01-يوليو-2022
حشود

أم درمان على الموعد رغم تاريخٍ حافلٍ بالعنف والدماء

أم درمان كالعادة لا تخلف ميعادًا ثوريًّا، وتشكّل حضورًا طاغيًا على الرغم من جميع أشكال العنف التي تشهدها المدينة حتى أضحى ضربًا من المستحيل أن لا تقدم شهيدًا على الأقل في أيّ موكب أو تظاهرة معلَنة. وعلى الرغم من كل الانتهاكات التي شهدتها المدينة الأكثر تعرّضًا للعنف، لم تُجرِ السلطات حتى اللحظة أيّ تحقيقٍ ولو صوري حول هذه الانتهاكات والمجازر التي ترتكب في كل مرة، حتى أضحت المدينة بين شهيد وجريح، فإلى متى تظل تنزف أم درمان؟ 

طبيب بقسم الطوارئ بمستشفى أم درمان: معظم الإصابات بالرصاص الحي في الرأس والصدر

إصابات مميتة بالرصاص 

"إطلاق الرصاص أصاب المتظاهرين في أماكن مميتة" - هكذا أجاب طبيب كان مرابطًا بقسم الطوارئ بمستشفى أم درمان التعليمي، إجابةً عن سؤال "الترا سودان" لحظة وصول أعداد كبيرة من الجرحى والمصابين أمس الخميس.

حالة من الذهول والحزن والغضب سيطرت على جميع الموجودين بقسم الطوارئ بمستشفى أم درمان، مع تزايد أعداد المصابين، على رأس كل دقيقة حتى امتلأت العنابر تمامًا.

وأكّد طبيب بقسم الطوارئ أنهم اضطروا إلى تحويل بعض الحالات لخطورة الإصابات، مضيفًا أن "معظم الإصابات بالرصاص الحي في الرأس والصدر".

https://t.me/ultrasudan

قبلة وداع الشهداء 

وقف مراسل "الترا سودان" على أوضاع المصابين بمستشفى أم درمان، من خلال جولة ميدانية داخل المستشفى، عقب تزايد أعداد المصابين للتعرف على نوعية الإصابات التي غلب عليها الرصاص الحي لجهة تخضيب العنابر بالدماء.

وفي أحد العنابر التي أسلم فيها أحد المتظاهرين روحه إلى بارئها تجمّع عددٌ من المتظاهرين حول جثمانه، ووقف كل منهم ليطبع قبلة الوداع على رأس الشهيد فيما يُشبه وعد الأحياء للأموات بألا نكوص عن العهد.

دم
أرضية مستشفى أم درمان غارقة بدماء المصابين في "مليونية 30 يونيو" بالأمس (الصور خاصة بـ"الترا سودان")

والدة شهيد في المشرحة 

"كنت برافقك في كل موكب الليلة مالي ما مشيت معاك" – هذا ما رددته والدة أحد الشهداء باكيةً حتى فقدت وعيها في مشرحة مستشفى أم درمان في انتظار جثمان ابنها الشهيد الذي أصيب برصاصة قاتلة، وتجمهر حولها عددٌ كبيرٌ من المتظاهرين في انتظار الانتهاء من عمليات التشريح التي يعكف عليها مدير المشرحة البروفيسور جمال يوسف وعدد من الأطباء.  

وقتها كان قد بلغ عدد الشهداء أربعة شهداء تم التعرف على ثلاثة منهم، حسب تأكيدات مدير المشرحة في حديثه لـ"الترا سودان".

احتشاد مبكر

بمثل ما أعلنت لجان المقاومة (الجهة التي تنظم التظاهرات الشعبية) انطلقت المواكب مبكرًا على غير العادة؛ ففي تمام الساعة الحادية عشر صباحًا بدأ المتظاهرون في الاحتشاد عند نقاط التجمع المعلنة، وتحرك الموكب بالمسارات المحددة مع ترديد هتافات تدعو لإسقاط الانقلاب العسكري وتطالب بمحاسبة قتلة المتظاهرين.

حشود
حشود مهيبة في مواكب "مليونية 30 يونيو" بأم درمان (الصور خاصة بـ"الترا سودان")

حضور لافت لكبار السن 

حشود ضخمة توافدت إلى نقطة التجمع الرئيسة للمتظاهرين حتى ضاق شارعا الشهيد عبدالعظيم (الأربعين سابقًا) والموردة بالحشود. 

ولاحظ مراسل "الترا سودان" المشاركة الفاعلة والحضور اللافت من الفئات العمرية الأكبر سنًا في مواكب "مليونية 30 يونيو" بأم درمان، لجهة أن حضورها في السابق لم يكن بنفس المستوى.

كبار السن
حضور لافت لكبار السن في مواكب "مليونية 30 يونيو" بأم درمان (الصور خاصة بـ"الترا سودان")

عنف مبكر 

منذ حوالي الساعة الواحدة ظهرًا، وصلت المواكب إلى مبنى المجلس الوطني (البرلمان) بالقرب من كبري "الحديد" الرابط بين الخرطوم وأم درمان؛ حيث ارتكزت أعداد كبيرة من القوات المشتركة وبدأت مباشرةً في إطلاق الرصاص الحي والغاز المسيل للدموع بكثافة على غير العادة؛ إذ كانت تلجأ في السابق إلى الرصاص الحي بنهاية الموكب، ما أدى إلى وقوع إصابات من الوهلة الأولى. وعلى الرغم من التعامل العنيف لم يتراجع المتظاهرون وظلوا في مواقعهم في بسالةٍ نادرةٍ وصمودٍ أسطوري. وقعت إصابات كثيرة بلغت (65) إصابة في مستشفى أم درمان حتى الساعة الرابعة عصرًا ونحو (50) إصابة بمستشفى الأربعين الذي ظل يستقبل إصابةً على رأس كل دقيقة بسيارات الإسعاف والدراجات النارية.

تصميم رغم القتل

ورغم العنف والقتل، لاحظ مراسل "الترا سودان" تصميمًا وسط المتظاهرين على المقاومة من أجل تحقيق أهداف الثورة، بجانب بروز مطالب بتنويع أدوات الحراك بما فيها العصيان المدني والإضراب السياسي وإغلاق الشوارع والطرقات بالحواجز الأسمنتية والاعتصام، إلى جانب تكثيف العمل الثوري ببث الوعي بالمخاطبات الجماهيرية والفعاليات المتعددة.

متظاهرون يزيلون الحاويات

بعد استمرار عمليات الكر والفر نجح متظاهرون قبالة جسر الفتيحاب من كسر الطوق الأمني وإزالة الحاويات التي أُغلق بها الجسر وتمكنوا من الوصول إلى مدينة الخرطوم والالتحام بالمتظاهرين في محيط موقف شروني، قبل أن يتراجعوا جميعًا صوب مستشفى الجودة للمبيت والاعتصام أمام المستشفى.

وفي السابعة صباحًا، انطلق موكبٌ صوب القصر الرئاسي ووصل إلى موقف شروني، قبل أن تتصدى له القوات الأمنية التي ظلت مرابطة طوال ليلة أمس وحتى اليوم، ليعود المتظاهرون مرةً أخرى لإحياء اعتصام مستشفى الجودة، مع تزايد الدعوات بالانضمام إلى الاعتصام. 

تسعة شهداء 

وأعلنت لجنة أطباء السودان المركزية عن ارتفاع حصيلة قتلى تظاهرات مليونية الثلاثين من حزيران/ يونيو إلى تسعة شهداء، إلى جانب مئات الإصابات التي يتم رصدها في مستشفيات ولاية الخرطوم.