04-مارس-2024
الخبير في شؤون المحكمة الدولية جمال الشريف علي

الخبير في شؤون المحكمة الدولية جمال الشريف علي

جمال الشريف علي، باحث جاد أمضى وقتًا في إجراء بحوث استقصائية عميقة حول استراتيجيات الصراع الدولي على السودان، واهتدى إلى سردية تخلقت على وقع الحقائق والوثائق التاريخية واستقراء الوقائع إذ استغرق بحثه الموسوم : (الصراع السياسي على السودان 1840-2008م) نحو (13) سنة. ولم يكد يفرغ من مشروعه البحثي المهم الذي أتى فيه برؤى جديدة حفرت عميقًا في بنية الأحداث والمواقف، حول كيف جرت عملية الاستعمار البريطاني للسودان، وكيف حصل الاستقلال، وما هو الرهان الذي حكم المسار التاريخي لحدثي الاستعمار والاستقلال متتبعًا حضور ذاك الرهان على مدار الحكم الوطني -حتى نصب لإجراء بحوث استقصائية حول قضية الحرب والسلام، وانتهى إلى إجراء بحث بالغ الأهمية حول المحكمة الجنائية الدولية وبحوث أخرى متعلقة بطبيعة الحرب الحالية.

جمال الشريف: تبني المحكمة الجنائية لإجراء تحقيقات في الأحداث الراهنة غير قانوني، وولايتها لا يمكن أن تنسحب على أحداث غرب السودان

"الترا سودان" نجح في استنطاقه رغم عزوفه عن الإعلام، واعتصامه بعزلته البحثية المجيدة فكانت النتيجة هذا الحوار المهم والمتخصص في تتبع مسار المحكمة الجنائية الدولية، وعودتها إلى صدارة المشهد في السودان على وقع انتهاكات الحرب الحالية في البلاد فإلى مضابطه:

"تبني المحكمة الجنائية لإجراء تحقيقات في الأحداث الراهنة غير قانوني، وولايتها لا يمكن أن تنسحب على أحداث غرب السودان ..!"

"التخويل الصادر من مجلس الأمن في 2005م مشروط بزمان ومكان محددين وغير قابل للتمديد .."

"الولايات المتحدة الأمريكية كانت تنوي استخدام الفيتو لإبطال قرار الإحالة في 2005م، والدبلوماسية السودانية تباطأت كثيرًا ولم تتحرك إلا بعد أن وقع الفأس في الرأس. "

"إذا ساغ تمرير ملف الانتهاكات الحالية على الإحالة القديمة فسيعطي المحكمة الجنائية ولاية مفتوحة في دارفور، وهو أمر من الخطورة بمكان !"

"المعارك تبدأ في المؤسسات السياسية أما حال انتقالها إلى المؤسسات العدلية فلا فائدة من أي استراتيجية مضادة"

"القضاء الدولي مسيس وغير رادع، والحل في تفعيل آليات القضاء الوطني والإفريقي وإنشاء محاكم هجين!"

"اتهام قوات الدعم السريع فخ مقصود به جر الجيش إلى ساحات التقاضي الدولي، ولنا في دروس الجنائية الدولية مع نظام البشير عبرة .."

"القوى الدولية لم تزل حائرة ولم تهتد بعد إلى آلية مُحكمة تدير عبرها تدخلها القانوني الدولي في السودان"

 "الفارق الجوهري بين الإحالة القديمة والسياق الجديد أن المؤسسات الدولية والحكومات الغربية باتت أكثر قناعة بضرورة المحاكمة ولا تحتاج إلى جهود المنظمات الحقوقية والناشطين المدنيين"

"الالتفاف الحالي سببه حدة الانقسام داخل مجلس الأمن والتخوف من استخدام روسيا لحق النقض في سبيل إبطال إحالة جديدة"

"قرار انتهاكات الحرب في السودان الذي أصدره وزير الخارجية الأمريكي من شأنه أن يشكّل أساسًا لأي محاكمات مستقبلية.. وأخطر ما فيه أنه شمل الجيش إلى جانب الدعم السريع"

"يجري تفعيل مواد في اتفاقية جنيف بشأن التعاون القضائي يمكن أن تمنح دولاً أوروبية ولاية قضائية لمحاسبة المتورطين في جرائم الحرب الراهنة، لا سيما في مسار ولاية الخرطوم والجزيرة"

"مطالبة الترابي للبشير بالمثول أمام المحكمة تعبر عن موقف سياسي وليس قانوني .."

