22-مايو-2024
الحرب في العاصمة الخرطوم - لقطة جوية

تظهر آثار الحرب في كل مكان بالعاصمة الخرطوم

تحديث جديد في خرائط غوغل وغوغل إيرث نقل مشاهد الدمار الكبير الذي طال العاصمة الخرطوم، مركز البلاد وأهم ولايات السودان، خلال عام من الحرب التي دارت وسط أحيائها السكنية العريقة وأبرز معالمها التاريخية، محيلة بعضها إلى رماد بعد أن كانت نارًا على علم.

أطلقت الرصاصة الأولى في حرب السودان في 15 نيسان/أبريل 2023، ومنذ اليوم الأول كانت العاصمة الخرطوم مسرح الأحداث التي اشتعلت ابتداءً في المدينة الرياضية والباقير جنوبًا، ومطار الخرطوم الدولي والقيادة العامة للقوات المسلحة السودانية في قلب المدينة. حلق الطيران الحربي بكثافة في سماء العاصمة وقتها، وتبادل الجيش والدعم السريع شتى أنواع المقذوفات. مقاطع صورها مدنيون حينها أظهرت قوات الدعم السريع وهي تقتحم مطار الخرطوم الدولي بالقرب من منطقة القيادة العامة للقوات المسلحة، والتي تحوي مقر إقامة رئيس مجلس السيادة قائد الجيش عبدالفتاح البرهان، وقيادة الأركان.

بانطلاق الرصاصة الأولى للحرب السودانية، ابتدرت العاصمة الخرطوم واحدة من أقسى الصفحات في تاريخها

بانطلاق الرصاصة الأولى للحرب السودانية، ابتدرت العاصمة الخرطوم واحدة من أقسى الصفحات في تاريخها، لتستمر الاشتباكات في أحياء وشوارع الولاية التي خلت من معظم السكان، بعد أن كانت الأكثر كثافة في السودان.

مطار الخرطوم الدولي

الاقتتال في مطار الخرطوم الدولي كان الأشد ضراورة بشهادات متطابقة من طرفي الحرب. في اللحظات الأولى لاقتحام قوات الدعم السريع مطار الخرطوم الدولي، فقد العديد من المواطنين والعسكريين حياتهم، كما نتج عن ذلك دمار كبير في بنية المطار التحتية والمنطقة المحيطة. تسببت المعارك في حرائق ضخمة وتدمير عدد كبير من الطائرات وثقها غوغل إيرث وصور الأقمار الصناعية في المصادر المفتوحة.

صالة في مطار الخرطوم الدولي تحترق بعد أن ثقب سقفها مقذوف في 15 نيسان/أبريل 2023
صور حريق في مطار الخرطوم الدولي وسمتها خرائط غوغل بتاريخ 15 نيسان/أبريل 2023 (غوغل إيرث)

التاريخ على الصور المحدثة لمطار الخرطوم الدولي في غوغل إيرث هو تاريخ اندلاع الحرب، وتبدو فيها صالة من صالات المطار تشتعل بعد أن ثقبها أحد المقذوفات. صور أقمار صناعية أخرى من "ويي باك WayBack" أحدث من صور غوغل إيرث تظهر نحو (50) طائرة محترقة، وخراب العديد من المنشآت في المطار. يذكر أن الخطوط الجوية السعودية كانت قد أعلنت احتراق إحدى طائراتها التي كانت بصدد الإقلاع من العاصمة الخرطوم في الخامس عشر من نيسان/أبريل 2023، وعلقت رحلاتها من وإلى البلاد منذ ذلك الوقت.

طائرات محطمة ومحترقة في مطار الخرطوم الدولي
طائرات محطمة ومحترقة في مطار الخرطوم الدولي في صور أقمار صناعية حُدثت في آذار/مايو الماضي (ESRI)

يقع مطار الخرطوم الدولي في قلب العاصمة، وقد شهدت المنطقة المحيطة به أبشع فصول الحرب في أيامها الأولى. الآن تخلو شوارع أحياء العمارات والخرطوم القديمة المجاورة للمطار من المارة، وقد كانت هذه المنطقة مشتعلة بالتجارة والحياة، وكبرى الشركات العاملة في البلاد.

جامعة الخرطوم

جامعة الخرطوم تأسست في العام 1902، وهي أعرق الجامعات السودانية على الإطلاق، تخرج فيها علماء وقادة وأدباء البلاد. تقع مباني مجمع الوسط لجامعة الخرطوم ومقرات إدارة الجامعة في قلب منطقة الاشتباكات بين الجيش والدعم السريع، حيث يجاورها غربًا القصر الجمهوري الذي تسيطر عليه قوات الدعم السريع منذ اليوم الأول للحرب، كما تحاذي الجامعة شرقًا القيادة العامة للقوات المسلحة التي ما يزال فريق من الجيش يسيطر على أجزاء واسعة منها.

