28-يوليو-2022
احتجاجات رافضة للحكم العسكري في السودان

احتجاجات رافضة للحكم العسكري في السودان

أدانت اللجنة الفنية لمجلس الأمن والدفاع لدى انعقادها في القيادة العامة برئاسة الفريق أول عبدالفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة الأحداث "المؤسفة" التي جرت في محطة "باشدار"، محذرةً من تأثير العنف والعنف المضاد على الأمن  القومي للبلاد.

يفسر الاعتداء على موكب "27 يوليو" حالة مَرَضية متفشية في بعض الأوساط السياسية، تفاقمت بعد انقلاب "25 أكتوبر"

ومن جانبها أدانت الجبهة الثورية الاعتداء الذي وصفته بـ"غير المبرر" على موكب "السودان الوطن الواحد" الذي دعت إليه قوى الحرية والتغيير (مجموعة المجلس المركزي) أمس الثلاثاء.

وقالت الجبهة الثورية في بيان: إن شعارات موكب "السودان الوطن الواحد" الرافضة للعنصرية والجهوية، تتسق مع المبادئ والأهداف الوطنية التي تنادي بها كل القوى السياسية في البلاد.

وأكدت الثورية وقوفها مع حرية التعبير السلمي وضد تحويل حالة السلمية التي صاحبت ثورة ديسمبر المجيدة إلى حالة "عنف وعنف مضاد".

وكان محتجون قد منعوا موكب "السودان الوطن الواحد" الذي جاء بدعوة من قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) الثلاثاء الماضي من الاستمرار في تركيب المنصة الرئيسية في "تقاطع باشدار" بحي الديوم الشرقية جنوبي الخرطوم، مرددين هتافات مناوئة للحرية والتغيير، سرعان ما تحولت إلى مشادات وإطلاق للغاز المسيل للدموع.

https://t.me/ultrasudan

وسبق الموكب الذي اضطر منظموه إلى مغادرة منطقة الديوم الشرقية حالة استقطاب بين قوى الحرية والتغيير ولجان مقاومة الديوم الشرقية على مواقع التواصل الاجتماعي، على خلفية بيان أصدرته تنسيقية لجان مقاومة الديوم اعترضت فيه على إقامة أيّ منصة إعلامية لمخاطبة الجمهور في محطة باشدار من أيّ قوى حزبية، حاصرةً هذا الحق على لجان المقاومة.

وهاجمت مجموعات مجهولة "موكب السودان الوطن الواحد" الذي جاء دعمًا للتعايش السلمي في البلاد على خلفية أحداث العنف في النيل الأزرق التي أدت إلى مقتل نحو (80) شخصًا ونزوح (31) ألف شخص – بحسب وزارة الصحة الاتحادية والأمم المتحدة.

واتهمت قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) السلطة الانقلابية ومنسوبي النظام البائد بالاعتداء على موكبها في باشدار. وكشفت عن إصابة القيادي في الحرية والتغيير كمال بولاد في الرجل بآلة حادة من بعض المجهولين إلى جانب إصابات طالت قيادات في المؤتمر السوداني، منهم الأمين العام للحزب في فرعية الخرطوم أحمد عبدالستار في اليد والرأس، وعضو أمانة الإعلام علي دابا بسكين فوق الحاجب، وشباب من حزب الأمة، من مجموعة كانت تحمل عصي وتتوعد المشاركين.

لاحقًا أدانت تنسيقية مقاومة الديوم الشرقية أحداث العنف التي شهدها الموكب. ومن خلال بيان أعربت عن رفضها واستنكارها لما جرى وقالت إنه "لا صلة لهذه الأحداث بالديوم الشرقية". وأضاف البيان: "نؤكد أن مثل هذه السلوكيات واستخدام العنف لا تشبهنا ولا تشبه ثورتنا السلمية التي سنتمسك بسلميتها دائمًا وأبدًا".

أحداث "باشدار" وتداعياتها تطرح سؤالًا ملحًا: "إذا كان الجميع يدين العنف فمن الذي يصنعه؟" تجيب قوى الحرية والتغيير على السؤال بتوجيه أصابع الاتهام إلى القوى المضادة للثورة والراغبة في حرفها عن سلميتها تمهيدًا للانقضاض عليها. ويحدد بيانها "الانقلابيين والنظام البائد" كمتهمين رئيسيين، ويشير في الوقت نفسه إلى أن المعتدين نفذوا اعتداءهم عبر التحريض وتوفير الإمكانيات اللوجستية.

بالنسبة إلى القيادي في قوى الحرية التغيير والوزير السابق في حكومة ما قبل الانقلاب خالد عمر يوسف، فإن ما حدث من هجوم مسلح على الموكب "أمر متوقع ولا يجب أن نرفع حاجب الدهشة في مواجهته"، لافتًا إلى أن التسامح مع "الخطابات الشعبوية المزايدة" هو الذي مهّد طريق "ارتداء الأجهزة الأمنية لأقنعة ثورية"، ومشيرًا إلى أن هذه الخطابات جعلت من تجني قوى الثورة على بعضها البعض "أمرًا عاديًا لا يثير الاستنكار"، ومهمة نشر "الفرقة والشتات" في صفوف القوى المناهضة للانقلاب "تبدو كفعل ثوري نقي عبر خطاب يستعير كلمات الثورة ويفارق مضمونها وقيَمها" – على حد تعبيره.

