21-سبتمبر-2022
التأمل الفلسفي

الفلسفة.. كيف يمكن تساعدنا في حياتنا اليومية؟

صباح اليوم، نشرت أنيل غوميز (Anil Gomes) وهي بروفيسورة مساعدة في كلية الفلسفة بجامعة "أوكسفورد" مقالًا على صحيفة "الغارديان" البريطانية، تتحدث فيه عن أحدث أعمال الكاتب كيريان سيتيا الذي يناقش فيه دور الفلسفة وكيف تساعدنا في حياتنا اليومية. ننقل إليكم المقال بترجمة حصرية لموقع "الترا سودان":

أهداف سيتيا التي يصوب عليها هي العيوب البشرية بصورة عامة، لكن معظم المشاكل التي تسوءنا هي مصائب فردية

لم يكن الفلاسفة القدماء يحملون قدرًا من الشك عند الإجابة عن السؤال المتمثل في إمكانية مساعدة الفلسفة لنا عند المرور بأوقات مريرة. بالنسبة إليهم -الفلاسفة- كانت الإجابة أوضح من الشمس؛ بالتأكيد هي جسر نحو الطريق الصحيح.

على سبيل المثال يخبرنا الإيطالي شيشرون (Cicero) أشهر خطباء روما وصاحب اللغة الرنانة أن الفلسفة في حد ذاتها هي "شكل فني علاجي للروح". مهمة الفلسفة البريئة هي أن تقودنا من أشكال المعاناة إلى خوض غمار الحياة بأكمل فصولها. يميل الفلاسفة المعاصرون إلى أن يكونوا أكثر حذرًا، ولن يكون التفكير في فائدة التدريب على تطبيق الفلسفة بمثابة طوق نجاة لنفسي وللناس من حولي بتوفير النصح والتوجيه، إلا أن طُرق الإنعاش القلبي الرئوي -مجازيًا- هي فقط عملية نقد الأسباب والأدوات، أعني تقطيع المنطق الذي قد يبدو أمرًا غير كافٍ بالنسبة إلى المخاوف والصراعات التي تتسامى في هذا العالم وفي هذه الحقبة.

https://t.me/ultrasudan

في أحدث كُتبه، يمتلك الفيلسوف الأمريكي كيريان سيتيا (Kieran Setiya) رأيًا مغايرًا؛ إذ يستخدم أمثلة منتقاة بعناية للإشارة إلى أن الفلسفة تساعدنا على معرفة المساوئ عبر الحياة البشرية، على سبيل المثال: الألم، والوحدة، والحداد وغيرها من الأحاسيس الآدمية. وعلى كل حال، فإن هذا الكتاب ليس قاعدة لتأسيس الحجج ولكنه انعكاس مصمم ليوفر لنا طرقًا وأنماطًا جديدة للتفكير حيال الأوقات الصعبة والعادية. بعض هذه الأمور تقبل التشخيص، فكّر مثلًا في خوفك أن تنتهي حياتك في نهاية المطاف بالفشل، يخبرنا سيتايا حيال هذا الصدد أن هذه الفكرة تحدث وتصبح منطقية في اللحظة التي تفكر في الحياة وكأنها مسألة سردية واضحة، أي رحلة طويلة وشاقة تقبض في نهايتها على جائزة معينة. يعتبر سيتيا هذا التفكير خاطئًا ويرى أنه يجب علينا ألا نصنع هذا النمط الواهي عن الحياة؛ لأن ما يجعلها ذات قيمة -الحياة- ليست المشاريع أو الأنشطة ولا الأسئلة الوجودية، لكن تنبع قيمة الحياة العظمى من الطريق نفسه أو الطريقة التي نخوض بها الأمور.

حسنًا، إذا ما استعددت جيدًا للاشتراك في الماراثون حينها سأورط نفسي في خطر الفشل الأكيد لأنني لن أفوز، لكن إذا ما ركزت على التجربة بحد ذاتها، تجربة الركض، حينها سأشارك في شيء ذا قيمة مهما كانت نتيجة الماراثون ومهما أبليت فيه. قيمة المشاريع في نهايتها، لكن قيمة الطريقة تتفتح من الطريقة نفسها بلا الحاجة إلى نجاح ملموس. والخوف من الفشل يتضمن طغيان عنصر واحد على بقية العناصر.