بسبب موقعها تضررت جامعة الخرطوم من المقذوفات المتبادلة بين الطرفين. صور الأقمار الصناعية التي تحصل عليها "الترا سودان" من أرشيف "ويي باك WayBack"، تظهر سقوط مقذوفات على قاعة امتحانات جامعة الخرطوم التاريخية التي جلس فيها لأداء امتحان واحد على الأقل، جميع من درس بالجامعة. تضررت أيضًا كلية العلوم شرق قاعة الامتحانات الكبرى، أو الـ"إكزام هول" كما يحلو لطلاب الجامعة تسميتها.

ثقوب مقذوفات في سقف قاعة الامتحانات الكبرى بجامعة الخرطوم ومباني كلية العلوم
ثقبت المقذوفات قاعة الامتحانات الكبرى ومباني كلية العلوم في مجمع الوسط بجامعة الخرطوم (ESRI)

بالقرب من الجامعة يظهر متحف التاريخ الطبيعي الذي احترق في الأسابيع الأولى للحرب، وقتلت فيه العينات الحية من الحيوانات بخليط من الحرائق والجوع والعطش داخل الأقفاص التي تركت موصدة رغم المناشدات التي أطلقتها مديرة المتحف حينها لفتحها، والتي لم تجد آذانًا مصغية وسط دوي الرصاص.

الجوهرة الزرقاء

استاد الهلال أو ملعب نادي الهلال للتربية الرياضية، الشهير باسم الجوهرة الزرقاء، هو أحد أبرز معالم أم درمان في العاصمة المثلثة. ينافسه في الأهمية ملعب نده التقليدي المريخ، المعروف بلقب القلعة الحمراء. تظهر صور الأقمار الصناعية في غوغل إيرث ملعب الهلال وقد احترقت أرضيته وتحولت للون الأسود الداكن.

حرائق وتخريب في استاد الهلال والملعب الرديف لنادي الهلال
احترقت أرضية ملعب نادي الهلال والملعب الرديق وخربت مقذوفات بعض المقصورات في المدرجات (غوغل إيرث)

دارت في أم درمان معارك لا يمكن عدها خلال عام من الحرب، تمكنت فيه القوات المسلحة مؤخرًا من انتزاع منطقة الإذاعة والتلفزيون وسوق أم درمان القديم. الجيش السوداني يقول إنه يتقدم حتى أمبدة وسوق ليبيا في غرب أم درمان. ولكن تظل هذه المناطق محل نزاع، وتستمر الاشتباكات والقصف الذي يحصد أرواح المواطنين، على الرغم من دعوات العودة إلى المدينة.

القوات المسلحة بثت مقاطع فيديو في نيسان/أبريل الماضي من داخل ملعب الهلال. أكدت هذه المقاطع الدمار الهائل الذي حل بملعب أحد بطلي الديربي السوداني. خرائط غوغل المحدثة تظهر أن الخراب لم يقتصر على الملعب الأساسي للهلال، بل احترق الملعب الرديف أيضًا، كما حطمت مقذوفات بعض المقصورات بالمدرجات.

الهلال السوداني، مثله مثل بقية الأندية السودانية القليلة التي واصلت نشاطها بالخارج عقب اندلاع الحرب، يتنقل في دول الجوار ويحاول أن يستمر في المنافسة على الرغم من الظروف. بعثة النادي خلال هذا العام وصلت إلى السعودية وتونس والقاهرة والمغرب وليبيا. ومؤخرًا، أعلنت إدارة الهلال السوداني تلقيه الموافقة للمشاركة في الدوري التنزاني لكرة القدم.

يذكر أن رمز الكرة السودانية وقائد فريق الهلال لكرة القدم، المدرب فوزي المرضي كان قد توفي في حزيران/يونيو 2023، وذلك بعد أيام فقط من مقتل ابنته وإصابة زوجته خلال الاشتباكات، حيث اخترقت مقذوفات نارية نافذة منزل فوزي المرضي لتودي بحياة ابنته الطبيبة آلاء، فيما أصيبت زوجته برصاصة في الكتف.

القلعة الحمراء أيضًا لم تسلم من الخراب، وتظهر صور الأقمار الصناعية آثار عام من الحرب على الملعب الذي كان بالفعل تحت الصيانة قبل أن توقف الحرب كل شيء في "خرطوم الفيل". المريخ أيضًا مثل الهلال، صنوه في القمة السودانية، ما يزال يتجول في دول الجوار متمسكًا بالاستمرار في المنافسة.

ملعب المريخ القلعة الحمراء وآثار الحرب
ملعب نادي المريخ السوداني عقب عام من الحرب (غوغل إيرث)

كبري شمبات

واحدة من أكثر اللحظات احتدامًا في الحرب السودانية كانت لحظة تدمير قسم من كبري شمبات الذي يربط الملازمين في أم درمان بمنطقة شمبات في الخرطوم بحري. تسيطر قوات الدعم السريع على الجسر من اتجاه مدينة بحري، بينما يسيطر الجيش على الملازمين وقاعدة سلاح المهندسين في أم درمان.