"سياق اتهام وزير الدفاع عبد الرحيم محمد حسين في 2012م يؤكد أن الإحالة مشروطة بزمان ومكان محددين"  

" السياسي السوداني لا يتورع عن توظيف تناقضات السياسة الدولية في الشأن الداخلي"

"إذا تم ربط سلاح الجو بمسار أحداث غرب السودان يمكن أن تطال الاتهامات هيئة أركان الجيش وفق سلسلة الأوامر ومادة المسؤولية"

"الممايزة المنهجية لدراسة الصراع الدولي على السودان تمنح متخذ القرار اتخاذ الموقف المناسب في الزمان المناسب بالآلية المناسبة"

  • هل يمكن أن نقول أن حرب السودان الحالية أدخلت المحكمة الجنائية الدولية أو قل إعادتها إلى صدارة المشهد القانوني من جديد على وقع الانتهاكات الواسعة المنسوبة إلى قوات الدعم السريع ؟

 نعم .. فبعد أحداث الجنينة في غرب السودان أرسلت المحكمة الجنائية الدولية محققين في تشاد ومدينة الجنينة لإجراء تحقيقات بخصوص ما تم من انتهاكات وجرائم صاحبت الحرب الدائرة، وتم رفع مجملها إلى المدعي كريم خان، بجانب  تحقيقات منظمات المجتمع المدني وأجهزة مختلفة، وبدوره قدّم كريم خان المدعي الحالي للمحكمة الجنائية إحاطة لمجلس الأمن الدولي خلص فيها إلى أن قوات الدعم السريع قامت بانتهاكات جسيمة تستدعي أن يخضع مرتكبوها إلى العدالة ..

  • مقاطعًا: ضمن أي إطار دخلت المحكمة مجددًا في الأحداث الدائرة ؟ هل بموجب الإحالة القديمة ؟ أم أن ثمة إطار جديد تخلّق على وقع الأحداث الحالية؟

المحكمة أصلًا لا تستطيع الدخول في الأحداث الحالية بغير تكليف من مجلس الأمن، لكون السودان لم يصادق على ميثاق روما، ولم يلتحق بعضوية المحكمة.. والدليل على ذلك ما حدث في العام 2005م من تخويل أصدره مجلس الأمن للمحكمة الجنائية بإجراء تحقيقات فيما جرى في دارفور في العام 2003-2004م.

ماذا حدث إذًا طالما أن مجلس الأمن لم يصدر تخويل جديد للمحكمة بإجراء تحقيقات فيما جرى؟ 

في تقديري أن تبني المحكمة الجنائية لقضية اتهامات الدعم السريع والبدء في تحقيقات والشروع في استدعاء متهمين غير قانوني .

  • لماذا ؟

لأن المحكمة ذكرت أنها استندت على ما تم من إحالة في العام 2005م، والإحالة التي جرت في 2005م هي محددة بالزمان والمكان، فالمكان هو دارفور والزمان هو ما حدث في 2003-2004م فقط .

الولاية إذًا لا تنسحب على الأحداث التي وقعت الآن في الجنينة، يجب على المحكمة أن تحصل على تفويض جديد، إضافة إلى التعقيدات الدولية الجديدة بعد اتهام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من قبل المحكمة، حيث وجّه وزير الخارجية الروسي سرجي لافروف في خطابه أمام الجمعية العامة في 22 سبتمبر 2023م انتقاداً لمجلس الأمن نفسه، وقوله أن العالم في حاجة إلى إصلاح الأمم المتحدة وإيجاد منظمة تعمل بالتوافق، واتهامه لمجلس الأمن بخضوعه للهيمنة الغربية وانتقادات الصين لها على لسان المتحدث باسم الخارجية متهمًا المحكمة بالتسيس والانحياز وازدواجية المعايير، وعدم احترام حصانة الرؤساء. 

 كل ذلك يجعل من الصعوبة بمكان إصدار إحالة مماثلة من المجلس إلى المحكمة على نحو ما حصل في 2005م، ولهذا أستطيع أن أقول أن ما يحدث حاليًا من المحكمة الجنائية الدولية التفاف على القانون الدولي.

هناك مسارين يجب أن تتم فيهما المقاضاة، مسار متعلق بغرب السودان وما حصل في الجنينة يُلحق بالإحالة القديمة، ومسار متبقي ولايات السودان في الخرطوم والجزيرة

  • كيف تلتف مؤسسة مرجوة لبسط العدالة في جوانبها الجنائية على القانون ؟

للأسف هذا ما حدث، كما تدل الوقائع المباشرة، فسياق الإحالة محدد بزمان ومكان معينين وضمن نزاع مختلف وظروف مختلفة، ومع ذلك يتم الالتفاف عليه وإلحاق الواقع الجديد بما تم سابقًا وبعد عشرين سنة.

  • وما هو الأثر المتوقع لخطوة كهذه ؟

أخطر ما في هذا الأمر أنه يمنح ولاية قانونية مفتوحة للمحكمة الجنائية، للنظر واجراء التحقيقات وتقصي الوقائع ومحاسبة المتورطين في أي أحداث تنشب بدارفور، حاليًا أو مستقبلًا، استنادًا على الإحالة القديمة الصادرة في 2005م، وهو ما يجب علينا رفضه مهما بدا السياق الظرفي مشجعا، سواء بالنظر إلى بشاعة ما جرى من انتهاكات واتساع رقعتها في مساحات واسعة.

