛ القوى السياسية بشكلٍ أكبر. فقد رصدت الأحداث التخبطات الكبيرة في التأييد لمليونية 30 حزيران/يونيو من الأحزاب السياسية نفسها، التي تمثل الحاضنة للحكومة الانتقالية التي أنتجتها الثورة. وكان غريبًا أنْ تعلن ذات هذه الأحزاب والكيانات السياسية التأييد للمليونية.

لجان المقاومة، والأجسام الثورية التي دعت للمليونية، هي صاحبة زمام المبادرة، والمؤثر -ما تزال- في الأحداث

الشاهد في مليونية 30 حزيران/يونيو الآن يشير بجلاءٍ ووضوح، تأمينِ: أن لجان المقاومة، والأجسام الثورية التي دعت إلى المليونية، هي صاحبة زمام المبادرة، والمؤثر -ما يزال- في الأحداث. وأن الأحزاب السياسية، تشكو من تشتتٍ وإنهاكٍ وضعف، بالمقارنة مع لجان المقاومة، والأجسام الثورية الأخرى. والأخيرة نفسها غزتها الخلافات، فقد شهدنا الاختلاف واضحًا في مليونية 30 حزيران/يونيو، حيث تحفظت عدد من لجان المقاومة على المواكب بحججٍ صحية، أو تقديرات سياسية.

اقرأ/ي أيضًا

النزاعات القبلية: نظرة لما بعد نظريات المؤامرة

أشباح الماضي ترتدي أقنعة الحاضر