على خرائط غوغل التدمير في الجسر يبدو هندسيًا للغاية، حيث سقط قسم من الجسر على النيل كأنه قد قُص بشكل دقيق. في صور الأقمار الصناعية التي حدثتها غوغل إيرث، يبرز القسم الذي سقط على النيل من كبري شمبات من مجرى النهر بوضوح.

كبري شمبات بعد القصف
كبري شمبات بعد تدمير قسم منه، ويبرز القسم المدمر من مجرى النهر في صور الأقمار الصناعية (غوغل إيرث)

كبري شمبات المهم بالنسبة للعاصمة المثلثة في السلم والحرب، يقع على نهر النيل بالقرب من مقرن النيلين الأزرق والأبيض، وجزيرة توتي. وضع حجر الأساس للجسر في العام 1962، وجرت مراسم الافتتاح الرسمي في العام 1966. وعلى الرغم من عدم تبني أي جهة لاستهداف الجسر، إلا أن العديد من الأطراف تنسب العملية للجيش السوداني، حيث مثّل الجسر خط إمداد مهم لقوات الدعم السريع في أم درمان، كما يشكل تهديدًا للالتفاف والهجوم عبر بحري على قاعدة المهندسين ومناطق ودنوباوي وسوق أم درمان في أم درمان القديمة.

المحطة الوسطى بحري

من عاش في العاصمة الخرطوم لا بد وقد زار سوق المحطة الوسطى في مدينة بحري. يقع سوق المحطة الوسطى الذي يحوي أيضًا موقف المواصلات العامة، بالقرب من جسر المك نمر الذي يقود إلى شارع الجامعة والقيادة العامة للقوات المسلحة. السوق كان أحد أكبر أسواق العاصمة، وبقربه جميع المراكز الحيوية والمحلات المهمة في مدينة بحري.

لم يكن سوق بحري ليخلو من المارة والتجار في الحالات الطبيعية، عادة تضج هذه المنطقة بالحياة، حيث تجمع المتسوقين والمتنقلين بين مدن العاصمة. لكن صور الأقمار الصناعية المحدثة توضح حجم الدمار الذي حل بمدن العاصمة التي يبدو أنها قد تغيرت إلى الأبد.

المحطة الوسطى بحري
آثار تخريب وما يدل على أعمال نهب واسعة في المحطة الوسطى بمدينة بحري في العاصمة الخرطوم (غوغل إيرث)

في الصور المحدثة في شباط/فبراير الماضي، آثار المعارك تدل على أهمية هذه النقطة المحورية بين أهم القواعد العسكرية للجيش، وتنقل المشاهد القاتمة من القتال الذي قام هناك على مدى عام.

السيارات المحرقة والأولوان الداكنة بجانب اتساخ الأرض بما يبدو أنها بقايا ما بداخل المحلات، يؤكد على أن شيئًا لم ينجُ من الحرائق والنهب والتخريب. تقول صور خرائط غوغل إن بحري العتيقة قد غيرت الحرب ملامحها المعتادة، كما خلت تمامًا من المارة.

حريق المحطة الوسطى بحري
المحطة الوسطى بحري في آذار/مايو الجاري، ويظهر عليها آثار حرائق قضت على الأكشاك والطبالي التي يبدو أنها قد أزيلت تمامًا (ESRI)

مستقبل قاتم

في ما سبق كانت مشاهد محدودة من حجم الدمار في أبرز معالم الخرطوم، ولكن الحرب وصلت لكل شيء في العاصمة التي كانت تحتضن الحكومة المركزية وإدارات البنوك والشركات. كانت الخرطوم تحرك عجلة اقتصاد السودان وسكانه، وهي الولاية التي استقرت بها معظم الخدمات الصحية والتعليمية، وتعد قبلة السودانيين الأهم داخل بلدهم. الآن، في كل نقطة من خرائط غوغل في العاصمة يمكن للمشاهد أن يجد آثار الحرب، كذلك يمكن ملاحظة حجم السرقات فقط باختفاء خزانات المياه من أسقف البيوت والخراب في الأسواق، ناهيك عن السيارات المشتتة في الشوارع والبنايات المحترقة.

مستقبل الخرطوم قاتم مثل المشاهد التي نقلتها خرائط غوغل وصور الأقمار الصناعية

مستقبل الخرطوم قاتم مثل المشاهد التي نقلتها خرائط غوغل وصور الأقمار الصناعية، ومنها فقط يمكن القول إنه لو توقفت الحرب في السودان اليوم، فإن عودة العاصمة إلى عهدها القديم سيحتاج وقتًا طويلًا؛ إزالة آثار الحرب وحدها يتطلب مجهودًا كبيرًا ومبالغ طائلة، ناهيك عن إعادة الإعمار. يذكر أن القوات المسلحة كانت قد أقرت بانتشار الذخائر غير المتفجرة في أم درمان، وأعلنت عن فرق من المتخصصين للعمل على نظافة المدينة من الأجسام الغريبة ومخلفات الحرب.