  • كيف تنظر إلى الفروق بين الأوضاع الراهنة والظروف التي صدرت فيها الإحالة من مجلس الأمن في 2005م؟ ألم يكن للبشير علاقات قوية داخل مجلس الأمن ومع الصين تحديدًا ومع ذلك صدرت الإحالة من مجلس الأمن إلى المحكمة الجنائية دون أن تستخدم الصين حق النقض لإبطال قرار الإحالة؟

طبعًا هذه إجابة افتراضية، فمن المعلوم أن المشروع لم يتقدم إلى مجلس الأمن، بيد أن ثمة تصريح روسي صريح بأن الأحداث لا تستدعي تدخل مجلس الأمن لإصدار إحالة جديدة للمحكمة، وفي السابق المجلس رفض إحالة ملف انتهكات دارفور إلى مجلس الأمن في 2005م، بل وانقسم المجلس إلى نفسه بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية التي هددت باستخدام الفيتو، واقترحت محكمة بديلة في تنزانيا، وعللت ذلك بأن تحويل القضية إلى المحكمة الجنائية من شأنه أن يمنح شعوراً يتناقض مع مفهوم السيادة، لا سيما في السياق الإفريقي .

 وبعد صراع دام شهرًا كاملًا داخل مجلس الأمن حول موضوع الإحالة، وبعد الضغوطات التي مورست من منظمات المجتمع المدني ومن الدول الأوروبية الحليفة للولايات المتحدة، تم اقناعها بالتخلي أولًا عن استخدام الفيتو، والامتناع عن التصويت ضد القرار مما سهل صدور الإحالة.

إذا كان قرار الإحالة في 2005م مرّ بصعوبة، والمجتمع الدولي لم يكن بمستوى الانقسام الحالي، فكيف والحال يعبر عن مستوى أعمق من الانقسام على خلفية الحرب الأوكرانية، وبروز قطب مضاد كليًا للمحكمة بقيادة روسيا والصين، ويكفي تصريحاتها المشار إليها، وهو الذي جعل المجتمع الدولي في نظري يبحث عن آلية جديدة يتم بموجبها فصل مسار غرب السودان عما تم من انتهاكات في مركز البلاد وولاية الجزيرة .

  • لماذا برز هذا الاتجاه حالياً .. لماذا البحث عن آلية جديدة ؟

لأن إصدار إحالة جديدة من ذات المجلس أمر متعذر في إطار الانقسام الذي أشرت إليه، ولذا قالت الدكتورة بيث فان جاك سفيرة الولايات المتحدة المتجولة لشئون العدالة الجنائية العالمية ما نصه : (The ICC will have jurisdiction over events in Darfur and it will be for courts around the world elsewhere to take up these cases as they fall within their particular jurisdiction)، هناك مسارين يجب أن تتم فيهما المقاضاة، مسار متعلق بغرب السودان وما حصل في الجنينة يُلحق بالإحالة القديمة، ومسار متبقي ولايات السودان في الخرطوم والجزيرة متروك لقضاء الدول الأخرى في العالم، وذهبت في ذات الحوار إلى أن بعثة تقصي الحقائق التابعة لمفوضية حقوق الإنسان في الأمم المتحدة سوف تعلن أسماء المتهمين وتترك محاكمتهم للدول الأخرى ذاكرة أن أمريكا نفسها يمكن أن تحاكمهم.

  • من واقع المعلومات المتوفرة لديك ما هو شكل هذا المسار ؟

يتم الآن تفعيل مواداً في اتفاقية جنيف للعام 1949م، وهي المنظومة المتعلقة بالتعاون القضائي في الشؤون الجنائية بين الدول التي أرستها اتفاقيات جنيف(1) المادة(49)، وجنيف(2) المادة (50) وجنيف (3) المادة (129) وجنيف(4) المادة (146) والبروتوكول(1)، المادتان (86) و(88)، وهي تمنح الدول التي لها نظام قضائي راسخ بمحاكمة الأحداث التي جرت في دول غير قادرة أو راغبة على إجراء التحقيقات والمحاكمات الضرورية للمتهمين، وبموجب ذات المواد المشار إليها يكون لمحاكم جميع الدول الأطراف في اتفاقية جنيف صلاحية محاكمة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة، وبالمصادقة على الاتفاقيات تتعهد هذه الدول بتعديل تشريعاتها المحلية لتمكين محاكمها، من النظر في مثل تلك القضايا، ولا يوجد سوى دول قليلة أوفت بهذا الالتزام.

