29-مايو-2020

تعبيرية (Getty)

صار مشهد "الأرفف الخالية من الأدوية" في الصيدليات أحد المشاهد العادية وغير الاستثنائية بالعاصمة والولايات نسبةً لندرةٍ غير مسبوقةٍ في الأدوية، أغلبها تدخل في علاج الملاريا والمضادات الحيوية لعلاج الالتهابات بجانب المحاليل الوريدية وعلاجات السكر. الأزمة الدوائية ليست وليدة اليوم، بل تمتد منذ عامين لكنها استفحلت الآن بعدما صعد الدولار الأمريكي إلى (140) جنيهًا في السوق الموازية، بينما بقي السعر التأشيري لحساب الأدوية عند (45) جنيهًا وهو في حدود السعر الذي وضعته حكومة المخلوع عندما كان الدولار في السوق الموازية يعادل (90) جنيهًا.

مالك صيدلية: مصانع أدوية رئيسية قلصت توزيع منتجاتها على الولايات منذ شهرين، والآن لايمكننا بيع أقراص عادية من البنادول المسكن للآلام في صيدلياتٍ تقع على تخوم الخرطوم 

وقلصت مصانع الأدوية بالعاصمة السودانية توزيع منتجاتها بالولايات، حيث أبلغ الطبيب الصيدلي محمد بشير "ألترا سودان" أنه كان يحصل على شحنات الأدوية من مصانع  "أميفارما"  و"آزال"  و"شنغهاي" وأخطرت هذه الشركات أن الأدوية غير متوفرة ما أدى إلى شح أدوية الملاريا والمحاليل الوريدية والبنادول وأصناف من المضادات الحيوية والمعينات الطبية.

اقرأ/ي أيضًا: جنوب السودان: إصابة نائب رئيس الجمهورية لشؤون الخدمات بفيروس كورونا الجديد

ويؤكد بشير، الذي يدير صيدلية جوار مستشفى مدينة الحاج عبد الله على بعد (55) كيلومترًا جنوبي مدينة ودمدني، أن "الحالات الواردة إلى مستشفى الحاج عبد الله لاتحصل على الأدوية لأنها أصبحت نادرة وغالية السعر".

ويحذر بشير من وقوع الكارثة في القريب العاجل، موضحًا أن "الإضراب المعلن من ملاك الصيدليات سيجد استجابةً واسعة" داعيًا إلى تحركٍ جذري وسريعٍ من أعلى المستويات الحكومية لتوفير حلول مستدامة للأدوية.

وألغى وزير الصحة الإتحادي أكرم علي التوم تسعيرة جديدة للأدوية أصدرها مجلس الصيدلة والسموم (هيئة حكومية) في مطلع أيار/مايو الماضي، مبررًا ذلك بأن الوقت غير مناسب لرفع أسعار الأدوية، وتعهد بالاجتماع مع ملاك مصانع الأدوية وشعبة مستوردي الأدوية.

ويقول مسؤول التوزيع في مصنع أميفارما، حسام علي، لـ"ألترا سودان" أن إلغاء التسعيرة الجديدة لم يكن موفقًا، لأن الأدوية حاليًا تباع في السوق السوداء بأضعاف الأسعار التي رفضها الوزير.

ويؤكد حسام أن "الوزير وعد ملاك المصانع بإيجاد حلٍ للأزمة والاجتماع معهم، لكنه أرسل مندوبًا عنه في الاجتماع الذي استمر لساعتين ولم يتوصل إلى حلٍ ناجع، وبالتالي استمرت الأزمة".

وبالإضافة إلى الإنتاج المحلي الذي يغطي (60) % من حاجة البلاد، هناك مشكلة تواجه شعبة مستوردي الأدوية التي تطالب بتوفير (25) مليون دولار لاستيراد الأدوية بسعر الصرف الرسمي (55) جنيها مقابل واحد دولار أمريكي، وهو السعر التأشيري المعتمد من البنك المركزي.

ويحتاج السودان إلى تأمين (300) مليون دولار سنويًا لغرض استيراد الأدوية والمواد الخام لمصانع الأدوية المحلية، ويقول مستثمرون في القطاع الصيدلاني إنهم يشترون الدولار الأمريكي من السوق الموازية بقيمة (140) جنيهًا، ويرتفع السعر كلما طبقت موجة جديدة من أسعار النقد الأجنبي.

مواطن: عثرت على عقاقير الزنك والفيتامينات بعد المرور على خمسة صيدليات. هنالك إقبالٌ كبيرٌ على هذه الأنواع لأنها ترفع المناعة وفقًا لما هو متداول بين الناس

وبجانب شح العملات الصعبة، هناك مشاكل أخرى تواجه مصانع الأدوية، منها عدم توفر الوقود والطاقة الكهربائية، بالتالي تضطر هذه المصانع إلى شراء الوقود من السوق الموازي، بسعر (12) إلى (15) ألف جنيه للبرميل الواحد من وقود الديزل.

اقرأ/ي أيضًا: خالد عمر: النخب السياسية تتهرب من سؤال علاقة الدين بالدولة والمواطنة

ويعتقد مسؤول التوزيع بمصنع أميفارما للأدوية، حسام علي، أن" توزيع الوقود ينبغي أن يركز على القطاعات الإنتاجية لا القطاعات الاستهلاكية، وأن شح الوقود متعلق بسوء الإدارة وعدم وجود نظام صارم يضمن الوقود للمصانع".

