على الرغم من الالتزامات المتكررة التي أطلقتها الحكومة في جنوب السودان، للعمل بشكلٍ جادٍ من اجل وقف تنامي جرائم الاغتصاب المصاحبة لحملات وجرائم السطو الليلي المنظم والمسلح من قبل أشخاص محسوبين على القوات الحكومية خلال الأشهر القليلة الماضية، إلا أن وتيرة الجريمة لا تزال في تزايدٍ مستمرٍ في وقتٍ لم تعلن فيه الحكومة عن خطةٍ جادة تساعد على الحد من تلك الجرائم وتفسير الأسباب المباشرة التي تقود إلى وقوعها في ظل حالة التوتر المجتمعي الكبيرة و تنامي معدلات الفقر وسط المواطنين وعدم تلقى أفراد القوات النظامية رواتبهم لأشهرٍ عديدة.
كثيرًا ما يجد المجرمون طريقهم للخروج والعودة لذات الممارسات القديمة، الشئ الذي يمثل انتقاصًا من حقوق الضحايا
في ظل هذه الظروف، مطلوبٌ من وزارة النوع الاجتماعي والطفل والرعاية الاجتماعية، اتخاذ موقف يتجاوز مجرد إدانة الجريمة والمطالبة بتسليم المتورطين للعدالة، فقضية الحصانة والإفلات من العقاب لا تزال تمثل عقبةً رئيسية أمام الحكومة، خاصةً في ظل التضارب الكبير في القوانين والصلاحيات التي تجعل الجهات النظامية تتحايل على القوانين الموضوعة لحماية المواطنين، فكثيرًا ما يجد المجرمون طريقهم للخروج والعودة لذات الممارسات القديمة، الشيء الذي يمثل انتقاصًا من حقوق الضحايا الذين يتوقعون الإنصاف والعدالة.
اقرأ/ي أيضًا: الفنون في زمن كورونا
الملاحظة المهمة والتي يجب أن يتم استصحابها، هي أن حالات الاغتصاب التي نتحدث عنها وقعت جميعها داخل المناطق السكنية بالعاصمة جوبا، وليس في مناطق القتال البعيدة كما اعتدنا أن نسمع ونقرأ عبر التقارير، كما أن معظم الأشخاص المتورطين فيها هم أشخاصٌ يرتدون الزي العسكري المعروف لقوات الشرطة والجيش في جنوب السودان، كما أنها ظلت تتكرر خلال فتراتٍ متقاربةٍ، وفي مسافات لا تكاد تصل الخمسمئة مترًا داخل الأحياء السكنية، كما حدث في منطقة قوديلي الواقعة غربي العاصمة جوبا، حيث تعرضت سيدة للاغتصاب من قبل مجهولين قبل أن يتم العثور على جثتها بعد أيامٍ في إحدى المناطق النائية، وقد وقعت تلك الحادثة بعد أسبوعين فقط من اغتصاب طفلةٍ قاصرةٍ تبلغ من العمر ثمانية سنوات في ذات المنطقة السكنية أو بشكلٍ أدق في نفس المربع الذي تقيم فيه الضحية الثانية، وفي يوم الأحد الماضي تعرضت أم وابنتها البالغة من العمر (18) عامًا للاغتصاب من قبل أشخاصٍ مسلحين في منطقة (قوري) الواقعة غربي العاصمة جوبا، وذلك بعد أن قاموا بنهب مبالغٍ ماليةٍ من الاسرة تحت تهديد السلاح، وقبلها تعرضت سيدتان للاغتصاب تحت تهديد السلاح بمنطقة جبل كجور غربي جوبا مطلع الشهر الجاري.
اقرأ/ي أيضًا: تظاهرات في كسلا احتجاجًا على سجن قيادي بالجبهة الشعبية للتحرير والعدالة
تتمثل المعضلة الحقيقية فيما يختص بمجابهة تنامي ظاهرة الاغتصاب داخل العاصمة جوبا، في أن الحكومة ممثلة في الوزارات الأمنية المختصة، إلى جانب وزارة الرعاية الاجتماعية، لا يمتلكون أي خطةٍ أو برنامجٍ متكاملٍ لمجابهة تلك الظاهرة ومعالجة تأثيراتها على الضحايا، على الرغم من وجود العديد من الجهات الدولية التي أعربت عن استعدادها لمساعدة الحكومة في وضع خطة عملٍ محكمةٍ للسيطرة على تلك الجرائم المرتبطة بالعنف الجنسي، مثلما أن هناك مشكلة أخرى أيضًا تتمثل في عدم وجود مجتمعٍ مدنيٍ مستقلٍ وناضج، فجميع المواقف وردود الأفعال المرتبطة بجرائم الاغتصاب لا تتعدى التظاهرات الاحتجاجية التي تقوم بها الناشطات على سبيل التعاطف مع الضحايا، حيث ارتبطت تلك التظاهرات بوقوع حوادث جديدة، ففي ظل غياب الخطط و المناهج التي تخاطب المشكلة وتنظر في القوانين والتشريعات والأسباب المؤدية لتنامي تلك الظاهرة، فإن الجريمة ستشهد ارتفاعًا كبيرًا في ظل الأوضاع الاقتصادية المتردية وتنامي المستعمرات الإجرامية مع شعور المجرمين بأن الحكومة لن تلاحقهم، فقد ترك الأمر برمته للإدارة الأهلية ولجان الأحياء التي تكابد لملاحقة المجرمين في ظل إمكانياتهم وخبراتهم المحدودة.
ربما حتى السلطات الرسمية من خلال صمتها وتواريها تريد من الضحية أن تشكر الله على نعمة الحياة
إن التساهل مع جرائم الاغتصاب جعل الناس ينظرون إليها باعتبارها مسألة عادية، وربما حتى السلطات الرسمية من خلال صمتها وتواريها تريد من الضحية أن تشكر الله على نعمة الحياة، ففي ظل ضعف وتراخي القوانين والأزمة الاقتصادية الخانقة، فإن ضيق فرص الحياة في أطراف العاصمة تجعل الضحيات يلذن بالصمت في ظل عدم إلمامهن بحقوقهن الرئيسية، مع علمهن بأن الشكوى لغير الله مذلة بما أن السلطات لا تهتم في جنوب السودان.
اقرأ/ي أيضًا
تسليم ملف الاتهام في بلاغ مدبري انقلاب الإنقاذ للقضائية ويشمل 40 متهمًا
المالية تطالب بلجنة تحقيق لكشف ملابسات الأزمة مع وزارة الصحة