بناء على هذه المواد يمكن أن يخضع مسار الخرطوم والجزيرة إلى دول أوروبية، وإلحاق مسار الغرب للجنائية الدولية بموجب الإحالة القديمة التفافًا كما أسلفت.

  • كيف يتم تخريج هذا المسار ؟

بدأ هذا المسار فعلاً من تكليف مفوضية حقوق الإنسان بإجراء تحقيقات فيما حدث في السودان، وشروعها في التقصي عن الوقائع، ومن المنتظر أن تقدم تقريرها إلى مجلس الأمن لتكشف نتائج تحقيقها واتهام من ارتكب الانتهاكات وقام بالخروقات، ومن ثم تحديد الآلية المناسبة التي يتم عبرها التقاضي، وغالبًا ستكون دولة أوروبية لها نظام قضائي مؤهل .

  • ما الدولة التي ترجحها للقيام بهذا الدور من واقع اطلاعك وتحليلاتك ؟

أغلب الظن عندي أن تكون بريطانيا أو فرنسا، إذ أن الولايات المتحدة ليست عضوًا في ميثاق روما.

  • هل سيكون المتورطين فقط من جانب الدعم السريع؟ في ظل تقارير باتت تشير إلى أثر طيران الجيش في إلحاق أضرار بالغة بالمدنيين و البنية العمرانية المدنية؟

في بداية الأحداث صدرت تصريحات من سفراء الاتحاد الأوروبي في مجلس الأمن فضلًا عن السفير الأمريكي، برد الاتهامات وحصرها في قوات الدعم السريع، وفي مرحلة لاحقة أضيفت القوات المسلحة كطرف يمارس ذات الانتهاكات ولو بدرجة أقل بحسب زعمهم.

 وفي تطور أعمق وأكثر حسمًا، أصدر وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن بتاريخ السادس من ديسمبر 2023م قرار ارتكاب انتهاكات الحرب (War Crimes, Crimes Against Humanity, and Ethnic Cleansing Determination in Sudan) ذكر أن جرائم حرب مخالفة للقانون الدولي وقعت من طرفي الصراع، وهما بالتحديد قوات الدعم السريع والجيش السوداني وطالب بلينكن بمحاسبة المتورطين من الطرفين، هذا قرار وليس مجرد بيان.

  • ما أهمية هذا القرار في نظرك ؟

القرار سيشكل الأساس الذي يمكن أن تتقاضى حوله المؤسسات العدلية الدولية، فالجيش سيكون مشمول في أي عملية قضائية، فضلاً عن الإحاطة التي قدمها كريم خان لمجلس الأمن وذكر فيها بجلاء أن مؤسسة الجيش السوداني والغة في جرائم، وهذا في نظري هو الإطار الحاكم لأي عملية قضائية ستتم.

رغم أن العنوان الأبرز للحرب الحالية هو ما قامت به قوات الدعم السريع من انتهاكات، فإن الجيش هو المقصود بكل ذلك، لأن الأمر ليس فقط كما يبدو في ظاهره القانوني، إذ أن هناك مستوى سياسي يضمره تدخل المحكمة.

 وبالمقارنة مع ما تم سابقًا من اتهامات للنظام السوداني في 2005م بارتكاب جرائم حرب استهدف رأس النظام حينها الرئيس البشير، ووزير الدفاع وبعض التنفيذيين، إلا أن الاتهامات خلقت أثرًا سياسيًا واضحًا جعل البشير يعدل عن فكرة تخليه عن السلطة في العام 2010م، ويتشبث بالحكم ليحمي نفسه، الأمر الذي ضاعف من تعقيدات المشهد السياسي السوداني وقادنا في النهاية إلى ثورة ديسمبر 2018م .

في اعتقادي أن المقصود بهذا الأمر هو قيادات مؤسسة الجيش، أما الدعم السريع فإنه ليس ذو تأثير على مجمل الوضع السياسي . فمجرد إعلان قيادات عسكرية نافذة في الجيش ومنظومة القيادة والسيطرة سيفاقم من التعقيدات بالضغط والمحاصرة وإرباك المشهد برمته.

  • كيف تقيّم لقاء الفريق أول عبد الفتاح البرهان بالمدعي العام كريم خان على هامش اجتماعات الأمم المتحدة ؟

المقابلة تمنح من مؤشرات إيجابية في أن المحكمة لا ترى في الجيش مؤسسة متورطة بجرائم حرب، وهو ما أكده البرهان في مقابلته مع قناة العربية الحدث، إلا أن السياسة الدولية لا يجب أن تؤخذ بحسن النوايا، ولا يجب أن ننظر إلى المحكمة الجنائية كمؤسسة عدلية دولية فقط، لا تضمر أجندة سياسية، ولنا في تجربة المحكمة السابقة دروس وعبر، حيث أنها ابتدأت بتوجيه الاتهام لكل من أحمد هارون وعلي كوشيب وبعض قادة الحركات في العام 2007م، لكنها كانت تخفي في نفس الوقت تحقيقًا مكتومًا عن الرئيس البشير، وهو أمر تناولته بالتفصيل في الدراسة إلى أن تمت توجيه الاتهامات له في العام 2009م، ثم أتبعته بتوجيه اتهام إلى عبدالرحيم محمد حسين في العام 2012م، وهذه الطريقة الماكرة من المحكمة هي التي أخرت استجابة الحكومة السودانية لوضع خارطة طريق في سياق مواجهة تحدي المحكمة.

