يندر أن يمر أمامك شريط إخباري يحمل أخبارًا عن حرب السودان في محطة تلفزيونية إقليمية أو من دولة مجاورة، ما يُظهر انزواء السودان عن شاشات العالم الذي لم يعد يحفل بهذا البلد الذي يكافح فيه المدنيون للعودة إلى منازلهم التي تركوها في تغييرات قد تدوم إلى الأبد.
طلبت امرأة فرت من الخرطوم جراء الحرب من أحد الملمين بالتقانة رؤية منزلها عبر الأقمار الصناعية، وهو ما يُظهر كيف تُرك السودانيين وحدهم
قبل أسبوعين طلبت امرأة كانت تسكن في حي "كافوري" شمالي العاصمة الخرطوم من أحد الملمين بتقنية الأقمار الصناعية الحصول على صورة تقريبية لمنزلها، علها ترى ما فعلت الحرب بمسكنها.
تُظهر هذه الواقعة التي سردتها هذه السيدة لـ"الترا سودان" مدى الإحباط وفقدان الأمل في العودة إلى الديار. هي فقط تريد أن تلقي نظرة على منزلها حتى وإن كان في "صورة تقريبية" مصدرها الأقمار الصناعية، ولا تدري كيف سيطمئن قلبها وهي لن تتمكن من مشاهدة التفاصيل الصغيرة داخل منزلها.
كما تبين الواقعة أيضًا تحول العالم عما يحدث في السودان من تدمير وقتل للمدنيين في حرب وضعت مستقبل نصف سكان البلاد –نحو (25) مليون شخص– على المحك، فيما يقول آخرون إن العالم لم يكترث بالسودان قط.
ربما أخيرًا قرر المجتمع الدولي أن يمنح نفسه فرصة لمشاهدة ما يحدث في هذا البلد الممتلئ بالأسلحة والمظالم التاريخية التي قد تنفجر مثل بركان مع تقدم الوقت. فالخميس القادم سيعقد مجلس الأمن الدولي جلسة خاصة بالوضع في السودان هذا البلد المنسي عن العالم حسب ما وصفت منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في السودان كلمنتين نكويتا سلامي، وقالت إن السودان يتجه إلى أزمة طويلة الأمد ما لم يتدارك العالم ما يحدث فيه من فظاعات بحق المدنيين.
يبدو أن السودان حصل أخيًرا على انتباه جزء من العالم بصرخة سلامي في جلسة مجلس الأمن الدولي. ومع ذلك فإن الصراع المسلح في هذا البلد ربما تحول إلى "روتين يومي" للخارج الذي لم يعرف عنه سوى الحروب الأهلية من جنوب السودان إلى إقليم دارفور، لكن هذه المرة جاءت الحرب مختلفة، وربما لم ينتبه العالم إلى هذا الأمر: أن مركز البلاد –تلك المدينة الكبيرة الشاسعة وعاصمة البلاد– تشهد أسوأ حرب في الإقليم حسب وصف أحد الدبلوماسيين لدى مغادرته الخرطوم بعد أسبوع من القتال.
يقول الدبلوماسي السابق عبدالرحمن إبراهيم لـ"الترا سودان": "لم يفعل العالم شيئًا للسودانيين ولن يفعل. تركهم يواجهون مصيرًا محتومًا في خضم صراع على السلطة كان يمكن تفاديه بقليل من الضغوط الغربية، لكنها لم تفعل"، مؤكدًا أن "الغرب لم يتفاجأ بالحرب".
ربما يأمل السودانيون في المقام الأول في تحرك دولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية بأن تلقي بثقلها على منبر جدة وتسرع في وضع حد للاقتتال من خلال الميسرين السعوديين والأمريكيين والدبلوماسيين الأفارقة، لكن لواشنطن ربما لم يحن الوقت لوضع السودان على رأس أولوياتها. هذا ما لمسته عندما سألت مصدرًا من السفارة الأمريكية بالخرطوم عن بطء الولايات المتحدة في الملف السوداني، فأجاب قائلًا: "نعم، بطء شديد. لم تتحرك واشنطن بالقدر المطلوب، وأخشى أنها لا تعلم تعقيدات الوضع في السودان".
مع استمرار منبر جدة في البحث عن مقاربة تعيد الطرفين المتحاربين إلى عملية بناء الثقة لدفعهما إلى وقف العدائيات، تدور معارك في الخرطوم، وتشن عناصر الدعم السريع هجمات على قاعدة للجيش جنوب العاصمة منذ ثلاثة أيام.
في ظل هذا الوضع ومع شواهد تحدد ملامح حرب طويلة الأمد ولا سيما بعد تدمير جسر "شمبات" ومخاوف من تدمير مصفاة الخرطوم –المصدر الرئيسي لمشتقات الوقود لسكان السودان– فإن هناك بصيص أمل ربما في زيارة رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان إلى كينيا التي لطالما دخلت في حرب تصريحات مع قادة الجيش في السودان منذ بداية الحرب.
تأتي زيارة البرهان إلى كينيا في أعقاب زيارته إلى المملكة العربية السعودية ومشاركته في القمة الأفريقية السعودية ولقائه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
يشعر السودانيون إزاء تراجع اهتمام العالم بالحرب في بلادهم وكأنهم تركوا دون أي بصيص أمل، فالرافعة الدولية هي التي ظلت تحدد اتجاهات السلم والحرب في السودان.
كيف يستعيد السودانيون انتباه العالم لحربهم؟ يجيب على هذا السؤال عضو في المكتب التنفيذي لقوى الحرية والتغيير– المجلس المركزي: "بالتواصل المستمر الذي لم ينقطع مع المجتمع الدولي، خاصة مع المهتمين بالشأن السوداني – الولايات المتحدة الأمريكية والسعودية وإثيوبيا وكينيا".