12-أغسطس-2020

سلفا كير ونوابه (Getty)

تزايدت آمال ضحايا الحرب الأهلية الثالثة التي شهدتها جنوب السودان في العام 2013، بعد أن توصلت الأطراف لاتفاق سلام ينص في فصله الخامس على ضرورة إنشاء محكمة هجين لتقديم المتورطين في الانتهاكات التي ارتكبوها للعدالة، إلا أن تلك الآمال بدأت تتضاءل يومًا بعد يوم في ظل صمت أطراف الاتفاق في الحكومة والمعارضة عن قضية العدالة الانتقالية التي تعتبر في نظر المنظمات الحقوقية الدولية واحدة من الخطوات التمهيدية المهمة جدًا في سبيل استدامة السلام الهش في دولة جنوب السودان، لتجاوز تلك الحقبة التي شهدت أفظع الانتهاكات التي وقعت في حق الضحايا المدنيين الذين تم استهدافهم بشكل ممنهج أثناء الصراع الذي أتخذ طابعًا إثنيًا باعتراف قيادات الأطراف الموقعة على اتفاق السلام أنفسهم.

نصت اتفاقية السلام المنشطة 2018، على إنشاء محكمة هجينة للتحقيق في الانتهاكات التي وقعت ضد القانون الدولي منذ بداية الصراع في جنوب السودان

اقرأ/ي أيضًا: بعد الكشف عن عدد من الحالات.. وزارة الصحة تعلن وباء شلل الأطفال في السودان

وعلى الرغم من أن البند الثالث من الفصل الخامس في الاتفاق قد نص على أن يقوم الاتحاد الإفريقي بإنشاء المحكمة الهجين للتحقيق في الانتهاكات التي وقعت ضد القانون الدولي والإنساني والقوانين المحلية منذ بداية الصراع في جنوب السودان، ومن ثم تقديم المتهمين للمحاكمة على تلك الجرائم التي تتمثل في جرائم الإبادة الجماعية، الجرائم الموجهة ضد الإنسانية، جرائم الحرب، بجانب بقية الجرائم الأخرى التي تخالف القوانين الدولية بما فيها جرائم العنف الجنسي على أساس النوع، إلا أن المحكمة التي سيشرف عليها بحسب نصوص الاتفاق قضاة من الدول الإفريقية وقضاة من جنوب السودان، لم تر النور حتى الآن لأسباب تبدو غير معلومة للجميع.

هذا وتتمثل الأزمة الرئيسية في قضية تكوين المحكمة الهجينة لجنوب السودان في أنها تأخرت كثيرًا في تكوينها من قبل الاتحاد الإفريقي الذي كان قد عقد اجتماعات مكثفة بمدينة دار السلام التنزانية للشروع في تكوين المحكمة في العام 2019، لكن تلك المشاورات التي عقدها الخبراء الإقليميين بشأن المحكمة لم تر النور إلى أن تم تكوين الحكومة الانتقالية الجديدة التي تضم الأطراف الخمسة الموقعة على اتفاق السلام، مما عطل إمكانية عدم مشاركة كل من يثبت تورطه في تلك الانتهاكات في الحكومة الجديدة أو أي حكومة يتم تكوينها في جنوب السودان مستقبلا، وهو الشئ الذي من شانه أن يقوم بتعطيل أعمال المحكمة طالما كان الأشخاص المشتبه بتورطهم في تلك الجرائم جزءً من آلية صنع القرار.