  •  ما هي الاستجابة المثلى في نظرك في ظل التحديات الحالية والمتوقعة ؟

أنا ضد فكرة المقاضاة من النظام القضائي الدولي من الأساس، لكونه قضاءًا مسيسًا وغير رادع، فأقصى عقوبة في القضاء الدولي هو السجن المؤبد، بينما تبلغ أقصى عقوبة في القضاء الوطني الإعدام.

أليس في القضاء الدولي فرصة لمحاكمة من هم في رأس النظام بخلاف معظم الأنظمة العدلية في الدول غير الديمقراطية والتي لا تستطيع أن تقوم بمجرد محاولة في هذا الصدد ؟

يمكن للقضاء الوطني أن يشمل القضاء الإقليمي الإفريقي، أو إنشاء محاكم هجين، وهناك نماذج منها محكمة رواندا ومحاكمة الرئيس التشادي السابق حسين حبري المحكوم عليه بالمؤبد، ضمن ذات السياق الذي أراه أنسب من محكمة الجنايات الدولية، وفعلًا في التجارب الواقعية لم يتسن للنظام القضائي الوطني توجيه اتهام للرؤساء أثناء فترة حكمهم، لكنهم يخضعون آجلًا للقضاء فور زوال حكمهم، والقضايا الجنائية لا تسقط بالتقادم، ودوننا ما حدث لمعظم الرؤساء في أعقاب انتفاضات الربيع العربي، وحتى ما حدث في السودان للرئيس البشير.

  عندما تم اتهام البشير قديماً من قبل المحكمة الجنائية الدولية ،صرح دكتور الترابي في ندوة شهيرة بضرورة أن يسلم البشير نفسه للمحكمة الجنائية، باعتبار أنها محكمة دولية قادرة وراغبة في تحقيق العدالة وطالبه بالدفاع عن نفسه، الترابي هنا ليس مجرد زعيم سياسي وإنما شخصية قانونية وازنة، كيف تقيم موقفه حيال جدلية أيهما أنفع للعدالة المحاكم الوطنية أم الدولية ؟

 أجريتُ بحثًا استقصائيًا عن المحكمة الجنائية والسودان استغرق أربع سنوات، ناقشت فيه كل الخطوات والملابسات المتعلقة بالإحالة والأثر السياسي والقانوني، وتطرقت فيه لتصريح الترابي، وذكرت فيه أنه -مع احترامي له- لم ينطلق من تقدير قانوني، بل من ناصية الخصومة السياسية.

 وأول ما لفت نظري أنه قال إن البشير مدان، وهو ما لم يقله المدعي العام في لائحة اتهامه، بل هو متهم واتضح بعد عشرين عاماً أن البينات التي قدمت في إطار اتهام البشير لم تكن كافية، كما صرح بذلك كريم خان المدعي العام الحالي للمحكمة الجنائية الدولية أمام مجلس الأمن، فكيف بمن لم يطلع على ذات البينات المتوفرة لدى المدعي العام أن يقر بإدانته عوضًا عن مجرد اتهامه، وهذا ما يؤكد ان الترابي كان منطلقًا من خصومته السياسية مع البشير، وليس من منصة قانونية وتقديرات مهنية موضوعية.

 أمر آخر متعلق بأن ذات المجموعات الناشطة في المجال المدني والحقوقي التي طالبت بمحاكمة البشير، وساهمت بضغطها في هذا الصدد، كانت قد اتهمت الدكتور الترابي في العام 1998م بمسؤوليته عن ارتكاب إبادة جماعية في جنوب السودان، وبنفس المنطق هل يقبل الترابي بهذه الإدانة رغم براءته منها ؟!

 فالرهان السياسي الذي أضمره اتهام الترابي في العام 1998م هو ذات الرهان الذي قاد إلى اتهام البشير من قبل المحكمة الجنائية الدولية.

للأسف السياسي السوداني لا يتورع عن توظيف تناقضات السياسة الدولية في الشأن الداخلي رغم خطورة الأمر والتباس الأجندات، وتأثيرها على المشهد بل وتخريبه وتجريفه، فالخلافات السياسية يمكن فرزها ومعالجتها واحتواءها بخلاف الأجندة الدولية التي يمكن أن تراكم التعقيدات وتأزم الأزمات .