لكن تحميل قوى الحرية والتغيير للنظام البائد والانقلابيين مسؤولية صناعة العنف لا يبدو واقعيًا عند آخرين يحملونها هي المسؤولية، من خلال صناعة "خطاب كراهية" ظل -في نظرهم- السمة الأبرز في حقبة ما بعد سقوط نظام البشير في 11 نيسان/ أبريل 2019.

ويصف الكاتب الصحفي والمحلل السياسي محمد المبروك في عموده "نداء النجوم" الذي نشر في عدد من المواقع - يصف مجموعة المجلس المركزي بـ"تجار خطاب الكراهية"، مشيرًا إلى بداية الخطاب بشعارات تستهدف عناصر النظام البائد، ثم تسربه رويدًا رويدًا -بحسب المبروك- ليصبح منهجًا شاملًا شمل حتى حلفاء الثورة أنفسهم وكل من اختلف مع التحالف الذي كان حاكمًا.

ويزعم المبروك أن خطاب الكراهية الذي سمّمت به عناصر الحرية التغيير الإعلامية المجال العام، كان "سببًا رئيسيًا ودافعًا قويًا" للإرادات التي تلاقت في أكتوبر وأسقطت الحرية والتغيير. ويضيف: ما حدث هو أن "الآخرين التقطوا زمام المبادرة وردوا الصاع".

 وقال المبروك: "في النهاية حين تضع قواعد اللعبة، لعبة الكراهية والاستعداء، عليك أن تحذر من أن ترتد عليك".

وأوضح المبروك: "ما حدث أن خطاب الكراهية وهو عنف معنوي أنتج عنفًا ماديًا ضد (قحت)  في باشدار وقبلها في شمبات". وتابع: "المطلوب هو أن نتوقف فورًا عن تغذية هذا الخطاب المسموم بعد أن ثبت ألا أحد سينجو منه حتى صانعه".

ويفسر الاعتداء على موكب "27 يوليو" حالة مَرَضية متفشية في بعض الأوساط السياسية، تفاقمت بعد انقلاب "25 أكتوبر"، وجوهرها كراهية تحالف قوى الحرية والتغيير خاصةً والأحزاب عمومًا، في ملمح وثيق الصلة بمعاداة الحرية والديمقراطية والتعددية السياسية والثقافية من جهة، والتقارب السياسي والعضوي مع الانقلاب من جهة أخرى - بحسب رؤية الصحفي عبدالله رزق المنشورة في صحيفة "الهدف" لسان حال حزب البعث العربي الاشتراكي في السودان.

والدافع الأساسي لما حدث هو خلق "حالة من القطيعة" بين الشارع ممثلًا في لجان المقاومة وبين المكونات الحزبية، ولم تكن الحملة المستهدفة للأحزاب وليدة ما قبل موكب باشدار الأخير، بل سبقه تمدد الموقف الرافض لكل حزبي لمصلحة حكم التكنوقراط في مرة أو بتأثيرات خارجية - كما تقول قوى الحرية التغيير. لكن يحذر القيادي بقوى الحرية التغيير شريف محمد عثمان من تمدد هذه الظاهرة التي بدأت بتجمع المهنيين ومن بعده الأحزاب ومن بعدها لجان المقاومة وهكذا يسيطر الانقلابيون - طبقًا لتعبيره.

وإلى ذلك، حمّل بيان لحكومة الظل في حزب بناء السودان قوى الحرية والتغيير والأحزاب مسؤولية ما حدث. ورأى بيان حكومة الظل إن "التعدي الممنهج" من قبل الأحزاب السياسية السودانية على ما وصفته بـ"الحق الحصري للشعب السوداني" في الدعوة إلى التظاهر والاحتجاج، وتخليها "غير المبرر" عن الاضطلاع بدورها ووظيفتها الأساسية؛ يؤدي إلى "عسكرة المجال السياسي".

ولفت البيان إلى أن هذا الأمر يمثّل "تهديدًا حقيقيًا" لأمن وسلامة المواطنات والمواطنين ويضيف تعقيدات "لا قِبل للدولة بتحمل نتائجها وتداعياتها".

بناء السودان: الأمر يمثّل تهديدًا حقيقيًا لسلامة المواطنين ويضيف تعقيدات لا قِبل للدولة بتحمل نتائجها

ويعيش السودان أزمة سياسية حادة وواقعًا تسيطر عليه حالة من الاستقطاب على أسس القبيلة والجهة، محكومًا بانقلاب عسكري تبرز بين مكوناته تباينات الحادة، وشارع رافض للقوى السياسية ولكل حزبي، وقوى حزبية ترغب في إنهاء الانقلاب لكنها تعجز عن الاتفاق على رؤية موحدة لإنجاز المهمة وإدارة الانتقال.