وتابع "عندما تنقل شاحنة واحدة الأدوية إلى الولايات، تحتاج إلى برميلين من وقود الديزل الذي يباع في المحطات العامة بسعر لا يتجاوز الثلاثة آلاف جنيه، ولكن طوابيرها طويلة لذلك نلجأ إلى السوق السوداء لشراء نفس الكمية بسعر (30) ألف جنيه، والفرق هنا يضاعف من تكلفة الإنتاج. أعتقد أن الحكومة يجب أن تبحث عن حلٍ جذري بتخصيص محطات للشاحنات".

ومع تفشي فيروس كورونا والشلل الذي أصاب غالبية المستشفيات في العاصمة الخرطوم وبعض الولايات، باتت الصيدليات تزدحم بطالبي الأدوية لشراء العقاقير التي تساعد على تقوية المناعة (فيتامين سي) و(الزنك) بالإضافة لعقاقير علاج الملاريا كونها يعتقد أنها تساعد على الشفاء من كوفيد-19.

ويقول عمر الأمين بضاحية جبرة جنوبي العاصمة السودانية "عثرت على عقاقير الزنك والفيتامينات بعد المرور على خمسة صيدليات. هنالك إقبالٌ كبيرٌ على هذه الأنواع لأنها ترفع المناعة وفقًا لما هو متداول بين الناس". 

ولكن إذا توفرت هذه الأدوية في بعض الصيدليات بالعاصمة، يبدو أنه من المستحيل العثور عليها خارج الخرطوم، ففي الصيدليات التي تقع بالقرب من مستشفى مدينة ودمدني بولاية الجزيرة على بعد (200) كيلومتر من العاصمة، تكاد الأرفف الخالية هي التي تسيطر على الصيدليات.

ويوضح الطبيب الصيدلاني محمد بشير، من صيدلية جوار مستشفى الحاج عبد الله بولاية الجزيرة أن "بعض الوصفات الطبية التي تصرف على المرضى الروتينيين وصلته من مدينة ودمدني لأنها منعدمة عندهم،. عقاقير الملاريا كانت تباع بسعر (80) جنيه، الآن تباع في السوق الموازي بسعر (180) جنيهًا وهي غير متوفرة رغم ذلك".

كلما ابتعدت المنطقة عن العاصمة السودانية كلما قل توفر الأدوية وإرتفعت أسعار المتوفر منها، ويعزو خبراء في القطاع الصيدلاني الأمر إلى عدم تنفيذ إصلاحات في المجلس القومي للإمدادات الطبية (الهيئة الحكومية المعنية بتوفير الأدوية للقطاع العام).

وتواصل "ألترا سودان" مع مسؤولين من المجلس القومي للإمدادات الطبية، لكنهم رفضوا الإدلاء بالتصريحات أو الإشارة إلى أسمائهم.

ويدعو الخبير في منظمة الصحة العالمية، حمودة أحمد عيسى، إلى إدراج الأدوية مع السلع التي استوردتها اللجنة الاقتصادية العليا، لأن الأدوية لاتقل أهميةً عن الوقود والقمح وغاز الطهي على حد قوله.

ويضيف "الأدوية ينبغي أن تدرج سريعًا مع السلع الأساسية، ويجب أن توفر اللجنة الاقتصادية العليا الأموال لاستيرادها بشكلٍ سريع لتأمين حاجة البلاد في هذا الوقت الحرج".

اقرأ/ي أيضًا: مسؤول حكومي: لن نطبع النقد لمقابلة زيادة الأجور للقطاع العام ولدينا حلول

ويعبر عيسى عن قلقه من عدم وضع خطة لتوفير الأدوية بواسطة وزارة الصحة ومكتب رئيس الوزراء عبدالله حمدوك، خاصةً مع انتشار فيروس كورونا الجديد كان معروفًا أن العالم سيسعى إلى تخزين الأدوية.

وينصح عيسى بإجراء إصلاحات على هيئة الإمدادات الطبية ووضعها تحت إدارة وزارة الصحة الاتحادية، مضيفًا أن "النظام السابق حول هيئة الإمدادات الطبية إلى إمبراطورية اقتصادية للتربح من تجارة الأدوية، لأنه كان نظامًا فاسدًا يسعى للربح في كل القطاعات".

خبير في منظمة الصحة العالمية:  المطلوب أن تضع وزارة الصحة خطة سريعة بالمطلوب استيراده وصناعته من الأدوية، ومناقشة الأسعار المنصفة للأطراف الثلاثة "المواطن والمصانع وشعبة المستوردين"

ويشير عيسى إلى أن المطلوب أن تضع وزارة الصحة خطة سريعة بالمطلوب استيراده وصناعته من الأدوية، ومناقشة الأسعار المنصفة للأطراف الثلاثة -المواطن والمصانع وشعبة المستوردين- وأن يتولى حمدوك توفير العملات الصعبة عبر اللجنة الاقتصادية في غضون أسبوعٍ واحدٍ ليتدارك شبح الانهيار الذي يلف القطاع الصيدلاني في البلاد.

وعلى المدى الطويل ولأغراض توفير الأدوية بشكلٍ مستدام يقترح عيسى بتشجيع الصناعات الدوائية لمستثمرين جدد، لأن القطاع الصناعي للأدوية يحتاج إلى روح المنافسة بجانب السيطرة على سعر الصرف للعملة المحلية لأنه المشكلة الأساسية المتعلقة بندرة السلع الأساسية.

اقرأ/ي أيضًا

عضو بالسيادي: انتهاء التحقيق في مجزرة الأبيض وتقديم المتهمين للعدالة قريبًا

احتقان قبلي في ولاية غرب كردفان ينذر بمواجهات وشيكة