  • بالعودة إلى سياق الاتهامات الجارية للدعم السريع بارتكاب جرائم حرب ، ما الرهان من كل ذلك ؟

أرى أن الانتهاكات المنصوبة حاليًا تخفي فخاخ لقادة الدولة. ولدينا تجربة واضحة المعالم بدأوا فيها باتهام قادة ميدانيين مثل كوشيب ثم أحمد هارون، وعندما جرى تثبيت الآليات تم اتهام رأس النظام نفسه ووزير دفاعه. والآن يجري ذات الأمر باتهام الدعم السريع لتثبيت الآليات ومن ثم ستذهب ذات الآلية الموافق عليها من اتهام قادة عسكريين وربما الوصول إلى رئيس هيئة الأركان نفسه وربما إلى مستوى أعلى .

ويمكن أن تنسحب ذات الآلية في دارفور المنظور إليها كامتداد لولاية المحكمة الجنائية بموجب الإحالة وعدم اقتصار ما تم من انتهاكات على الجنينة فقط، وإنما يمكن أن يقال أن الجيش قصف جنوب دارفور والضعين وألحق أضرارًا بالمدنيين هناك وبالتالي اتهام قادة الجيش وفق سلسلة الأوامر، فمسار غرب دارفور نفسه يخفي فخاخ للجيش، ولن يكون حكرًا على الانتهاكات المنسوبة للدعم السريع، وطبيعة التقصي القانوني أنه يشمل كل الأطراف ذات الصلة، أعني في هذه الحالة الدعم السريع وربما الجيش نفسه.

فمجرد إقرار صلاحية الآلية من شأنه أن يشمل حتى مؤسسة الجيش وفق مجريات التقصي المقدمة للمدعي العام، ولن تستطيع عندها أن تعترض طالما وافقت على الآلية في مبتدأ الأمر، وإذا تم ربط القوات الجوية بمسار الغرب استناداً على الإحالة القديمة من شأن هذه الخطوة أن تقود الاتهام إلى هيئة الأركان تبعًا لسلسلة الأوامر التي تعمل بها الجيوش النظامية. وهناك مادة كاملة مخصوصة بالمسؤولية ومنع الانتهاك، أنا أحذر عن القبول بالآلية ابتداءًا، لأن المقصود بحسب ترجيحاتي هو الجيش وليس الدعم السريع.

  • بخصوص ما ذكرته من ان إحالة ملف دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية مشروط بالزمان والمكان، ألم تصدر ذات المحكمة اتهامات إلى وزير الدفاع عبد الرحيم محمد حسين في 2012م ؟ ألا يعني أن الإحالة يمكن أن تشمل أحداث وقعت في غير التاريخ المذكور في 2003-2004م ؟

اتهام الفريق أول عبدالرحيم محمد حسين في العام 2012م يؤكد ما ذهبت إليه في أن الإحالة مشروطة بالزمان والمكان المحددين، أعني تحديداً الأحداث التي جرت في دارفور في العامين 2003-2004م، إذ تم اتهامه أول الأمر بأحداث جرت في جنوب كردفان عام 2011م -2012م، حين كان وزيرًا للدفاع في هذا العام أجرى المدعي العام لويس أوكامبو تحقيقًا، وأصدر بموجبه اتهامه للفريق عبد الرحيم وزير الدفاع بارتكابه جرائم إبادة جماعية في جنوب كردفان والنيل الأزرق، وهو اتهام خارج إطار الإحالة كليًا في الزمان والمكان، ولكنه اصطدم بمحكمة الجنايات الدولية التي ذكرت بأنه لا يمكن مقاضاة عبد الرحيم محمد حسين بأحداث وقعت في العام 2011-2012م، وخارج نطاق إقليم دارفور مما جعله يتخلى عن حيثيات الاتهام والذهاب إلى حيثيات أخرى في إطار زمان ومكان الإحالة! 

واستناداً على ذلك وجّه أوكامبو اتهاماً لعبدالرحيم محمد حسين لدوره في أحداث جرت في العام 2003-2004م، عندما كان وزيرًا للداخلية، وهذه من المفارقات الملفتة في عمل المحكمة كونها تخلت عن زمان ومكان الانتهاكات المفترضة في جنوب كردفان والنيل الأزرق، وذهبت إلى دارفور في العام 2003-2004م لتتهم ذات الشخص عندما كان وزيرًا للداخلية، رغم أنها اتهمت أحمد هارون الذي كان وزير دولة بوزارة الداخلية، هل تحتاج محكمة مهنية سبع سنوات لتدرك أن عبد الرحيم محمد حسين كان وزيرًا لذات الوزارة التي يعمل فيها المتهم أحمد هارون وزير دولة بها. فهذا الأمر يؤكد أن الحديث حول صلاحية الإحالة القديمة مجرد التفاف على القانون.

