18-أكتوبر-2021

(Ostinato Records)

لا ينظر خبراء الموسيقى إليها كلحنٍ جميل يدغدغ المشاعر ويحرك الأجساد، تتجاوز الموسيقى الاختزال في مصطلح "طرب" لتغدو ثقافة أمة كاملة، تاريخ كامل يحكى في عدة دقائق، قصة عشق تختصر رحلة عمر طويلة. تتجاوز الموسيقى حدود المألوف لتغدو في بعض الأوطان جزءًا من العادات والتقاليد، وفكرة تستدعي النضال من أجلها. 

الموسيقى بحسب أهل الاختصاص تراث جمالي ينتقل من جيل لآخر، توثق لحظات تاريخية من نضالات الشعوب، وتشرح جغرافيا الأرض. إنها اللغة غير الرسمية التي تعرّف بها الشعوب نفسها، وبالموسيقى تتواصل الأجناس البشرية بلغة لا تعرف السلاح والدماء.

السودان والسودانيون لم يكونوا يومًا منفصلين عن الموسيقى للتعبير عن ذواتهم

والسودان لم يك يومًا منفصلًا عن الموسيقى للتعبير عن ذاته، فلا أحاديث تجمع بين شعوبه المختلفة في عاداتها وتقاليدها إلا وكانت الموسيقى حاضرة فيه، وتعد مدخلًا للتعريف بالقبائل وثقافة جغرافيا المنطقة. 

اقرأ/ي أيضًا: معرض الثورة الأول.. رسالة أمل باللون والموسيقى

وما بين الماضي والحاضر لتاريخ الموسيقى السودانية، ينظر التقرير التالي في تحولات وقضايا الموسيقى السودانية.

هل توجد موسيقى سودانية؟

عرف السودان الموسيقى والغناء منذ وقتٍ مبكر، وكان لأغاني الحقيبة أثرًا كبيرًا في تطور المشهد الموسيقي السوداني. وكلمة "حقيبة" تعود لاعتياد الفنانين آنذاك على حمل المعدات والآلات الموسيقية في حقائب، فسميت حقائب الفن.

ويعود تاريخ أغاني الحقيبة في السوداني إلى ما قبل عشرينات القرن الماضي. حيث كان ينظر إليها كناقل للأغاني الوطنية والوجدانية للشعب السوداني. ونقلت أغاني تلك الحقبة صور ومشاهد من الحياة السودانية آنذاك، ووثقت بالكلمة واللحن مقتطفات من الحياة الريفية كما في أغنية "نعيم الدنيا" للراحل أبوداؤود

وتكررت بحسب مختصين بالمجال الموسيقي، كلمات عادية بأداء عالٍ وحنكة فنية، تجسدت في أداء الفنان خليل فرح بتكراره لمفردة "آه" بالأغنية الوطنية الخالدة بوجدان الشعب السوداني "عزة في هواك".

 

ويرى رئيس لجنة الألحان والأصوات بالإذاعة السودانية سابقًا، الموسيقار الماحي سليمان، أن الاغنية السودانية شهدت تنوعًا موسيقيًا بين الماضي والحاضر، وتأثرت بالظواهر والآلات الحديثة. ومع ذلك نجحت الموسيقى السودانية في الحفاظ على خصوصيتها والطابع المحلي المتنوع والثري بالإيقاعات الأفريقية.

اقرأ/ي أيضًا: "عرس الزين".. مهرجان لتكريم الطيب صالح في كرمكول

إذن هل توجد موسيقى سودانية مستوفية لجميع عناصر الموسيقى المعروفة عالميًا؟ يجيب الموسيقار الماحي سليمان، بأن الموسيقى السودانية استوفت شرط الإيقاع. وعلل حديثه لـ"الترا سودان" بأن الموسيقى السودانية تعد مستودعًا موسيقيًا لم يفتح بعد، يحكي قصة هوية وتاريخ شعب كامل، ذاخرًا بالتنوع والثقافات المحلية. إلى جانب استيفاء عناصر الطابع الصوتي والتأليف الموسيقي.

موسيقى القارة السمراء

نجحت الموسيقى السودانية في الوصول والانتشار في مختلف بقاع القارة السمراء، وخاصة أغاني الفنان "محمد وردي". وتعرف الموسيقى السودانية في الحزام الأفريقي بدءًا من دول إريتريا وإثيوبيا والمناطق الجنوبية من المغرب العربي، وصولًا لدول نيجيريا وغانا ومالي والسنغال، مرورًا بحضارة الأمازيغ والقبائل البدوية في الصحراء الأفريقية. فكيف يفسر الموسيقار الماحي سليمان هذا النجاح؟

الموسيقى السودانية شهدت عدة تحولات ما بين الأمس واليوم. ونجحت خلال المراحل التاريخية المختلفة في عكس حضارة بلاد السمر وثقافتها

يوضح سليمان أن السلم الخماسي الأسمر هو المعمول به بتلك البلدان، مع وجود الاختلافات ذات الطابع المحلي.

وتابع حديثه، بأن كثيرًا من تلك البلدان والأوطان كانت في فترة تاريخية سابقة ذات حضارة واحدة، وقسمت بفعل الاستعمار.

اليوم والأمس

في الماضي قبيل انتشار موسيقى الجيب بالهواتف المحمولة، كان أهالي قرية ما بالسودان يتجمعون لسماع الأغاني بالمذياع الوحيد المتوفر آنذاك بالقرية. والموسيقى السودانية شهدت عدة تحولات ما بين الأمس واليوم. ونجحت خلال المراحل التاريخية المختلفة في عكس حضارة بلاد السمر وثقافتها.

اقرأ/ي أيضًا: فيلم "الست" يفوز بجائزة جديدة

ويشرح الموسيقار الماحي سليمان تطورات واقع الموسيقى بقوله، إن السيدة أم كلثوم كانت تنشد وتغني لما يقارب الأربعين دقيقة، وكذلك كان حال الموسيقى السودانية الكلاسيكية في واحدة من المراحل التاريخية. على حد قوله.

اليوم بحسب ما يرى الماحي سليمان، تجنح الموسيقى للإيقاع السريع أو ما يعرف بـ"البوب السريع" وضرب مثلًا لـ"الترا سودان"، ببعض الموسيقى بدولة اليابان التي لا تتجاوز التسعين ثانية.

مازجت الموسيقى السودانية ما بين الشكل الكلاسيكي للموسيقى والإيقاعات الحديثة وتنويع الأداء

وعلل بقوله، إن المنهج العالمي بالمجتمعات الحديثة، يتحرك سريعًا وشديد التفاعل بالأحداث اليومية، وأصبح إنسان العصر الحديث يركض وراء الإنتاج خلال ساعات اليوم. بينما احتفظ الأسلوب الكلاسيكي بموقعه، مع تواجد تحديث للموسيقى الكلاسيكية بالإيقاعات السريعة، وتعرف بـ"التوب كلاسيك".

بعد ما تقدم؛ يجوز لنا القول إن الموسيقى السودانية نجحت بالخروج خارج حدود السودان معرفة نفسها بالخماسية السمراء. ومازجت ما بين الشكل الكلاسيكي للموسيقى والإيقاعات الحديثة وتنويع الأداء. مع الاحتفاظ بالمحلية السودانوية والحضارة الإفريقية الضاربة في قلب التاريخ.

اقرأ/ي أيضًا

بروفايل| رحلة فنية مع فائزة عمسيب

الفترة الانتقالية والسياسات الثقافية.. تحديات إدارة التنوع في السودان