لماذا يهمنا الأصدقاء؟

لا أعتقد أن الإجابة هي صفاتهم التي يتحلون بها، أنا على سبيل المثال كنت استمع إلى الموسيقى مع صديقي "دان" على مدار العشرين عامًا الماضية، وإذا كانت صداقتي معه معتمدة كليًا على معرفته الثرية حيال الموسيقى فإنني على الأغلب كنت سأبدله في الفرصة التي أتعرف فيها على أحد يمتلك معرفة موسيقية أكثر منه، لكن تعلقي به ليس بسبب سماته وإنما بسبب "دان" نفسه، لأنه يمتلك بالنسبة إلي قيمة غير مشروطة بأي شيء كان، ولهذا دائمًا ما كانت الوحدة مؤلمة؛ لأنها تفصلنا عن قيمة الآخرين، الوحدة تفرض علينا ألا نفكر في الاهتمامات المشتركة مع الناس إذا ما أردنا التغلب عليها وقتالها، لذلك علينا الإحساس بوجود الآخرين والاعتراف بحضورهم ثم معرفة ما الذي يمكن أن يحدث من هذا المنطلق.

الفلسفة هنا ليست مجرد أداة تحليلية؛ ففي كتاب سيتيا هنالك محاولة توجيهية بها لمحة من أفكار المؤلفة الأيرلندية آيريس موردوش (Iris Murdoch) التي تقول إن تطور الفلسفة هو حقل يحتوي على طرق جديدة فعالة لإيصال وتوضيح تجاربنا الشخصية وهذا اللون من التقدم لا يمكن اكتسابه بالمنطق فحسب، لكنه يتطلب الانتباه، التفكير الدقيق والقدرة على تسليط الضوء على ما يستحق بالفعل.

أهداف سيتيا التي يصوب عليها هي العيوب البشرية بصورة عامة، لكن معظم المشاكل التي تسوءنا هي مصائب فردية لكل واحد منا؛ أي لا أساس مشترك بينها والفلسفة التي تخاطب مخاوفنا الدفينة قد تستهدفنا كأفراد بنفس المفهوم، لكن سيتيا يوجه أنظاره نحو مشكلة أكثر أهمية وهي أن بعض المشاكل تصيبنا لسبب بسيط، وهو أننا بشر فحسب، لذلك فإن مسألة النصح التي تقابل الجموع قد تتسبب في "دوار" أو نوع من التوهان وقد تبدو مبتذلة أيضًا.

لكن التفكير بوضوح ربما لا يكون الدواء الشافي وقد تبدو الأشكال الجديدة من الأدوية ليست ذات فائدة كبيرة لأولئك الذين يشعرون بمخاوف سيتيا، كم من أولئك الذين يحزنون على وفاة أحد الوالدين سيتقبل فكرة أن تقبل التغيير ليس خيانة لأفراد أسرهم الذين رحلوا. في نهاية المطاف ربما تكون الفلسفة مفيدة فقط لأولئك الذين يميلون بالفعل إلى التكهنات الفلسفية.

أنه أمر وارد، أقصد تكهنات الفلسفة لكل واحد منا، لأن رأي كانط صحيح بخصوص هذا الأمر سواء أحببناه أم لا، على كل حال فإن المؤسسات الصحية ليست معدّة لمعالجة تداعيات الحداد أو الحزن أو الوحدة أو الألم العاطفي، لكن الفلسفة، على الأقل، أرخص سعرًا من العقاقير والمشروبات الكحولية.

لا يعيش المرء حياةً ذات قيمة ما لم تكن فيها معاناة وألم ويفضل أن يواجهها بالتقبل الذي تصبو إليه الفلسفة

في نهاية المطاف علينا أن نتقبل حقيقة أننا ومن نحب سنواجه فكرة الفناء آجلًا أم عاجلًا، لا يعيش المرء حياةً ذات قيمة ما لم تكن فيها معاناة وألم ويفضل أن يواجه المرء هذه الحياة بالتقبل الذي تصبو إليه الفلسفة.