  • ما هو الفارق الجوهري بين سياق الإحالة القديم في 2005م والاتهامات الجديدة على وقع التصريحات والقرار الأمريكي الخاص بحرب السودان في السادس من كانون الأول/ديسمبر 2023م ؟

سياق الإحالة التي تخلقت وتبلورت في العام 2005م قادتها منظمات المجتمع المدني في ظل ممانعة المؤسسات الدولية والحكومات الغربية في أمريكا وفرنسا وبريطانيا، بينما السياق الحالي نجد أن المؤسسات والحكومات هي التي تطالب بإحالة ملف السودان إلى المحكمة، لقد استدعى مشروع الإحالة زمنًا وجهدًا كبيرًا من النشطاء والمناصرين ومنظماتهم، ورأينا مثلاً كيف كان موكيش كابيلا رئيس بعثة الأمم المتحدة في السودان في تلك الحقبة يطوف بين العواصم الغربية ليودع ملف السودان في مجلس الأمن، وكيف تعطل مشروع الإحالة إلى المحكمة في مجلس الأمن لأكثر من شهر بسبب الرفض الأمريكي والتهديد باستخدام الفيتو، الآن يبدو المعسكر الغربي أكثر قناعة حكومة ومنظمات حقوقية ومدنية بضرورة محاكمة المتورطين، وليس من خلاف إلا على مشروعية الآلية التي يتم عبرها فعل المقاضاة.

القوى الدولية لم تزل حائرة، ولم تهتد بعد إلى آلية مُحكمة تدير عبرها تدخلها القانوني الدولي، وهي تتوسل إلى ذلك بتقديم الدعم السريع كطعم ليسهل ابتلاع مؤسسة الجيش من خلال الآلية المقترحة

  • سيثور تساؤل ملح في هذا الصدد، أين غاب الجهد القانوني والدبلوماسي في مواجهة المحكمة الجنائية الدولية، وتبيان أوجه التناقض وطنون التسيس ؟

من واقع الدراسة التي أجريتها وبعد الاطلاع على مئات الوثائق وقفت على قصور واضح على المستوى السياسي والدبلوماسي، لقد كان أمام السودان فرصة حقيقية لإبطال مفعول الإحالة في مهدها، وبما أنه ليس عضوًا في ميثاق روما، فإن الطريق الوحيد لمحاكمته عبر المحكمة الجنائية في لاهاي هو عبر الإحالة من مجلس الأمن، ومجلس الأمن له آلية في اتخاذ القرار عبر التصويت بإجماع أغلبية الأعضاء، خمسة دائمون و(10) متغيرون، فهو يحتاج إلى تسعة أعضاء لاتخاذ أي قرار في غير استخدام حق النقض كما هو معلوم.

السودان كان لديه فرصة متعلقة بالفيتو الأمريكي المعلن ضد قرار الإحالة، ولم تنجح دبلوماسيته في توظيف رغبة الولايات المتحدة في استخدام الفيتو لإبطال مفعول الإحالة، واستطاع حلفاء أمريكا أن يقنعوها بالعدول عن استخدام الفيتو الأمريكي، الفرصة الثانية أمام السودان كانت في إبطال الحصول على تسع أصوات لتمرير قرار الإحالة، وبالحسابات السياسية كانت هناك أربع دول رافضة (الولايات المتحدة والصين البرازيل ودولة رابعة)، وتبقى ثلاث دول منها اثنتين منتسبين إلى إفريقيا، هما بنين وتنزانيا، ولو نجحت الدبلوماسية السودانية في استقطاب دولة أخرى إلى جانب الدول الإفريقية، مضاف إليها أربعة دول هي أصلاً ضد المحكمة، لما احتجنا إلى الدخول في وعثاء المحكمة الجنائية الدولية.

للأسف فإن تحرك السودان دبلوماسيًا أتى في مرحلة تالية، وبعد خروج قرار الإحالة من مجلس الأمن، وبعد أن وقع الفأس في الرأس كما يقولون.

  • كيف يمكن لمتخذ القرار أن يستفيد من درس الإحالة فيما يحدث حالياً؟

نستفيد بأن لا نكرر ذات الخطأ، وأن لا نسمح بتمرير ولاية المحكمة الجنائية تحت دعاوى الإحالة القديمة أو تحت أي مسوغات أخرى. المعارك تبدأ في المؤسسات السياسية، أما في حال انتقالها إلى المؤسسات العدلية فلا فائدة من أي عمل مضاد . ما يحتاجه متخذ القرار الآن التركيز على التواصل مع روسيا لاستخدام الفيتو إذا طرح ملف الإحالة في المحكمة، سواءًا كان القرار مستهدفًا للدعم السريع أو غيره.

