تفاقمت أزمة الأدوية في السودان لدرجة جعلت اللجنة التسييرية لشعبة الصيدليات الخاصة بولاية الخرطوم تعلن الإضراب الشامل لمدة ثلاثة أيام، والذي دخل حيز التنفيذ اعتبارًا من أمس السبت 30 أيار/مايو، كما أطلق عميد كلية الصيدلة بجامعة الخرطوم الدكتور بشير إبراهيم عثمان، نداءً عاجلًا بضرورة تدخل الدولة في أعلى مستوياتها "مجلس السيادة واللجنة الاقتصادية، رئيس الوزراء ووزير الصحة" للتحرك بسرعة واتخاذ ما يلزم من إجراءات طارئة واستثنائية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، ولفت إلى أن أزمة الدواء ظلت مستمرة "دون أية بوادر جدية لحلها منذ زمن ليس بالقصير".
الكشف عن (75) صنفًا معدومًا من الأدوية أو هناك صعوبة في الحصول عليها وتحذير من خطورة الموقف
أصناف دواء معدومة
وكشف عميد كلية الصيدلة بجامعة الخرطوم في صفحته على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، عن قائمة قام بإعدادها صيادلة عاملون بصيدليات المجتمع تضم (75) من الأصناف الدوائية التي يُبَلّغُ عن انعدامها أو صعوبة الحصول عليها بصورة راتبة، ونوه إلى أنها قابلة للزيادة، وحذر من خطورة الموقف، وذكر أن جائحة "كورونا" أصابت أعتى النظم الصحية وأقواها بالشلل وأن العديد من الدراسات بيّنت أن نسبة مقدرة من الوفيات في هذه الفترة لا يمكن نسبتها أو تعليلها بـ "كورونا" لأن هؤلاء المرضى من ذوي الحالات الطارئة أو الأمراض المزمنة قد لا يجدون المشافي المهيأة لاستقبالهم أو الكادر الصحي للتعامل مع أمراضهم، وأضاف: "وثالثة الأثافي عندنا هي انعدام أو شح الأدوية خصوصًا لذوي الأمراض المزمنة والخطيرة والتي تستدعي ضرورة الاستمرار في العلاج".
اقرأ/ي أيضًا: لجنة أصحاب الصيدليات تعلن الإضراب الشامل السبت القادم لانعدام الدواء
الوضع في الصيدليات
وأبلغ صيادلة أن من الأدوية المنعدمة أو الصعب الحصول عليها "الفيتامينات، البنادول، المضادات الحيوية الآسبرين، وأدوية الأمراض النفسية، وأدوية أمراض الضغط والسكري والقلب".
وأفادت صيدلانية "الترا سودان" إن أغلب الأدوية غير متوفرة وأنهم يعملون في الصيدليات على إرشاد المرضى وتوفير بدائل للأدوية المعدومة، ونوهت إلى أن ذلك الوضع أدى لوجود حالة من الهلع وسط المرضى بشراء كميات كبيرة من أدوية الاستخدام المستديم حال حصولهم عليها، وقالت: "بعضهم يطلب كل الكميات الموجودة في الرف"، مما اضطرهم كصيادلة لبيع ما يكفي كل مريض لمدة شهر واحد ليتمكن غيره من الحصول على الدواء، وأبدت حزنها على الواقع آملة في الوصول لمعالجات عاجلة.
وحسب المتابعات فإن الزيادات في أسعار الأدوية أثرت على عمل الصيدليات حيث لم يتمكن أصحاب الكثير منها من مواكبة تلك الزيادات نتيجة تآكل رؤوس أموالهم، الأمر الذي جعلهم غير قادرين على شراء كامل الأصناف التي يتطلب توفرها، مما اضطر بعضهم لعرضها للبيع بعد معاناتهم في الإيفاء بالالتزامات تجاه الصيادلة الذين يعملون معهم والمحاسبين وغيرهم من العاملين ومنصرفاتهم الشخصية والإيجارات، ويمتنع بعض أصحاب الصيدليات عن بيع الأدوية التي بحوزتهم خشية الخسارة لوجود توقعات بارتفاع الأسعار، حيث لن يتمكنوا من شراء كميات أخرى حال بيع ما بحوزتهم بالأسعار الحالية.
ويعاني أصحاب الصيدليات من عدم انسياب الأدوية ووصولها إليهم، وأبان بعضهم أن المشكلة الرئيسية هي عدم توفير النقد الأجنبي اللازم لاستيراد الأدوية، في وقت حدد تجمع الصيادلة المهنيين في بيان له الجمعة الماضية المبلغ المطلوب بـ(55) مليون دولار شهريًا منها (20) مليون دولار للإمدادات الطبية و(25) مليون دولار لقطاع المستوردين وعشرة ملايين دولار لقطاع التصنيع المحلي، وانتقد التجمع إلغاء بنك السودان للنسبة البالغة (10)% من حصائل الصادر من النقد الأجنبي المخصصة لاستيراد الأدوية، دون وضع البدائل.
