26-أكتوبر-2022
جانب من الاحتجاجات في أم درمان

جانب من الاحتجاجات في أم درمان (الترا سودان)

لم يكن الخامس والعشرين من تشرين الأول /أكتوبر يومًا عاديًا في ذاكرة السودانيين، فهو يرتبط بتوصيفات يختزنها كل منهم على طريقته الخاصة، إذ أن بعضهم يعتبرونه خيانة وانقلابًا عسكريًا على التحول المدني الديمقراطي، بعد سنوات قضتها البلاد تحت قبضة الحكم العسكري، وآن لها التحرر بعد انتصار ثورة كانون الأول/ديسمبر 2018. ومنذ عام تتواصل التظاهرات الشعبية بدون توقف لتقدم نحو (118) شهيدًا، حيث كان آخرهم الشهيد قاسم، وبلغ عدد المصابين أكثر من خمسة آلاف جريح حتى الآن، ما يؤكد مدى الإصرار والعزيمة لوضع حد لنهاية الانقلابات العسكرية في البلاد.

هدوء حذر

كعادة الأيام التي تغلب عليها الدعوات للتظاهر بكثافة، هدوء حذر يشوب الشوارع الرئيسة بأم درمان، مع ضعف واضح في حركة السير، بينما أشعل محتجون إطارات السيارات في عدة نقاط إيذانًا ببدء تجمع المتظاهرين.

منذ وقت مبكر وقبيل الساعة الواحدة ظهرًا، بدأ المتظاهرون في التوافد إلى مراكز التجمع داخل الأحياء السكنية بأم درمان

منذ وقت مبكر وقبيل الساعة الواحدة ظهرًا، بدأ المتظاهرون في التوافد إلى مراكز التجمع داخل الأحياء السكنية بأم درمان، ومنها صوب المسارات المحددة عند نقاط الالتقاء المؤدية إلى المجلس الوطني؛ يحملون الطبول والأعلام واللافتات المناوئة للانقلاب العسكري، والمطالبة بإسقاطه وإقامة الحكم المدني الديمقراطي.

 جسر شمبات

في جولة ميدانية لـ"الترا سودان"، لم يرصد أي تواجد عسكري أو انتشار للقوات النظامية قبالة كوبري شمبات ناحية أم درمان، بينما خلت الشوارع من تواجد ارتكاز القوات الأمنية عدا شارع الشهيد عبدالعظيم "الأربعين"، حيث تمركزت قوة بالقرب من قسم الأوسط أم درمان وأطلقت الغاز المسيل للدموع بكثافة على المتظاهرين مع بداية سير المواكب؛ إلا أنها لم تفلح في إعادتهم ليواصلوا سيرهم نحو شارع الموردة، والذي شهد أمواجًا متحركة من المتظاهرين صوب المجلس الوطني.

تراجع القوات الأمنية

أمام كثافة التدافع الجماهيري تراجعت ارتكازات القوات الأمنية من محيط مدرسة المؤتمر ومسجد النيلين، إلى محيط المستشفى العسكري "السلاح الطبي" وكوبري النيل الأبيض، ليفسح المجال أمام مواصلة المواكب نحو مقصدها.

الشرطة تقتحم المواكب

 الساعة الثانية ونصف اقتحمت قوة من الشرطة مكونة من مدرعة وعربة دفع رباعي "تاتشر" شارع الموردة من الناحية الشمالية، لوقف المواكب المستمرة مطلقة الغاز المسيل للدموع، ولكنها سرعان ما تراجعت بعد أن فشلت في فض المواكب، لترتكز عند صالة "الريفيرا" عند ملتقى الشارع النيل وبوابة عبدالقيوم.

"تتريس" شامل

بعد الهجوم الغادر وعى المتظاهرون الدرس، لينصبوا الحواجز الأسمنتية المعروفة بـ"التروس" بكثافة لإعاقة أي هجوم مفاجئ، بينما تكفل بعض المحتجين في بسالة نادرة بحراسة المتاريس أمام ارتكاز القوات الأمنية قبالة صالة الريفيرا.

المتظاهرون يدفعون أحد الباصات المتعطلة لاستخدامه كحاجز في شارع الأربعين
المتظاهرون يدفعون أحد الباصات المتعطلة لاستخدامه كحاجز في شارع رئيسي بأم درمان (الترا سودان)

واستمر وضع الحواجز على طول الشارع المؤدي إلى المجلس الوطني، وعندما لم يجد المتظاهرين ما يضعونه حاجزًا لجأوا لدفع أحد الباصات المعطلة قرب مدرسة المؤتمر، ليضعوه كحاجز مانع للسير بالشارع الرئيس.

السيطرة على البرلمان

سيطر المحتجون على المجلس الوطني مع تراجع القوات النظامية التي أطلقت الغاز المسيل للدموع، ما أدى لوقوع إصابات متعددة تم نقلهم إلى موقع العيادة الميدانية بالقرب من المجلس الوطني، لإجراء الإسعافات الأولية. وتعد هذه المرة الأولى التي تقام فيها عيادات محلية منذ انقلاب قائد الجيش عبدالفتاح البرهان، وساهمت العيادات الميدانية في تقليل مخاطر الإصابات الناتجة عن النزيف.

التقى المحتجون في نقاط التجمع قبيل الانتقال للمسارات
جانب من الاحتجاجات في أم درمان (الترا سودان)

عيادة ميدانية

وفي جولة "الترا سودان" لموقع العيادة، لاحظ تقديم الخدمة لكل المصابين قبيل نقلهم إلى عدد من المستشفيات لتلقي العناية، خلافًا لمستشفى أم درمان الذي كان يحول إليه المصابون في التظاهرات السابقة.

 المصابون بالمستشفيات

ونفذ "الترا سودان" زيارة لأحد المستشفيات التي كانت تستقبل المصابين، حيث رصد ثماني حالات، بعضها غادر المستشفى بينما الإصابات الأخرى كانت في حالة مستقرة.

لا عنف

الاحتجاجات في أم درمان كانت سلمية للغاية، فيما كشفت لجنة أطباء السودان عن عملية دهس من قبل عربة تتبع للقوات الأمنية، لتودي لاستشهاد المتظاهر أبوالقاسم. وقالت مجموعة القانونيين المعروفة باسم "محامو الطوارئ"، أن تقرير التشريح كشف عن إصابة الشهيد بمقذوف ناري في الرأس وآخر في الصدر كانا سبب الوفاة، كما كشف التقرير بحسب الهيئة، عن آثار إطار عربة على الصدر، ما يعني تعرضه للدهس عقب الوفاة.

إصرار ورفض التسوية

ويتمسك المحتجون بمواصلة التظاهرات ورفض أي تسوية سياسية مع المكون العسكري، فيما يطالبون بمحاكمة قتلة المتظاهرين وقادة الانقلاب العسكري واستعادة الحكم المدني في البلاد.