اقرأ/ي أيضًا: حوار| أسئلة التعليم بالبحر الأحمر ما بعد الثورة السودانية

وكانت السلطات الحكومية قد حاولت تعطيل بند المحكمة الهجينة من خلال تعاقدها مع مجموعة ضغط أمريكية مملوكة لدبلوماسيين بمبلغ (3.7) ملوين دولار أمريكي، ونص العقد المبرم مع المجموعة المملوكة لمايكل رانبيرغر، وهو دبلوماسي أمريكي متقاعد عمل سفيرًا لبلاده لدى كينيا، على أن تعمل مجموعة الضغط على تحسين العلاقات المتدهورة بين جنوب السودان وواشنطن التي كانت حليفًا سابقًا لجنوب السودان، قبل أن تهتزّ العلاقة بسبب قضايا الفساد والانتهاكات التي ارتكبتها الحكومة بقيادة الرئيس سلفاكير مَيارديت، خلال فترة الحرب الأهلية التي شهدتها البلاد بعد أشهر قليلة من استقلالها.

عبرت الحكومة كثيرًا عن تخوفها من أن تقود المحكمة لتقويض العملية السلمية كما اعتبرتها مؤامرة دولة لاسقاطها

وكثيرًا ماعبرت الحكومة عن تخوفها من المحكمة التي اعتبرتها في تصريحات منسوية لوزير الاعلام والمتحدث الرسمي باسمها مايكل مكوي لويث، كمحاولة من المجتمع الدولي لاسقاط الحكومة، وتقويض عملية السلام، وذلك بعد أن أعلنت الولايات المتحدة عن تسليمها مبلغ (4.8) مليون دولار للاتحاد الإفريقي للمساعدة في إنشاء المحكمة الهجينة لجنوب السودان.

ويخشى عدد من المراقبين والمهتمين بسير تنفيذ اتفاق السلام في جنوب السودان أن تكون السلطات الحكومية قد استطاعت عبر تحركاتها الخارجية النجاح في تعطيل إنشاء المحكمة الهجين التي نصت عليها اتفاقية السلام، لكن المحير في الأمر هو صمت المعارضة في أحايين كثيرة عن تلك المسالة الحيوية التي طالما تناولتها بصورة تبدو أكثر جدية قبل التحاقها بهياكل الحكومة الانتقالية الجديدة، مما يثير العديد من الاسئلة المتعلقة بالأدوار المتبادلة بينها والحكومة التي ربما تسعى جادة أيضًا لإقناعها بعدم جدوى تكوين المحكمة الهجين في الوقت الحالي.

على الأطراف أن تضع في الحسبان أن رد الاعتبار للضحايا والقتلى الذي يقارب عددهم (400) ألف مدني هو ما سيعيد ثقة المواطنين في عملية السلام المتعثرة

وقد تفلح الأطراف الحكومية بشكل أو آخر في التأثير المباشر أو غير المباشر على عملية إنشاء المحكمة الهجين بدعوى أن أي حديث مبكر عن العدالة وتقديم مسئولين بارزين في الحكومة والمعارضة للمحاكمة من شأنه أن يقود إلى عدم تنفيذ بنود اتفاق السلام، لكن في ذات الوقت يجب على الأطراف أن تضع في حسبانها أن رد الاعتبار للضحايا والقتلى الذين يقارب عددهم (400) ألف مدني هو الذي سيعيد ثقة المواطنين الذين فروا إلى دول الجوار والذين تقارب أعداهم المليوني مواطن، إلى جانب أكثر من مليون مواطن آخرين يرزحون في معسكرات النزوح ومراكز الحماية الأممية، في عملية السلام المتعثرة، فتحقيق العدالة هو الضمان الوحيدة لعودة هؤلاء المشردين لمناطقهم واستئناف حياتهم السابقة التي يصعب أن تعود إلى سابق عهدها وهم يشاهدون الأشخاص المسئولين عن معاناتهم طلقاء دون أدنى مساءلة ومشمولين بعناية الدولة ورعاية أجهزتها الحكومية.

اقرأ/ي أيضًا

لجان المقاومة بالحاج يوسف تضبط عبوات ناسفة شديدة الانفجار بسوق "ستة"

زيادة هائلة في رسوم المدارس الخاصة تثير أزمة في الخرطوم واحتجاجات من الأهالي