على السودان أن يدرس تركيبة الدول الأعضاء في مجلس الأمن، وحشدها لإبطال أي قرار بموجب التصويت، وفي ظل الأوضاع الراهنة وأحداث غزة، فمن السهل جدًا إنجاح عملية الاستقطاب ضد أي إحالة جديدة. وبصفة عامة فإن قرار الإحالة سيكون صعبًا على القوى الدولية المراهنة على التدخل الدولي، وأغلب الظن أن تفعل آلية مفوضية حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، وخلق مسار قضائي دون الحاجة إلى إحالة لمحكمة الجنايات الدولية، وأغلب الظن عندي هو تفعيل المادة المعنية بمحاكمة إحدى الدول الأعضاء للمتورطين مثل بريطانيا أو فرنسا.

القوى الدولية لم تزل حائرة، ولم تهتد بعد إلى آلية مُحكمة تدير عبرها تدخلها القانوني الدولي، وهي تتوسل إلى ذلك بتقديم الدعم السريع كطعم ليسهل ابتلاع مؤسسة الجيش من خلال الآلية المقترحة، ومهما يكن من أمر فأنا لا أزال عند موقفي بضرورة رفض التقاضي للمؤسسات الدولية لأنها غير رادعة ومسيسة.

  • سؤال أخير، ما هو الرابط بين دراستك المرجعية الصراع السياسي على السودان وبحثك حول المحكمة الجنائية الدولية؟

في كلا الدراستين كان إطار البحث هو الإمساك بالآليات والكيفيات التي تدار وتصنع عبرها السياسة الدولية تجاه السودان، حيث ركزت في بحث المحكمة الجنائية الدولية على تحليل السياسة الدولية من خلال تتبع مراحل صنع القرار (Policy and decision making) وكيف يتخذ (Decision taking)، ووقفت في سياق تتبع عملية اتخاذ القرار في قضية محكمة الجنايات الدولية إلى حجم الانقسام بين الحكومات والمؤسسات الدولية، والتي رفضت الاتهامات ضد الحكومة السودانية وقوى منظمات المجتمع المدني المؤيدة، والتي تعرف بمجموعات الناشطين أو المناصرين أو مجموعات الضغط والتي تحالفت جميعًا تحت مظلة حملة سيف دارفور (Save Darfur)،  واستطاعت تلك القوى أن تفرض أجندتها على المجتمع الدولي رغم ممانعة الحكومات الغربية، لدرجة تهديد الولايات المتحدة باستخدام الفيتو لإبطال قرار الإحالة من مجلس الأمن. وهذا هو وجه التشابه الآخر مع دراستي حول الصراع السياسي على السودان 1840-2008م، والتي كان واضحًا فيها انتصار مجتمع النشطاء والمناصرين في كل قضية ذات طابع صراعي يكون فيها انقسام أفقي في الرأي بين مؤسسات وأجهزة الدولة ونشطاء المجتمع المدني. هذه سمة مميزة متعلقة بالصراع السياسي الدولي على السودان وهي أن ثمة صراع مركب يكون فيه الانتصار حليف النشطاء ومجموعات الضغط في أوقات كثيرة، فلما انقسم الرأي حول المهدية في بريطانيا رأت الحكومة فيها نظامًا تحرريًا من الاستعمار التركي المصري، بينما روجت مجموعات الضغط إلى أنها محض نظام إسلامي توسعي يسعى للسيطرة على الحجاز ومصر، ورغم أن رئيس الوزراء البريطاني حينها أقسم أمام البرلمان بأنه لن يرسل جندي واحد إلى السودان رداً على مناشدات القوى المدنية، إلا أنه انتهى إلى إرسال حملة الجنرال ولسلي باشا، وفي معارك الاستقلال 1946-1956 وقفت بريطانيا إلى جانب مطالب مصر بضم السودان، ودعمتها في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية في مقابل رهانات القوى المدنية المنادية باستقلال السودان وحكمه لنفسه بنفسه ضمن عملية معقدة.

أهم شيء اهتديت إليه من خلال منهج تحليل السياسة الدولية تجاه السودان، هو تجاوز التعميم والنظر إلى السياسة الدولية كوحدة واحدة غير قابلة للتجزئة والتفكيك، واعتقاد أن الحكومات وقوى المجتمع المدني على قلب رجل واحد، ويصدرون عن مشكاة واحدة، ووجدت أنها في كثير من الأحيان تقف بالضد من الأجهزة المعبرة والمنتجة للسياسة الخارجية، بل وتعارض مصالح الدولة نفسها ، وأهم ما في هذه الممايزة المنهجية أنها تمنح متخذ القرار قراءات قريبة من الواقع وبالتالي يمكن أن يتخذ القرار المناسب في الوقت المناسب وفق الآلية المناسبة.