مطالب بتدخل الدولة
وما بين الصيدليات التي أعلنت انحيازها للإضراب للضغط على الدولة للشعور بحجم المشكلة وحثها على التدخل العاجل لوضع المعالجات، وبين من هم على قناعة بوجود مشكلة حقيقية تتطلب المعالجة لكنهم يفضلون عدم الإضراب باعتبار أن الحكومة الحالية ورثت تلك الأوضاع، وأن المتضررين من الإضراب هم المرضى، يرى متابعون لقضية الأدوية أن تلك الأوضاع تتطلب الوصول لمعادلة بين المعنيين بالأمر "الحكومة والمستوردين والمصنعين المحليين والشركات والوكلاء وأصحاب الصيدليات" لتوفير الأدوية بأسعار معقولة للمواطنين دون انقطاع.
إضراب ومطالب مشروعة
وقال عضو لجنة تسيير شعبة الصيدليات الخاصة بولاية الخرطوم "صيدليات المجتمع" الدكتور جلال الدين قرشي أحمد، لـ"الترا سودان" السبت، إن نسبة الإضراب عالية وإن عدد الصيدليات التي نفذت الإضراب أكبر بكثير من المسجلة في القائمة ويتم تداولها على موقع التواصل وواتساب والبالغة (197) صيدلية، وأضاف إن الإحصائيات الأولية للملتزمين بالإضراب بلغت نحو (1000) صيدلية بولاية الخرطوم من جملة عدد الصيدليات البالغة (2500) صيدلية، وأشار إلى أن الإحصاءات لم تكتمل ومستمرة من جانب مناديب اللجنة –مندوبان- في كل محلية من محليات الولاية السبع، وذكر أنه لم يردهم أي اتصال من جهة رسمية بخصوص الإضراب.
اقرأ/ي أيضًا: الحكومة الأمريكية تدعم السودان بـ(3.5) مليون دولار إضافية لمجابهة كورونا
وحدد قرشي، مطالب اللجنة في توفير الأدوية واستقرار سعرها وضمان استمرار انسيابها من الشركات للصيدليات دون وسطاء، وتخفيض الرسوم والجبايات، وزيادة هامش الربح إلى (35-40%) لتمكين أصحاب الصيدليات من الإيفاء بالتزاماتهم ومنصرفاتهم مثل رواتب الصيادلة والمحاسبين وتحسين أوضاعهم، إيجار المواقع، الكهرباء والصيانة" وغيرها.
تشديد الرقابة
ويرى صيادلة أن الوفرة في حد ذاتها لا تمثل المطلب الوحيد، ويطالبون بتشديد وتكثيف الرقابة من قبل المجلس القومي للأدوية والسموم على الشركات والوكلاء والصيدليات عبر التفتيش الدوري للتأكد من التزام تلك الجهات بالأسعار التي يتم الاتفاق عليها ووضع غرامات على المخالفين ومحاسبتهم، ويشتكي صيادلة من دخول "تجار" لسوق الدواء من غير الممتهنين للصيدلة، حيث يسعون للحصول على أرباح عالية ويسيطرون على الأسعار دون أي التزام تجاه المهنة وأخلاقياتها.
وأوضح الصيادلة الذين تحدثوا لـ"ألترا سودان" أن للرقابة دورًا كبيرًا في ضبط العمل الخاص بالدواء بمعرفة كميات الأدوية التي تم استيرادها من قبل الشركات والكميات التي تم توزيعها وما هو متبقي في المخازن لتجنب حدوث أي تلاعب وضبطه حال وجوده.
مستوردون: توصلت السلطات الرسمية المختصة ممثلة في وزارة المالية ومكتب رئيس الوزراء لرؤية بخصوص الوفرة الدوائية
المستوردون يتابعون الموقف
وفي السياق خلصت المتابعات مع المستوردين إلى توصل السلطات الرسمية المختصة ممثلة في وزارة المالية ومكتب رئيس الوزراء لرؤية بخصوص الوفرة الدوائية تمثلت في التأمين على تمويل الدواء من موارد الصرف على السلع الاستراتيجية، وتوفير الدفعة الأولى من عملات أجنبية لاستيراد الأدوية المطلوبة وبصورة فورية ابتداءً من الأسبوع الأول من يونيو/حزيران -هذا الأسبوع-، وإن بنك السودان سيصدر توجيهًا للبنوك التجارية للإسراع في تنفيذ عملية التمويل، وأن سعر الدولار سيكون (55,2) جنيه سوداني، والتمويل سيتواصل بالتغذية على دفعات كلما توفرت العملات الأجنبية، بالإضافة إلى عمل الدولة على إدخال تمويل الدواء عبر محفظة بنكية تحت الإنشاء لمزيد من الاستقرار "مع توقع حدوث ذلك في ظرف ثلاثة أشهر".
وتشمل رؤية الحل أن تعكف وزارة المالية على دراسة كيفية سداد مديونيات الشركات السابقة، وأنها مستعدة في هذا الشأن لقبول مقترحات من المستوردين.
