20-سبتمبر-2020

كان البنك المركزي قد أعلن الشهر الماضي خلو الخزينة من العملات الصعبة (Getty)

درجت السلطات الحكومية للدولة في جنوب السودان، على اتباع طريقة مخاطبة المظاهر والقشور الخارجية للأزمة الاقتصادية التي باتت تواجهها البلاد بصورة متزايدة، عن طريق إجراء تغييرات شكلية، لا تتجاوز إعفاء المسؤولين الحكوميين في الوزارات والمؤسسات الاقتصادية، وتشكيل لجان سياسية استهلاكية لا تساهم إلا في مفاقمة الأوضاع المزرية بسبب صراعات النفوذ والمصالح، والتي غالبًا ما تنتهي دون أن تحقق النتائج المرجوة والمتوقعة، وتلك في تقدير الكثيرين، عبارة عن حلول تخديرية لا تسمن ولا تغني من جوع، فالواقع يحتاج إلى حلول حقيقية تتجاوز التدخلات السياسية التي لا تستمر كثيرًا، فارتفاع أسعار الدولار مقابل الجنيه، وتنامي حالة العجز العام في كل شيء، يعود في الأساس إلى غياب برامج وخطط الإصلاح الحقيقية، وانعدام الإرادة والشجاعة لتنفيذ البنود الواردة في اتفاق السلام، خاصةً تلك التي تتحدث عن المعالجة الهيكلية لتلك الاختلالات التي يعاني الجميع من آثارها بشكل يومي.

إقالة المسؤولين لا تعني أن الظروف والأوضاع الاقتصادية ستتحسن بين يوم وليلة

إن إقالة وزير المالية ومسؤول سلطة الإيرادات الحكومية ومدير الشركة الوطنية للنفط، كما حدث الأسبوع المنصرم، وتعيين أشخاص آخرين في مكانهم، لا يعنى أن الظروف والأوضاع، الاقتصادية ستتحسن بين يوم وليلة، فهو ربما سيقود على المدى القريب لانخفاض طفيف في سعر الدولار بالسوق الموازي، وهذا ربما يستمر لعدة أيام، وسرعان ما ستكتشف اللجنة الحكومية المكلفة بقيادة نائب رئيس الجمهورية للقطاع الاقتصادي، إن الأزمة عادت من جديد وبصورة أكثر فظاعة، فاستبدال المسؤولين دونما وجود سياسات مالية واضحة للدولة هو مصدر الأزمة الاقتصادية الحالية، وهذا يعود لأخطاء مرتبطة بتقدير أولويات الدولة لدى صناع القرار، الذين يرون أن الإنفاق والصرف السياسي هو الضمان الرئيسي للبقاء لأطول فترة في مقاعد الحكم من خلال تفعيل السوق السياسي وتكديس ثروة كبيرة من الزمم المشتراة كاحتياطي سياسي، وإن أدى ذلك لفراغ الخزينة العامة كما أعلن عن ذلك البنك المركزي مؤخرًا، وتلك واحدة من أسباب عدم الاستقرار السياسي الذي تعيشه البلاد حاليًا، بسبب المراهنة على التسويات كواحدة من الوسائل المعتمدة لتجديد الشرعية بتكاليف أقل.

اقرأ/ي أيضًا: "مقاومة الخرطوم": سجن المجموعة الفنية استهداف للفاعلين في الثورة

لقد وفرت اتفاقية السلام المنشطة، أرضية صلبة للإصلاح الاقتصادى بالبلاد، مثلما رفعت الحرج عن الحكومة بشكل أساسي باعتبارها تسوية متوافق عليها من قبل جميع الأطراف، علاوة على كونها قد خاطبت بشكل تفصيلي أسباب ومظاهر وتجليات الأزمة الاقتصادية وسبل معالجتها من خلال اعتماد إصلاحات هيكلية تضع حدًا للضعف الإداري والمالي الظاهر في جميع مؤسسات القطاع الاقتصادي بالبلاد، كما تضع معايير صارمة لمحاربة الفساد والمحسوبية ونهب الموارد العامة للدولة، كما تخلص بنود الاتفاق إلى تقديم حزمة من السياسات المنحازة إلى جانب المواطن، تخاطب هموم المعيشة وتؤسس للاستقرار الاقتصادي والسياسي من خلال الاعتماد على الذات وزيادة الإنتاج وتقليل الاعتماد على العملات الأجنبية.

اقرأ/ي أيضًا: تخريج قوات حركة عبدالواحد يثير تساؤلات عن تواجدها في دولة مجاورة

لقد مضى عامان على توقيع اتفاق السلام المنشط، والذي انتهى بإعلان تكوين الحكومة الانتقالية الجديدة، وكان الناس يتوقعون أن تقود تلك التطورات إلى انفراج حقيقي بالبلاد، ينعكس خبزًا وأمنًا وسلامًا على الناس، لكن النتيجة كانت عكسية تمامًا، بسبب انصراف اهتمام الأطراف الموقعة وصراعهم على المقاعد والتمثيل الوزاري واستيعاب أكبر قدر من منسوبيهم في هياكل السلطة في كافة المستويات.

إن أفضل الطرق وأقصرها هو الاعتراف بفشل تلك السياسات والعودة لتنفيذ بنود الإصلاح السياسي الواردة في اتفاق السلام المنشط

إن تخفيف موجة الاستياء وسط المواطنين بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة وغياب الخدمات الأساسية واستعادة ثقتهم في الحكومة، لا يتم عبر الإجراءات الشكلية المكررة بتغيير الأشخاص بين كل فترة وأخرى، فتلك أساليب أثبتت فشلها طوال العقد المنصرم من عمر الدولة في جنوب السودان بشهادة المواطنين أنفسهم، كما أن انتهاج الحكومة لسياسات السوق السياسي لن تقود للاستقرار كما أثبتت التجربة أيضًا، لذلك فإن أفضل الطرق وأقصرها هو الاعتراف بفشل تلك السياسات والعودة لتنفيذ بنود الإصلاح السياسي الواردة في اتفاق السلام المنشط بلا تردد.

اقرأ/ي أيضًا

التربية والتعليم: جهات تعمل بصورة منظمة لاختراق تأمين الامتحانات

وزير الصناعة: نواجه تحديات كبيرة للسيطرة على الغلاء