وتوصلت المتابعات إلى أن اللجنة التسييرية لغرفة المستوردين ستتواصل مع الحكومة للإيفاء بوعدها، وما جاء بشأن الرؤية الخاصة بالوفرة الدوائية، ولم يتمكن "ألترا سودان" من الحصول على إفادة رسمية من الحكومة بهذا الشأن.
وكشفت مصادر مطلعة عن استمرار تواصل غرفة مصنعي الأدوية مع الجهات المختصة في الحكومة، للاتفاق على رؤية بخصوص الأسعار الجديدة للأدوية المصنعة محليًا.
اقرا/ي أيضًا: التعليم العالي: لا صحة لاستئناف الدراسة بالجامعات وما نشر تضليل إعلامي
مشاكل الصناعة المحلية
ولبيان حجم الإشكالات التي تواجه الصناعة الدوائية المحلية ذكر مدير مصنع "هيوما فيت" الدكتور حسن علي حسن، لـ"الترا سودان" أمس السبت، أن هناك مشاكل تواجه الصناعة المحلية بسبب وباء كورونا وتصاعد قيمة الدولار مقابل الجنيه السوداني، وأن تكلفة المواد الخام تمثل (40)% من تكلفة الصناعة، وتابع أن المكون المحلي "مواد التعبئة والتغليف والترحيل" زادت تكلفتها أربعة أضعاف ما كانت عليه، وأن سعر ترحيل الحاوية من بورتسودان للخرطوم في بداية العام كان بمبلغ (80) ألف جنيه، وزاد في الوقت الحالي إلى (300) ألف، وأن سعر الكرتونة الفارغة ارتفع من (15 و20) جنيهًا، إلى ما بين (60-80) جنيهًا، بجانب حصولهم على الوقود بالقيمة التجارية وليست المدعومة.
وكشف حسن، عن توقف بعض المصانع عن التصنيع، وظهور اتجاه لدى بعضها بإرجاع المواد الخام لبلدان المنشأ، لأن ذلك يقلل الخسارة التي قد تنتج حال التصنيع.
حلول ومقترحات
ودعا مدير مصنع "هيوما فيت" للبحث عن حلول والحوار حولها، واقترح توسيع مظلة التأمين الصحي لتشمل الشرائح غير المنظمة، ومن هم داخل مظلة الدعم الاجتماعي المباشر للدولة واستقطاع جزء من مبلغ الدعم (200) جنيه مثلًا، لصالح التأمين الصحي وزيادة المبلغ المستقطع من الموظفين للتأمين الصحي عقب زيادة المرتبات، مقابل تقليل قيمة الأدوية بدفع نسبة (10 أو 15)% أو حسب النسبة التي تتم دراستها بدلًا عن دفع (25)% للمشتركين في التأمين.
وأبان حسن، أن سعر الدواء للتأمين الصحي الذي تشتريه الإمدادات الطبية أقل من السعر التجاري، مما يقلل تكلفة الدعم على الحكومة، ونبه لأهمية زيادة عدد الصيدليات العاملة في التأمين الصحي لتيسير حصول الدواء على المستهلكين، وإمكانية شراء الخدمة من الصيدليات الخاصة، وقال: "لابد أن نتخلص من الجمود ونبحث عن حلول لتوفير الأدوية لأن المواطن الآن يخسر في رحلة البحث عن الأدوية بالتنقل عبر إيجار المركبات من صيدلية لأخرى، أكثر من قيمة الأدوية".
ودفع مدير مصنع "هيوما فيت" بمقترح آخر يتمثل في زيادة مظلة الصناعة الوطنية لتؤمن (60)% من الأدوية بدلًا عن (40)%، الأمر الذي يوفر على الدولة فاتورة الدواء المستورد.
ودعا حسن، الحكومة للاتفاق مع المصنعين المحليين والمستوردين على أسعار مؤقتة للأدوية لحين تمكنها من توفير النقد الأجنبي، وبعدها يمكن مراجعة الأسعار، وأوضح أن التعامل الرسمي بسعر (55) جنيهًا مقابل الدولار أدى لإحجام الشركات عن الاستيراد خشية الخسارة لارتفاع سعر الدولار في السوق الموازي إلى (140) جنيهًا وعدم توفير الحكومة للنقد الأجنبي اللازم للاستيراد.
أصحاب الاختصاص يدقون ناقوس الخطر من تصاعد أزمة الأدوية بما يتطلب التدخل العاجل للدولة وتوفير الأدوية بأسعار معقولة للمستهلكين
ويرى أصحاب الاختصاص الذين دقوا ناقوس الخطر، إن أزمة الأدوية أصبحت متصاعدة بما يتطلب التدخل السريع لإنقاذ الموقف، وأن الأمل معلق في استجابة الحكومة وقدرتها على تجاوز الحال الراهن وابتكار حلول إسعافية، بجانب أخرى جذرية تجنب تكرار الأزمة مع تكثيف الرقابة للتأكد من وصول الأدوية للمستهلكين بأسعار معقولة.
اقرأ/ي أيضًا
"فاو" تحذر من تأثير الإغلاق الكلي على الفقراء وتدعو لإنشاء شبكة إنمائية
الأرفف الخالية من الأدوية تتزايد في صيدليات العاصمة والولايات